الثورة – محمود ديبو:
ضرورة العمل لتنويع مصادر الطاقة التي تعتمد عليها الدول، باعتبار أن هذا يجنبها الكثير من التحديات الاقتصادية والسياسية والبيئية أيضاً، هذا ما دعا إليه الخبير الاستشاري الدكتور محمد أيمن البزرة خلال محاضرته في فرع دمشق لنقابة المهندسين مساء أمس.
تحديات
وأشار إلى أن الاعتماد على الخارج للحصول على الطاقة، قد يعرض للابتزاز في هذا المجال، إذ تستخدم الدولة المُصدِرة الطاقة كأداة سياسية، كذلك على الصعيد الاقتصادي فإنه قد تؤدي الاضطرابات في إمدادات الطاقة العالمية، سواء بسبب القضايا الجيوسياسية أو الكوارث الطبيعية، إلى تقلب الأسعار، وهذا قد يزعزع الاقتصاد، مسبباً التضخم واضطرابات اجتماعية، بحسب الخبير البزرة.
ويتابع: على الصعيد البيئي هناك مخاطر التلوث وتغير المناخ وندرة الموارد والهجرة، ذلك أن الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري يضر بالبيئة، ويسبب التلوث وتغير المناخ ويمكن أن يؤدي ذلك بشكل غير مباشر إلى تحديات أمنية مثل ندرة الموارد والهجرة الجماعية.
وأوضح الدكتور البزرة أن تنويع المصادر أمر مهم، فهناك الطاقات المتجددة والوقود الأحفوري الأنظف وكذلك الطاقة النووية، ويجب أيضاً تنويع الموردين، فلا يجب الاعتماد على مورد واحد في تأمين الوقود.
مرونة واستقلالية
هذا الأمر سيولد فوائد كثيرة، بحسب الدكتور البزرة، أهمها تقليل التعرض للخطر حيث أن تنويع الطاقة يجعل الدولة أقل عرضة للصدمات في الإمدادات التي تؤثر على مصدر أو مورد واحد.
ويقول: كذلك فإن تطوير مصادر الطاقة المحلية، وخاصة المتجددة يزيد من استقلالية الدلة في مجال الطاقة، وهذا يوفر الاستقرار الاقتصادي بسبب استقرار إمداد الطاقة، ومن الناحية البيئية، فإن الانتقال إلى الطاقة الأنظف يساعد في التخفيف من تغير المناخ والتلوث ما يعزز الأمن البيئي والوطني على المدى الطويل.
وعلى الصعيد التكنولوجي، يشير إلى أن تنويع المصادر يساهم في دفع البحث والتطوير في أنظمة الطاقة الجديدة (الشبكات الذكية، تخزين الطاقة، الهيدروجين، وغيرها)، وأيضاً يعزز التنوع المرونة والموثوقية حيث يمكن للشبكة المتنوعة أن تتكيف بشكل أفضل مع الصدمات (مثل نقص الوقود، الظروف الجوية القاسية، الهجمات السيبرانية).
ضرورة استراتيجية
ووجد الدكتور البزرة أن التحول إلى أنظمة طاقة نظيفة وأكثر استدامة، هو ضرورة استراتيجية لتعزيز الأمن القومي في القرن الحادي والعشرين، لافتاً إلى أن الاعتماد على الطاقة يشكل مصدر قوة وضعف في الوقت نفسه ففي نظام دولي، فيه الدول الغنية بالطاقة تستغل عدم تماثل القوى مع الدول الفقيرة بالطاقة من خلال اضطرابات الامدادات والدبلوماسية القسرية والتدخل العسكري، وهناك أدلة تاريخية كثيرة.
ويبين أنه من منظور ليبرالي إن مركزيات اقتصاديات الطاقة تركز على كيفية قدرة المؤسسات الدولية والأنظمة التجارية واتفاقيات التعاون الدولية في التخفيف من المخاطر الأمنية المرتبطة بالاعتماد على الطاقة، كما يمكن أن تقلل من ضعف الدول أمام اضطرابات الإمدادات أو الإكراه السياسي، كما يمكن أن يخلق الاعتماد الاقتصادي المتبادل الناتج عن تجارة مكاسب متبادلة وحوافز للتعاون، ما قد يقلل من احتمالية الصراع أو النزاع.
التكنولوجيا والأمن السيبراني
وبما أن تنويع مصادر الطاقة يدفع باتجاه تعزيز البحث الأكاديمي، بحسب الدكتور البزرة، فإن من المجالات الناشئة في هذا الإطار نجد الأمن السيبراني والابتكار التكنولوجي، إذ إن الانتقال إلى الطاقة المتجددة والشبكات الذكية يخلق اعتماداً جديداً على البنية التحتية الرقمية، ما يجعل أنظمة الطاقة عرضة للهجمات السيبرانية، وهنا يركز البحث العلمي على تأمين أنظمة الطاقة في العصر الرقمي من خلال تدابير قوية للأمن الفيزيائي والسيبراني والتعاون الدولي.
ويسوق البزرة مثالاً على ذلك الاستثمار في الشبكات الذكية في الاتحاد الأوروبي، فقد عملت دول الاتحاد الأوروبي على تطوير شبكات طاقة ذكية متقدمة تعتمد على أنظمة رقمية لمراقبة استهلاك الكهرباء وتحسين الكفاءة، وهذه المبادرات تعزز الابتكار لكنها تفرض في الوقت نفسه ضرورة رفع مستوى الحماية السيبرانية.
تحليل أكاديمي
ويقول: إن الدراسات والأبحاث تركز في كيفية استدامة مصادر الطاقة في النظام العالمي على المدى الطويل، وخصوصاً في مواجهة الاعتماد المستمر على الطاقة والتهديدات الأمنية المتطورة، كما تركز الأبحاث على دراسة تأثير الطاقة على المعايير الدولية وتوزيع القوى واستقرار هياكل الأمن العالمي، مبيناً أن المسألة الأساسية اليوم هي موازنة احتياجات الطاقة مع الاستدامة، لأن خيارات الطاقة اليوم ستؤثر على توزيع القوى المستقبلية والتعاون الدولي واستقرار الأمن.
فمثلاً، يشير الدكتور البزرة، إلى أن الصين أصبحت لاعباً مهماً في إنتاج الألواح الشمسية والبطاريات، مما يمنحها نفوذاً استراتيجياً في سلاسل توريد الطاقة النظيفة، ودول الشرق الأوسط المصدرة للنفط تواجه تحديات اقتصادية وأمنية طويلة الأمد مع انخفاض الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، مما يضطرها إلى تنويع اقتصادها، وأيضاً الأعراف الدولية تتطور، إذ تحدد اتفاقيات مثل اتفاق باريس للمناخ توقعات جديدة للتعاون والمساءلة في سياسات الطاقة والأمن.