الثورة – فادية مجد :
يتربّع حصن سليمان على عرش من الجمال الطبيعي والتاريخ العريق في قلب جبال الساحل السوري، محاطًا بالأشجار الكثيفة والمدرجات الزراعية التي تزيده سحرًا وهيبة.
يرتفع الحصن 750 مترًا عن سطح البحر، ويقع على بُعد نحو 20 كم شمال شرق مدينة صافيتا، مما يجعله قريبًا من واحدة من أجمل مدن محافظة طرطوس وأكثرها حيوية.
الأصل التاريخي والديني
يُبيّن المؤرخ والآثاري بسام القحط في حديثه لصحيفة الثورة أن حصن سليمان كان يُطلق عليه في العصور القديمة “بيت أوخيخي”، وفقًا لكتابة التدشين اليونانية المكتشفة في الحرم الكبير للمعبد.
ويشير القحط إلى أن حصن سليمان هو في الأصل معبد فينيقي أروادي، كان مكرسًا لعبادة آلهة الطبيعة والينابيع مثل الشمس والقمر والزهرة، ثم انتقلت هذه العبادة إلى اليونان والرومان بشكل عبادة لزيوس.
يتألف حصن سليمان من حرمين مسورين بسورين حجريين، هما الحرم الكبير والحرم الصغير، وبين الحرمين كان يمر الطريق الروماني الشهير الرابط بين الشاطئ السوري وحوض نهر العاصي. وقد تم توسيع المعبد الفينيقي القديم الذي يعود إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد وتكبيره بعد الميلاد في الفترة الرومانية الإمبراطورية بين 180-249 م.
الحرم الكبير والصغير
يأخذ الحرم الكبير شكل مستطيل كبير باتجاه الشمال والجنوب، وهو محاط بسور مبني من حجارة ضخمة، يصل طول الحجر الواحد منها إلى عشرة أمتار، وجدرانه مبنية بنفس طريقة بناء سور جزيرة أرواد الفينيقية، حيث الحجارة الكبيرة في الأعلى والحجارة الصغيرة في الأسفل.
وبحسب القحط، فإن الحرم الكبير يشتهر بأربع بوابات حجرية، أهمها البوابة الإمبراطورية الكبيرة التي تتوسط الجدار الشمالي للحرم، وكانت تمر منها عربات الأباطرة الرومان من أصل فينيقي سوري، أصهار كاهن الشمس الفينيقي الأكبر في مدينة حمص. كما يوجد في الزاوية الشمالية للجدار الغربي للحرم الكبير النبع المقدس لنهر الغمقة التاريخي، الذي ارتبط مع مدينة صافيتا في عصر مملكة أرواد الفينيقية.
إضافة إلى ذلك، يوجد في مركز الحرم الكبير من الداخل برج قدس الأقداس الذي يُوصل إليه بدرج حجري كبير مكون من 11 درجة، تم تكريسه لزيوس، وبالقرب منه مذبح من جهة الشرق.
أما الحرم الصغير، فيقع خارج البوابة الشمالية الكبرى للحرم الكبير، ويفصل بينهما الرصيف الروماني المبلط الذي يتطابق مع الطريق الحديث المعبد بالأسفلت اليوم. ويتسم هذا الحرم بأنه أعلى منسوبًا من الحرم الكبير، وهو يمتد إلى سفوح تلة الصويري الأثرية المجاورة. كان يشكل سوقًا كبيرًا يُسمى “العرضي”، وكان مرتبطًا بازدهار قرية بيت أوخيخي في عصر الأباطرة الرومان السفيريين من أصل فينيقي سوري.
ويشير القحط إلى أنه في العصر البيزنطي المسيحي المبكر، جرى تحويل مدخل الحرم الصغير إلى كنيسة للروم ثلاثية الأجنحة، وهي معروفة لدى السكان المحليين اليوم باسم “الكنيسة” أو “الدير”.
ختم القحط بالقول: إن حصن سليمان القديم، بحرميه الكبير والصغير ومنشآته المعمارية الضخمة الممتدة، لم يكن مجرد مركز معزول بين جبال الملزق الشرقي لمنطقة صافيتا التاريخية، بل كان معلمًا دينيًا مهمًا جدًا، ومكانًا رئيسيًا للتبادل التجاري المزدهر في العصور الفينيقية واليونانية والرومانية في تاريخ سوريا.