الثورة – علاء الدين محمد:
للحفاظ على هذه الحرفة وإنقاذها من النسيان أو الضياع، عمد الفنان هشام الكيلاني إلى إحياء هذا التراث عبر معرض فني ضم العديد من الأعمال الفنية في المتحف الوطني بدمشق. وهو فن نادر، وعلينا أن نتعلمه ونحافظ عليه لتتناقله الأجيال القادمة. فاللوحة تغري العين وتحاكي المتلقي.
من يتابع أعمال الفنان الكيلاني يشعر بقيمتها الجمالية في بعض اللوحات، وفي بعضها الآخر بقيمتها التربوية، مثل لوحة “العشاء الأخير” للسيد المسيح، حيث تضفي على الروح قدراً من الواقعية.
أما لوحة “حي الكيلاني” بحماة، ونهر العاصي، والبيوت المتلاصقة والمتكاتفة جنباً إلى جنب، فهي تشعر المتلقي بالحميمية والدفء، وتعيده إلى ذكريات طفولته الأولى، وعلاقات الجيرة والقربى.
كل هذه المشاعر تنتابك وأنت تتنقل بين تلك الأعمال الفنية المنفذة بتقنيات متعددة، حيث تبدو بسيطة لكنها تحتاج إلى عين لاقطة وثاقبة كي تبصر اللوحة النور.
على هامش المعرض، التقت “الثورة” عدداً من رواده، وكانت لنا هذه اللقاءات:
الفنان وائل دهان رئيس قسم الخزف في معهد الفنون التطبيقية والمشرف على المعرض، أكد أن أعمال الفنان هشام الكيلاني تعدت مسألة كونه حرفياً يشتغل بالفسيفساء كما يصفه الحرفيون. إنما لديه شيء متقن أكثر، يسمى “الفسيفساء الدقيقة”، حيث لا تتجاوز القطعة 2 مم، وبعضها نصف مم، يصنع منها عملاً فنياً كاملاً ومتقناً.
الكيلاني استطاع نقل هذه الحرفة إلى مصاف الفن التشكيلي، حيث أطر اللوحة بدلاً من أن تكون مثبتة على الأرض، وهذا مهم جداً، لأنه يساعد في توثيق الحضارة في الزمن الذي نعيشه، ومن ثم تسهيل الحفاظ عليها وحمايتها. إنه فنان قدير تناول موضوعات متعددة ومتنوعة بدقة وبحرفية عالية.
أما مدرسة الخزف، سارة دحبور، في المعهد التطبيقي بقلعة دمشق، فقد قالت: “إن الفنان الكيلاني هو أب روحي للفسيفساء السورية. تناول جوانب حياتية متعددة مثل بائع السوس، وصانع السجاد، وصانع السكاكين وجلاختها، إضافة إلى حرف أخرى. كما شغل العديد من اللوحات التي تتناول ديانات ومناطق متعددة، وعمل على جمع الكثير من المفردات والعناوين في لوحة واحدة. علماً أن هذه اللوحات كانت مطبوعة على جداريات ثابتة لا متحركة، لكن الكيلاني حولها إلى لوحات متنقلة بألوان متدرجة، منفذة بتأنٍ ودقة عالية. أعمال الفنان تحتاج إلى زمن لتنفيذها، وأعتقد أن لوحة “العشاء الأخير” للسيد المسيح استغرقت أحد عشر عاماً لتبصر النور، وهذا يتطلب جلداً وصبراً وتعباً.”
بينما أوضحت بيان المصري، مدرسة في معهد الفنون التطبيقية، أن المعرض يشمل أكثر من نوع من الفسيفساء، لكن أبرزها الفسيفساء الحجرية، حيث استخدم الفنان تقنيات قد تبدو بسيطة لكنها تحتاج إلى صبر وجهد وعمل دؤوب في التنفيذ. خاتمة حديثها بالقول: أعتقد أنه لولا وجود فنانين مثل هشام الكيلاني، لأصبح هذا الفن منسياً. وأستطيع أن أقول إن هذا النوع من الفن يحتاج إلى دقة، وباختصار يبرز خلفية الفنان الثقافية والفكرية والفنية.