كيف حوّل النظام المخلوع مدارس ريف دمشق إلى ثكنات عسكرية؟

الثورة- هنادة سمير:
في ريف دمشق، إذ كانت أصوات الأطفال تملأ الساحات المدرسية ضجيجاً بالحياة، خيم الصمت لسنوات طويلة.
فمع اشتداد المعارك خلال الحرب (2012 – 2020)، تحولت عشرات المدارس إلى ثكنات عسكرية ومراكز اعتقال ومستودعات ذخيرة، تاركة وراءها جيلًا كاملًا بلا مقاعد ولا كتب.
تروي السيدة منيرة الخطيب من أهالي وادي بردى “للثورة “، أنها عندما عادت إلى قريتها بعد التحرير، لم تستطع تمييز مدرستها القديمة تقول: أصبحت المدرسة التي تعلمت فيها في المرحلة الاعدادية  مقراً عسكرياً، نوافذها مسدودة بأكياس الرمل، وساحتها مليئة بالحفر والخنادق. حتى السبورة كانت مليئة بآثار الرصاص.

600 مدرسة تعرضت للانتهاك

لم تكن تلك حالة فردية، بل ظاهرة ممنهجة في مناطق سيطر عليها النظام لسنوات، فقد اعتمدت القوات على المدارس كمواقع عسكرية لأسباب عدة: منها قربها من الأحياء السكنية، ومتانة بنائها، وتوافر المساحات الواسعة فيها لتخزين العتاد ونشر الجنود، وبحسب تقارير منظمات حقوقية وتعليمية، تم توثيق استخدام ما لا يقل عن 600 مدرسة في سوريا كمواقع عسكرية أو مقارٍ أمنية خلال سنوات الحرب، كان لريف دمشق نصيب كبير منها.

وبحسب خبراء فإن تحويل المدارس إلى ثكنات لم يكن مجرد تغيير في البنية المكانية، بل تدمير للبيئة التعليمية بأكملها، إذ توقفت الدراسة في معظم بلدات الريف الغربي والشرقي، واضطر آلاف الأطفال إلى النزوح أو العمل المبكر، عن ذلك تقول المعلمة  ميادة رجب: كبديل عن المدارس التي تحولت الى مقار عسكرية أصبحنا ندرس التلاميذ ضمن البيوت أحياناً أو في المزارع أو الأقبية، فلم يكن لدينا سبورات ولا كتب، لكننا كنا نصرّ على أن يبقى التعليم حياً ولو بالحد الأدنى.

وقد أدى هذا الانقطاع إلى فجوة تعليمية ضخمة، جعلت كثيراً من الأطفال خارج النظام المدرسي لسنوات، ما صعّب لاحقاً إعادة دمجهم بعد التحرير، وتصف الخبيرة الاجتماعية سوسن السهلي في حديثها “للثورة “استخدام النظام للمدارس بأنه استراتيجية سياسية  لأنه كان يدرك رمزية المكان،  فالسيطرة على المدرسة تعني السيطرة على الوعي والذاكرة، وهي رسالة للمدنيين بأن التعليم لم يعد أولوية بل أصبح أمراً ثانوياً في حضرة المدافع.

وتبين السهلي أن عسكرة المدارس كانت وسيلة لإخضاع المجتمعات المحلية وإفقادها القدرة على تنظيم نفسها مدنياً، لأن المدرسة في الريف كانت غالباً مركز النشاط الاجتماعي والثقافي في القرية.

بعد التحرير: إرث ثقيل

بعد  التحرير واستعادة السيطرة على هذه المناطق، واجهت المجتمعات المحلية في قرى وبلدات ريف دمشق مهمة شاقة لإعادة الحياة التعليمية، فالكثير من المدارس كانت مدمرة كلياً أو ملوثة بمخلفات عسكرية، ما جعل عودتها إلى وظيفتها التعليمية أمراً محفوفاً بالمخاطر،
ويقول المهندس معاذ نجم: اضطررنا إلى إزالة الألغام وتنظيف الجدران من آثار القصف قبل أن نعيد فتح المدرسة، كنا نعيد بناء المكان، لكننا كنا نواجه أيضاً إعادة بناء الثقة في التعليم.

بين الأمل والذاكرة

الأثر النفسي لتحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية بدا واضحاً على طلاب المدارس والتلاميذ، فالأطفال الذين شاهدوا مدارسهم تتحول إلى مواقع عسكرية باتوا يعانون من اضطرابات في العلاقة مع المكان، وتقول السيدة هالة رمضان، وهي أم لثلاثة أطفال: بعد التحرير أصبح ابني يخاف دخول المدرسة، ويعتقد أن المكان هو للعسكر وليس للتلاميذ،  واستغرق وقتاً طويلاً  قبل أن يشعر أن المدرسة باتت مكاناً آمناً من جديد.
وتبين  السهلي أن هذا الانفصال بين الطفل والمدرسة يُعد أحد أخطر نتائج الحرب على المدى الطويل، إذ يفقد الجيل الجديد إحساسه بأن التعليم أداة للارتقاء، وليس مكاناً للخوف.

تأهيل 15 مدرسة

شهدت الأشهر الأخيرة  انطلاق مبادرات أهلية ومجتمعية لإعادة ترميم المدارس في ريف دمشق، برغم الصعوبات وذلك بجهود متطوعين ومغتربين، ففي الزبداني ووادي بردى، شاركت منظمات محلية مثل “جذور الغد” و”البيت السوري” في إعادة تأهيل نحو 15 مدرسة، وإطلاق حملات لتشجيع الأطفال على العودة إلى الدراسة، كما أطلقت مبادرات تربوية نفسية لدعم الأطفال المتأثرين نفسياً، تضمنت جلسات حوار وأنشطة فنية تهدف إلى تحويل الخوف إلى تعبير، والخراب إلى أمل.

ورغم  المبادرات المجتمعية والجهود الأهلية، لا يزال العديد من المدارس في ريف دمشق خارج الخدمة أو بحاجة إلى ترميم شامل، وتشتد الحاجة إلى تعاون أوسع وشراكة فعلية بين الجمعيات الأهلية والدولة لضمان إعادة بناء المدارس بشكل آمن وفعال، وتأمين البيئة التعليمية للأطفال.

عودة المدارس بناء للإنسان

وترى السهلي أن إعادة إحياء المدارس في ريف دمشق تمثل أحد أشكال المقاومة المدنية بعد الحرب فحين تعود المدرسة، تعود الدولة بمعناها المدني، ويستعيد الناس شعورهم بأن التعليم أقوى من الرصاص، و هذا ما يجعل إعادة بناء المدارس مسألة تتجاوز البنية التحتية إلى إعادة بناء الإنسان نفسه،

وتشير إلى أن تحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية كان من أكثر مظاهر تشويه المجتمع السوري فداحة، لأنه لم يدمر المباني فحسب، بل استهدف روح التعليم نفسها، وتؤكد ان عودة المدارس بعد أن كانت رموزا للعسكرة هو إعلان بدء نهضة مدنية تكتب فصولا جديدة من قصة صمود السوريين وإصرارهم على أن العلم هو السلاح الحقيقي في وجه الخراب.

آخر الأخبار
رئيس الوزراء القطري والمبعوث الأميركي يبحثان سبل دعم سوريا الهلال الأحمر القطري يطلق مشروعاً إنسانياً لإنقاذ مرضى الكلى في سوريا سجن المزة العسكري .. تاريخ أسود من القهر والتعذيب الاعتماد الصحي يدخل الخدمة .. وزير الصحة ل " الثورة " : ضمان الجودة والسلامة في الرعاية الصحية "المفوضية الأوروبية": على أوروبا الاضطلاع بدور فعال في دعم سوريا المصارف.. انكشاف مالي عابر للحدود تصدير 89 براداً من الخضار والفواكه إلى الخليج في 4 أيام الشفافية الدبلوماسية على لسان " الشيباني "  بدعم من "يونيسف".. "السويداء" تطلق أعمال ترميم ست مدارس ارتفاع الأسعار مرض اقتصادي يترقب العلاج! كيف حوّل النظام المخلوع مدارس ريف دمشق إلى ثكنات عسكرية؟ توسيع الطاقة الاستيعابية في المدينة الجامعية بحلب لجنة فنية  لدراسة الاعتراضات على المخططات التنظيمية بحلب تفاوت أسعار الأدوية بحلب.. غياب للرقابة والنقابة لا تجيب..! الإنارة في دمشق ..حملات صيانة لا تلامس احتياجات الأحياء 10 آلاف مستفيد من خدمة "شام كاش"  في "بريد اللاذقية" الأمن الداخلي يُعلن التحرك بحزم لإنهاء الفوضى في مخيم الفردان اجتماع تنسيقي في درعا يبحث مشروعات مشتركة مع منظمات دولية الأردن يحذر: استقرار سوريا شرط لتجنب موجات لجوء جديدة سجون نظام المخلوع.. حكايات كتبت على جدرانها بحبر دماء المعتقلين