“مسلخ صيدنايا” البشري .. تاريخ أسود ووصمة عار

الثورة – سامر البوظة:

لطالما كانت السجون والمعتقلات في عهد النظام المخلوع من أكثر الملفات السوداء التي ارتبطت بهذا النظام وخلفت آلاماً وجراحاً عند السوريين لا تزال تنزف حتى اليوم، حيث ارتبطت هذه السجون بممارسات القمع ومختلف أنواع التعذيب الوحشي، وصولاً إلى الموت والإخفاء بظروف غامضة، لتبقى هذه السجون وصمة عار على جبين الإنسانية إلى أن يتم معاقبة المجرمين ومحاسبتهم وتقديمهم للعدالة.

مؤخراً أعلنت قوى الأمن الداخلي العثور على سجن سري تحت الأرض في منطقة المخرم بريف حمص الشرقي، كان يستخدمه النظام المخلوع خلال فترة الثورة لاحتجاز مدنيين وتعذيبهم، في دليل إضافي على ممارسات النظام المخلوع القمعية وإجرامه.

هذا السجن عبارة عن مخبأ تحت الأرض يتصل بنفق بعمق 5 أمتار وطول 40 متراً، ومزود بباب حديدي مغلق، وبداخله تجهيزات مثل فرش إسفنجية وأغطية صوفية وأدوات تستخدم في التعذيب مثل العصي والحبال، كما يحتوي على كتب ومطبوعات كانت موجهة للمليشيات المدعومة من النظام المخلوع.

وكانت قوى الأمن بمحافظة حمص عثرت في الـ 24 سبتمبر/أيلول الماضي على سجن تحت الأرض في منطقة زراعية قرب قرية أبو حكفة، كان يستخدمه النظام لاحتجاز مدنيين.

هناك الكثير من السجون في سوريا خاصة في العاصمة دمشق، حيث لكل محافظة من المحافظات سجنها المركزي الخاص، فضلاً عن وجود سجون في المدن الرئيسية، لكن السجون والمعتقلات الأكثر فظاعة هي تلك التي تتبع الأجهزة الأمنية، والمنتشرة أيضاً في جميع المحافظات، وإن كان أكثرها عدداً، وأكبرها حجماً في العاصمة دمشق.

لمحة تاريخية:

بعد الاستقلال عام1945، طرأ على نظام السجون في سوريا مجموعة من التعديلات، حيث كانت السجون تتبع لإدارة السجون قبل أن يتم إلحاقها بوزارة الداخلية مع تولي حافظ الأسد السلطة عام 1970 لتصبح تابعة تماماً لأجهزة النظام الأمنية، قسم القرار رقم /1/ لعام 1981 السجون إلى ثلاث فئات أطلق عليها تسمية: (فروع – أقسام – مخافر)، وتضم الفروع سجون دمشق، حمص، حلب، اللاذقية، والحسكة، بينما تضم الأقسام سجون بقية المحافظات السورية حيث في كل محافظة سجن، أما المخافر فهي تضم سجون المناطق وبعض النواحي الكبيرة، يضاف إلى ذلك معاهد الإصلاح الخاصة بالأحداث وهي تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية، هذا فضلاً عن الأماكن السرية للاحتجاز، وتضم السجون وأقبية الفروع الأمنية، وتخضع لإدارة الأجهزة الأمنية.

من أبرز سجون النظام وأشهرها سجن صيدنايا الذي يعد من أكبر سجون سوريا وأفظعها وأسوأها سمعة، عرف منذ تشييده عام 1987 بأنه سجن عسكري يضم آلاف الجنود والضباط المتهمين بمخالفة القوانين العسكرية، لكنه في الواقع كان معتقلاً لمئات من السياسيين السوريين والعرب، يقع السجن قرب دير صيدنايا التاريخي، على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً شمال العاصمة دمشق، وكان رمزاً لسطوة نظام حزب البعث الحاكم، وتتولى إدارته الشرطة العسكرية.

يتألف السجن من مبنيين ويضم بين 10000 و20000 معتقل، وكان يقع تحت مظلة وزارة الدفاع، بينما تديره الشرطة، وعادة ما يقضي المعتقلون شهوراً أو سنوات في الاعتقال في سجون أخرى قبل نقلهم إلى صيدنايا، ولم يبدأ هذا النمط إلا بعد الثورة في 2011، وقد أُدينت وانتقدت هذه الطريقة دولياً خصوصاً من قبل منظمة العفو الدولية، بعد أن تحدثت التقارير عن أن عمليات النقل هذه تتم بعد محاكمات غير عادلة تجرى في محكمة عسكرية سرية.

ووفقاً لشهادات المعتقلين الذين قابلتهم منظمة العفو الدولية فقد وُصفت هذه المحاكمات بأنها “شكلية” ولا تستغرق أكثر من دقيقة إلى ثلاث دقائق، وأفاد بعض المعتقلين بأنهم أُبلغوا أنهم سينقلون إلى سجن مدني، لكنهم بدلاً من ذلك كانوا سيعدمونهم، في حين كان بعضهم لا يعرض حتى على قاض.

سجن صيدنايا المعروف أيضاً باسم “المسلخ البشري” كان سجناً عسكرياً ومعسكراً للإبادة، واستخدم لاحتجاز آلاف السجناء من المدنيين أو المعارضين للحكومة أو السجناء السياسيين، ولقب بـ “المسلخ البشري” لاشتهاره بفنون التعذيب والقتل والإعدام، ويعد هذا السجن أكثر سجون نظام الأسد شهرة، وهو رمز للتعذيب الجسدي والنفسي والاعتداء الجنسي والإعدامات الجماعية، وبعد الاستيلاء عليه في 2024، نشرت الحكومة الجديدة قائمة بموظفي السجن الهاربين، الذين أصبحوا من بين أكثر الهاربين المطلوبين في سوريا بعد عائلة الأسد.

إعدامات جماعية

وقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان في يناير، كانون الثاني 2021 أن 30 ألف معتقل قتلوا بوحشية على يد نظام الأسد في السجن بسبب التعذيب وسوء المعاملة والإعدامات الجماعية منذ اندلاع الحرب، في حين قدرت منظمة العفو الدولية في شهر فبراير/ شباط 2017، أن ما بين 5000 و13000 شخص أعدموا خارج نطاق القضاء في صيدنايا بين سبتمبر/ أيلول 2011 وديسمبر/ كانون الأول 2015.

وحددت منظمات حقوق الإنسان أكثر من 27 سجناً ومركز احتجاز أدارتها حكومة الأسد المخلوع في جميع أنحاء البلاد، حيث يتعرض المعتقلون للتعذيب والقتل بشكل روتيني، وقد هرب مصور جنائي سابق في الشرطة العسكرية منشق اشتهر باسم “قيصر” من سوريا ومعه عشرات الآلاف من الصور تكشف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تتم، وتظهر جثث الذين قتلوا في تلك السجون، وصرح بأنه قام شخصياً بتصوير القتلى وأنه خزن آلاف الصور الأخرى لضحايا آخرين.

كما وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وجود 27 مركز احتجاز من هذا النوع في أنحاء سوريا، العديد منها في دمشق، ووفقاً لـ الشبكة السورية لحقوق الإنسان، اعتقل أكثر من 136,614 شخصاً، من بينهم 3698 طفلاً و8504 امرأة، في السجون السورية خلال فترة الحرب التي كانت دائرة بين مارس، آذار 2011 وديسمبر، كانون الأول 2024.

وذكر أحد السجناء السابقين في السجن والذي احتجز بسبب مشاركته في احتجاج سلمى، لمنظمة العفو الدولية أن سجناء صيدنايا أجبروا ما بين قتل أنفسهم أو قتل أحد أقاربهم أو أصدقائهم، وقال أنه في السجن الأول الذي كان فيه أجبر السجناء على أكل لحوم البشر، لكن ذلك السجن كان “جنة” مقارنة بسجن صيدنايا، بحسب وصفه، وقال أيضاً أن السجن الأول (فرع 215) كان للاستجواب وإن كان من خلال التعذيب، وعندما ينتهي الاستجواب ينقلونك إلى صيدنايا لتموت، وجرى تنفيذ ممارسات واسعة من التعذيب اللاإنساني في السجن، بدءاً من الضرب المبرح والاعتداءات الجنسية وقطع الرؤوس والاغتصاب والحرق إلى استخدام الألواح المفصلية المعروفة باسم “بساط الريح”، وذكرت وزارة الخارجية الأميركية في 2017 أنه جرى بناء محرقة في السجن للتخلص من جثث المعدومين.

في 8 ديسمبر، كانون الأول 2024، استول رجال الثورة على السجن أثناء تقدمهم نحو دمشق، حيث وافقت إدارة السجن على تسليمهم السجن مقابل انسحابهم الآمن، وبعد الاستيلاء جرى إطلاق سراح السجناء.

يذكر أن هناك أيضاً عدداً من السجون المنتشرة في المدن السورية أبرزها: سجن عدرا – سجن المزة – سجن تدمر – سجن دمشق – سجن حلب – سجن حمص – سجن حماه – سجن السويداء – الفرع 285 التابع لأمن الدولة، وغيرها من السجون التي لم تكتشف بعد.

آخر الأخبار
"المفوضية الأوروبية": على أوروبا الاضطلاع بدور فعال في دعم سوريا المصارف.. انكشاف مالي عابر للحدود تصدير 89 براداً من الخضار والفواكه إلى الخليج في 4 أيام الشفافية الدبلوماسية على لسان " الشيباني "  بدعم من "يونيسف".. "السويداء" تطلق أعمال ترميم ست مدارس ارتفاع الأسعار مرض اقتصادي يترقب العلاج! كيف حوّل النظام المخلوع مدارس ريف دمشق إلى ثكنات عسكرية؟ توسيع الطاقة الاستيعابية في المدينة الجامعية بحلب لجنة فنية  لدراسة الاعتراضات على المخططات التنظيمية بحلب تفاوت أسعار الأدوية بحلب.. غياب للرقابة والنقابة لا تجيب..! الإنارة في دمشق ..حملات صيانة لا تلامس احتياجات الأحياء 10 آلاف مستفيد من خدمة "شام كاش"  في "بريد اللاذقية" الأمن الداخلي يُعلن التحرك بحزم لإنهاء الفوضى في مخيم الفردان اجتماع تنسيقي في درعا يبحث مشروعات مشتركة مع منظمات دولية الأردن يحذر: استقرار سوريا شرط لتجنب موجات لجوء جديدة سجون نظام المخلوع.. حكايات كتبت على جدرانها بحبر دماء المعتقلين تنويع مصادر الطاقة لتجنب التهديدات وموازنة الاحتياجات مع الاستدامة سجن تدمر العسكري.. ذاكرة من الألم قرار بريطانيا رفع "تحرير الشام" من الإرهاب يتيح تفاعلاً أوثق مع سوريا "مسلخ صيدنايا" البشري .. تاريخ أسود ووصمة عار