الثورة-إدلب:
يشكل المتنزه الأثري في منطقة جبل الزاوية بمحافظة إدلب السورية، أحد أبرز المعالم الثقافية والتاريخية المسجلة على قائمة التراث العالمي.
يتميز هذا المتنزه باتساعه وتنوعه المعماري والثقافي، إذ يضم عدداً من القرى الأثرية التي تعود إلى العصرين الروماني والبيزنطي، والتي لا تزال أطلالها شاهدة على عظمة الماضي وعبقرية الإنسان في التكيف مع محيطه الطبيعي.
“البارة” القلب النابض بالحضارة
“البارة” أكبر وأهم القرى الأثرية في المتنزه، وتقع على السفح الغربي لجبل الزاوية في موقع استراتيجي يربط بين أفاميا وأنطاكية.
عرفت البارة منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وبلغت ذروة ازدهارها في القرنين الخامس والسادس الميلاديين.
اشتهرت القرية بزخارفها الغنية التي تزين الكنائس والمنازل، إلى جانب معاصر الزيت والنبيذ والمدافن الفخمة.
قسمت البارة إلى حيين، جنوبي يحتوي على مدافن تعود إلى العصر البيزنطي، و غربي يضم منازل فخمة وكنائس، منها البازيليك الشمالية التي بنيت على أنقاض معبد وثني في القرن الرابع الميلادي.
هذا الإرث الفريد جعل من البارة مركزاً دينياً وسكنياً مهماً في الحقبة الكلاسيكية.
“سرجيلا” قصة زراعة وحضارة
تقع سرجيلا إلى الجنوب الشرقي من البارة، وتبعد حوالي 9 كيلومترات عن مدينة معرة النعمان.
تتألف البلدة من قطاعين رئيسيين: القطاع القديم، يعود إلى العصر الروماني
“القرن الأول حتى منتصف القرن الثالث الميلادي”، ويضم بيوتاً سكنية بسيطة، و القطاع الأحدث، يعود إلى العصر البيزنطي ” القرنين الرابع والسادس الميلاديين”، ويتميز بمبانيه الفخمة مثل الكنائس، الحمامات، المدافن الجنائزية، والمعاصر المنحوتة في الصخر.
اعتمد سكان سرجيلا على الزراعة، وخاصة زراعة الزيتون والكرمة، والتي انعكست على تطور اقتصاد القرية.
هذا الترابط بين الإنسان والطبيعة يظهر بوضوح من خلال وجود معاصر الزيت والنبيذ التي كانت تنتج بكميات كبيرة لتلبية احتياجات السكان.
“ربيعة” قرية الزخارف البديعة
تطل قرية ربيعة على سرجيلا وبعودة، وتتميز بمبانيها المتوسطة الحجم التي تشمل أبراجاً وقصوراً ومدافن منحوتة بالصخر.
أهم معالمها هي الكنيسة ذات المخطط البازيليكي التي تعود للقرن الخامس الميلادي، والتي تتميز بزخارف هندسية ونباتية على واجهتها.
“بترسا” القرية المهجورة
تقع بترسا جنوب غرب البارة، وتحتوي على بقايا كنيسة من القرن الخامس الميلادي، بالإضافة إلى بقايا مبانٍ وأقواس متفرقة، ورغم أن معظم أجزاء القرية مدمرة، إلا أنها تحتفظ بجمالها التاريخي الذي يعكس طبيعة العمارة البيزنطية.
“شنشراح” شاهد على التحولات
تعد شنشراح من القرى المميزة في المتنزه، وتتميز بمبانيها الضخمة التي تحتوي على معابد، تم تحويلها إلى كنائس في القرن السادس الميلادي، كما تضم معاصر وحمامات ومدافن جنائزية. الكنيسة الرئيسية في القرية مبنية وفق المخطط البازيليكي وتتميز بزخارفها الغنية.
“بشيلا” القرية الصغيرة بجمالها المعماري
تقع بشيلا جنوب غرب البارة، على قمة هضبة تطل على بترسا ومجليا، ورغم صغر حجمها، إلا أنها تزخر بمعالم معمارية غنية، أبرزها الكنيسة التي تعود للقرن الخامس الميلادي.
واجهات الكنيسة مزينة بزخارف نباتية ودينية، لا تزال قادرة على لفت الأنظار بجمالها رغم عوامل الزمن.
“بعودة” قرية المدافن الهرمية
تقع بعودة بين البارة وسرجيلا، وتتميز بموقعها المشرف على الأراضي المحيطة بها.
تحتوي على كنيسة ذات تصميم مميز، إذ استخدمت الدعامات الحجرية بدلاً من الأعمدة التقليدية، كما تضم القرية مدفناً هرمياً يشبه المدافن الموجودة في البارة، ما يعكس تشابهاً ثقافياً بين القريتين.
“مجليا” الجمال الطبيعي والتصميم المعماري
تقع مجليا جنوب غرب البارة، وتشرف على وادٍ يمتد شمالاً وجنوباً.
تتميز القرية بمبانيها السكنية التي أسهمت في التعرف على المخطط العام للأزقة، كما تضم كنيستين بيزنطيتين وحماماً بحالة جيدة، إلى جانب مدفن أرضي محفور في الصخر يعكس تطور أساليب الدفن في تلك الحقبة.
“دلّلوزة” القرية المنعزلة المحفوظة
تقع دلّلوزة شمال سرجيلا، وهي قرية صغيرة الحجم، لكنها تتميز بمبانيها المحفوظة جيداً، وخاصة البيوت التي لا تزال جدران الطابق العلوي فيها قائمة، كما تضم العديد من المدافن الأرضية المزخرفة بعناية، ما يجعلها واحدة من القرى الأثرية الأكثر حفاظاً على طابعها الأصلي.
“وادي مرتحون” مغاور العبادة
يقع وادي مرتحون جنوب غرب البارة، ويتميز بالمغاور المحفورة في الصخر على جرف صخري. يُعتقد أن هذه المغاور كانت مخصصة لعبادة ميترا، ما يضفي على الموقع أهمية دينية وتاريخية خاصة.
لوحة من التراث والطبيعة
ما يميز المتنزه الأثري هو ارتباطه الوثيق بالطبيعة، حيث تتناثر بساتين الزيتون والكرمة والتين بين أطلاله.
هذا المشهد الطبيعي يضفي على القرى طابعاً فريداً يجعلها تبدو كأنها لوحة من الماضي تحاكي الحاضر.
ورغم التحديات التي واجهتها هذه المواقع خلال السنوات الأخيرة، إلا أن المتنزه لا يزال يحتفظ بجماله وأصالته، منتظراً جهوداً دولية ومحلية لإعادة إحيائه والحفاظ عليه كرمز للتعايش بين الإنسان ومحيطه التاريخي والطبيعي.