الثورة:
شهدت جلسة مجلس الأمن الدولي حول الأوضاع في سوريا، اليوم الأربعاء، مواقف لافتة أكدت على ضرورة دعم المرحلة الانتقالية ورفع العقوبات وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي مع دمشق.
وأكدت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن انتخابات مجلس الشعب جرت في بيئة منظمة وسليمة، مشددة على وجوب رفع العقوبات بشكل أوسع وأسرع لإعطاء المرحلة الانتقالية فرصة حقيقية للنجاح.
ورحّب المندوب الأميركي مايك والتز من جانبه بجهود سوريا في تعزيز علاقاتها مع دول الجوار، وبقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضي برفع العقوبات، داعيًا مجلس الأمن إلى دعم الخطوات الرامية لتخفيف العقوبات الأممية بما يضمن رفاهية الشعب السوري ويفتح الباب أمام التنمية.
كما أكد والتز أن الولايات المتحدة ستواصل التعاون مع سوريا لمنع عودة الإرهاب وتنظيم “داعش”، ودعم برامج عودة النازحين واللاجئين، مشيرًا إلى تقدير بلاده لتعاون الحكومة السورية مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومثمنًا جهود كلٍّ من السعودية وقطر والأردن وتركيا في دعم العملية السياسية الجارية.
من جانبه، شدد مندوب الجزائر في مجلس الأمن، عمار بن جامع، على أن استقرار سوريا يشكل أساسًا لاستقرار الشرق الأوسط، داعيًا المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بدور إيجابي في دعم الجهود الوطنية السورية على المستويين السياسي والاقتصادي.
وأدان المندوب الجزائري بشدة الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، معتبرًا أنها تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ومؤكدًا أن الجولان السوري المحتل جزء لا يتجزأ من أراضي سوريا.
كما أشار إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا ممولة بنسبة لا تتجاوز 19 بالمئة فقط، واصفًا ذلك بأنه أمر غير مقبول، وداعيًا المانحين إلى الوفاء بالتزاماتهم لتجنب تفاقم الأوضاع الإنسانية، مؤكدًا أنه “لا سلام من دون تنمية حقيقية”.
وفي السياق ذاته، قال المندوب الفرنسي جيروم بونافو إن تنوع الشعب السوري يمثل أعظم ثروة تمتلكها البلاد، معتبرًا أن العملية الانتقالية تبعث على الأمل وتتطلب دعمًا أمميًا متواصلًا. وأضاف أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع المناطق السورية، ودعم التحول نحو التعافي المبكر.
وختم بونافو بالتأكيد على أن الحكومة السورية تسعى إلى بناء دولة متصالحة ومستقرة، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي مدعو لتحمل مسؤولياته والمضي قدمًا في إنجاح هذه المساعي وتحقيق وعوده لمستقبل أفضل في سوريا.
بدوره، المندوب البريطاني جيمس كاريوكي، اعتبر أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة تمثل محطة سياسية مهمة في مسار التحول داخل سوريا، مشيرًا إلى أن التعددية السياسية تعدّ ركيزة أساسية لإقامة دولة أكثر استقرارًا وانفتاحًا على جميع مكوناتها.
وأكد كاريوكي في كلمته أن المملكة المتحدة تدعم الحكومة السورية في المرحلة الانتقالية الراهنة، موضحًا أن على المجتمع الدولي التفكير بشكل جماعي ومسؤول في الخطوات الإضافية المطلوبة لمساندة سوريا في مسارها نحو مستقبل يسوده الاستقرار والسلام.
وشدد المندوب البريطاني على أن التعاون الدولي البنّاء وتكامل الجهود السياسية والاقتصادية يشكلان السبيل الأمثل لترسيخ الأمن والتنمية المستدامة في سوريا، داعيًا إلى استمرار الحوار والدعم الدولي لإنجاح العملية الانتقالية وتعزيز مقومات الاستقرار الوطني.
وشدد مندوب بنما، إيلوي ألفارو دي ألبا، على دعم بلاده للمبادرات الأميركية الرامية إلى رفع العقوبات عن سوريا، داعيًا المجتمع الدولي إلى الوفاء بالتزاماته تجاهها، مع التأكيد على ضرورة احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وتحسين الظروف المعيشية لشعبها الذي وصفه بأنه أظهر “روح مقاومة عظيمة” خلال السنوات الماضية.
أما مندوبة اليونان، ماريا ثيوفيلي، فأعربت عن تطلع بلادها لتقديم دعم إضافي لتغطية الاحتياجات الإنسانية والمساهمة في جهود إعادة الإعمار، مشددة على أن الشعب السوري يستحق دولة مزدهرة يسودها القانون وتصان فيها حقوق جميع المواطنين.
وفي السياق ذاته، أوضح مندوب سلوفينيا أن أولويات بلاده مع المجتمع الدولي تتمثل في استعادة الاستقرار في سوريا، مرحبًا بانتخابات مجلس الشعب التي تمثل خطوة نحو شمول جميع مكونات الشعب السوري في العملية السياسية.
كما أكد المندوب الصيني على ضرورة أن يكون استعادة الهدوء والسلام في سوريا هدفًا مشتركًا للمجتمع الدولي، داعيًا إلى تسريع وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين بما يسهم في دفع عملية التعافي الاقتصادي.
وجدّد مندوب كوريا الجنوبية دعوته لضمان وحدة وسلامة الأراضي السورية، مطالبًا إسرائيل بوقف اعتداءاتها المتكررة واحترام سيادة سوريا، ومرحبًا بالانتخابات الأخيرة التي اعتبرها بارقة أمل في تمثيل شامل لكل السوريين، وداعيًا إلى رفع العقوبات الدولية لتعزيز جهود التنمية.
من جانبه، اعتبر مندوب باكستان أن الانتخابات الأخيرة تشكل خطوة هامة في مسار الانتقال السياسي، مؤكدًا ترحيب بلاده بالاستثمارات الأجنبية وجهود إعادة الإعمار، ومجددًا الدعوة لرفع العقوبات عن سوريا لتمكين اقتصادها من التعافي، ومشيدًا بالمبادرات الأميركية والبريطانية والأوروبية الداعمة في هذا الإطار. كما أدان التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، واصفًا إياها بأنها تقوّض جهود الاستقرار الإقليمي.
وفي موقف متماسك، أكد مندوب روسيا، فاسيلي نيبينزيا، أن سوريا بحاجة إلى دعم متعدد الجوانب من المجتمع الدولي، مشيرًا إلى استعداد بلاده للعمل من أجل تحقيق السلام والازدهار عبر تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والثقافة والصحة والتعليم، ومؤكدًا ضرورة رفع العقوبات التي تعرقل إعادة الإعمار والتنمية المستدامة. كما دعا إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية، مشددًا على أن الشؤون الداخلية السورية يجب أن تُحل من قبل السوريين أنفسهم دون أي تدخل خارجي.
وفي ختام الجلسة، شدد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، على أن سوريا أصبحت اليوم دولة فاعلة في محيطها الدولي، تنصت وتحاور وتقرر، مشيرًا إلى أن الانتخابات الأخيرة صُممت لتناسب الواقع الموروث من حقبة نظام الأسد المخلوع، وتفتح الباب أمام مشاركة سياسية واسعة.
وأكد علبي أن الحكومة السورية تواصل مكافحة آفة المخدرات التي استخدمها النظام السابق وسيلة لزعزعة استقرار المنطقة، كما تلتزم بالتعاون الدولي والإقليمي في مكافحة الإرهاب، وبألا تكون سوريا مصدر تهديد لأي دولة في العالم.
وأضاف أن أكثر من مليون لاجئ عادوا إلى البلاد في مؤشر على الثقة المتزايدة بسياسات الحكومة، داعيًا المجتمع الدولي إلى دعم سوريا في تأمين عودة مستدامة للاجئين ووقف الاعتداءات الإسرائيلية المزعزعة للاستقرار.
وتحدث علبي عن الجهود الجارية في محافظة السويداء، مشيرًا إلى “العمل على بلسمة الجراح” من خلال لجنة تحقيق دولية حصلت على وصول غير مقيد، وبرامج ترميم القرى وجبر الضرر، مؤكدًا أن الحملة الشعبية “السويداء منّا وفينا” جمعت أكثر من 14 مليون دولار في مبادرة وطنية لدعم المحافظة، داعيًا الأهالي إلى تجنب أي مغامرات قد تهدد الاستقرار.
وفي ختام الجلسة، أكد مندوب تركيا، أحمد يلدز، أن انخراط سوريا في المجتمع الدولي يتقدم بخطى ثابتة، وأن العملية السياسية تسير خطوة بخطوة، تجسيدًا لالتزام الحكومة بالحوار الوطني، مشددًا على أهمية دعم وحدة وسلامة الأراضي السورية والمطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة.
ويعكس هذا التحول في الخطاب الدولي رغبة متزايدة لدى الدول الأعضاء، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والجزائر، في إعادة إدماج سوريا في محيطها الإقليمي والدولي، خصوصًا بعد تحسن العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وعدد من العواصم العربية والغربية.