الثورة – همسة زغيب:
ينظّم المركز الثقافي في جرمانا بالتعاون مع فريق “لنقرأ ونرتقي” اليوم أمسية نقاشية فكرية حول كتاب “شرق وغرب.. رجولة وأنوثة” للمفكر السوري جورج طرابيشي، في أمسية تجاوزت حدود القراءة التقليدية، لتغوص في عمق النص وتفكك رموزه النفسية والثقافية والفلسفية.
تمت مناقشة الكتاب، إذ قدّم كل من هند الراضي وسامر الشاهين بمشاركة الحضور قراءة متكاملة سلّطوا الضوء على الأبعاد النفسية والفكرية وما تناوله طرابيشي، وفتحا باب الحوار أمام الحضور بأسئلة نقدية عميقة.
ينطلق طرابيشي من فرضية جريئة مفادها أن الهوية ليست شعاراً يُرفع في مواجهة الآخر، بل أزمة داخلية يعيشها الفرد الشرقي، تتجلى في ما تمثله للرجولة والأنوثة، فالصراع بين الشرق والغرب، كما يراه، لا يُختزل في مواجهة حضارية، بل هو انعكاس لتوترات نفسية وثقافية عميقة داخل الذات الشرقية.
وقد أكد الشاهين في مداخلته أن طرابيشي لا يكتب من موقع الدفاع عن الشرق أو الهجوم على الغرب، بل من موقع التفكيك النقدي، حيث يُعيد تعريف الهوية بوصفها سؤالاً وجودياً لا شعاراً سياسياً. وأوضح أن الكتاب يضع القارئ أمام مرآة الذات، لا ليحاكمها، بل ليفهمها.
المرأة الغربية كرمز حضاري مهدِّد
يرى طرابيشي أن العلاقة بين الرجل الشرقي والمرأة الغربية لا تُفهم في إطارها العاطفي أو الفردي، بل تتحول إلى تمثيل رمزي لصراع حضاري، لأن المرأة الغربية تمثل نموذجاً حدثياً متفوقاً، يهدد صورة الرجل الشرقي عن نفسه، ويكشف عن هشاشة سلطته الذكورية، العلاقة هنا ليست بين شخصين، بل بين رمزين حضاريين، أحدهما يملك زمام المبادرة والآخر يعاني من عقدة نقص.
وأشار الشاهين إلى أن التمثيل الرمزي لا يُقصي البعد الإنساني، بل يُظهر كيف تتحول العلاقة العاطفية إلى ساحة صراع ثقافي، حيث يُسقط الرجل الشرقي هزيمته الحضارية على المرأة الغربية.
الوعي المهزوم
يُحلل طرابيشي نماذج سردية تكشف عن التوترات بين الشرق والغرب، وبين الذكور والإناث، في روايات مثل “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، تتحول المرأة الغربية إلى أرض محتلة، والرجل الشرقي إلى غازٍ عاجز، مما يعكس فشلاً حضارياً داخلياً أكثر من كونه جنسياً، والأدب هنا لا يروي قصة، بل يفضح بنية نفسية مأزومة.
أدوات التحليل
لا يكتفي طرابيشي بالتحليل الأدبي التقليدي، بل يستعين بأدوات فرويد وأفكار نيتشه حول القوة والضعف، والسلطة ليشرح كيف تتحول العلاقة بين الرجل والمرأة إلى صراع رمزي على الهيمنة، لا على الحب أو التكامل من خلال التوظيف العميق للمناهج الغربية يعكس قدرة طرابيشي على تفكيك النص العربي من داخله، دون الوقوع في فخ التبعية الثقافية.
بين التفاعل والتساؤل
شهدت الحلقة الثقافية نقاشات غنية بين الحضور، حيث تفاعل المشاركون مع الطروحات الجريئة للكتاب، وتساءلوا عن مدى قدرتنا كمجتمعات شرقية على تجاوز التمثلات النمطية للهوية والجندر، كما طُرحت أسئلة حول دور الأدب في إعادة تشكيل الوعي، وحول إمكانية بناء علاقة صحية مع الغرب لا تقوم على التنافس الرمزي بل على الحوار والتكامل.
يفتح جراح الهوية ليعالجها
“شرق وغرب.. رجولة وأنوثة” ليس كتاباً عن الأدب فقط، بل عن الذات العربية في لحظة مواجهة مع الآخر ومع نفسها، إنه دعوة إلى تفكيك الصور النمطية، وإعادة بناء الهوية على أسس نقدية وإنسانية، بعيداً عن الشعارات والانفعالات، طرابيشي لا يقدّم أجوبة جاهزة، بل يفتح أبواب الأسئلة، ويمنح القارئ أدوات لفهم ذاته وتاريخه وموقعه في العالم.