الثورة – جهاد اصطيف:
“من ليس له جديد ليس له عيد”.. عبارة لطالما صدحت بها حناجر الباعة في أسواق مدينة حلب المعروفة منها والشعبية، وكون الصناعة الحلبية عانت ظروف إنتاج قاسية، طيلة السنوات الماضية، الأمر الذي دفع تجارها وصناعييها إلى رفع أسعار الألبسة، على سبيل المثال، وأخرجتها من حسابات أغلب العائلات، إلا أن بركة عيد الفطر، وتحرير البلاد من النظام البائد، أعادتها مع الحلويات إلى قائمة الاستهلاك رغم أن أسعارها لا تزال مرتفعة قياساً بالقدرة الشرائية لدى أغلب المواطنين.
الاحتفاء بالعيد قدر الإمكان
لا شكّ أن خصوصية عيد الفطر عند أهالي حلب، تلزمهم بالاحتفاء به قدر الإمكان، حتى مع الضغط المعيشي المتزايد، خاصة مع قرب انتهاء شهر رمضان المبارك، وطقوسه المميزة لدى الحلبيين، والتهيؤ الآن لقدوم عيد الفطر السعيد.
تتحدث السيدة صباح عبد الغفور، وهي أم لسبعة أولاد، لـ”الثورة”، عن خصوصية عيد الفطر والاستعدادات لاستقباله، قائلة: تعودنا أن ندخل الفرح إلى قلوب أفراد العائلة وخاصة الأطفال، مهما كانت الظروف، وهذا يتطلب شراء الألبسة الجديدة وتحضير وشراء الحلويات، وتضيف: غلاء الألبسة، رغم الفرق الواضح بخفض الأسعار عن العيد الماضي، يحرمنا من شرائها لكل أفراد العائلة، فهذا يتطلب ميزانية بحد ذاتها، ما يضطرنا إلى ترتيب الأولويات والاكتفاء بتأمينها للأطفال، وما أمكن للأصغر ثم للأكبر، وتؤيدها بذلك الأربعينية، هبة اصطيفي، وهي أم لعائلة مكونة من أربعة أولاد، بالتأكيد على ضرورة عيش فرحة عيد الفطر وشراء مستلزماته ولو بالحد الأدنى، فتقول: من حقّ أطفالي عيش فرحة العيد كغيرهم من الأطفال، مهما شكّل ذلك إرهاقاً وضغطاً معيشياً نتيجة ارتفاع أسعار السلع والألبسة والحلويات، وتردف: أعمل إلى جانب زوجي الموظف، لكي أعينه في تدبير شؤون المنزل، خاصة في مثل هذه الأوقات من العام التي تتوجب علينا عدم حرمان أولادنا من فرحة العيد.
زوار من الريف
بالطبع الأسواق الشعبية في حلب كانت تعتمد على أهالي الأرياف، الذين غابوا عنها طيلة سنوات الحرب نتيجة تقطع السبل بين المدينة والريف، لكن بعد تحرير سوريا من النظام البائد، ها قد عاد الريفيون إلى عادتهم السابقة في التسوق من أسواق مدينة حلب، وخلال الفترة القليلة الماضية، لوحظ قدوم أهل الريف بأعداد كبيرة كما في السنين التي سبقت الحرب. محمد الحمود، القادم من ريف حلب الشرقي، تحدّث عن التحضير لعيد الفطر، قائلاً: العيد له خصوصيته لدينا، نبدأ التحضير له في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وغالباً ما نقصد أسواق المدينة لشراء الألبسة والحلويات وغيرها من الحاجيات التي نراها ضرورية، مثل تأمين مستلزمات القهوة المرة وسواها، ويضيف: نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، تلجأ أغلب العائلات في الريف إلى جمع مبلغ من المال “تصميدة” قبل فترة، ويتم تخصيصه لشراء احتياجات العيد، خاصة العيد الحالي، الذي يتميز عن سواه في السنوات الماضية، كون حلب، وسوريا باتت موحدة بعد تحريرها وبإمكاننا أن نتسوق بحرية من حلب المعروفة بعراقة تجارتها وصناعتها.
وفيما تكلفة العيد المرهقة يؤكدها الخمسيني صلاح محمد هو الآخر القادم من الريف، شدد على أنه ما كان ليقدر على شراء أي من مستلزمات عيد الفطر، لولا الحوالات الخارجية التي يرسلها ولده من المغترب، على نحو يمكّنه من إحياء طقوس العيد.
حركة جيدة
بالطبع ينتظر تجار حلب المناسبات والأعياد لتحريك الأسواق، والتي لطالما كانت تعاني ركوداً نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة الناجمة عن العقوبات الغربية، وما نلحظه الآن انعكاساً لتخفيف العقوبات وفتح الأسواق، وساهم قدوم عيد الفطر الحالي في تحريك أسواق المدينة الشعبية وغيرها، إذ تشهد هذه الأسواق حركة جيدة وخاصة مع تقديم التجار عروضاً وتخفيضات كثيرة.. وأباح العديد منهم أن حركة الأسواق في حلب هذا العام تبدو أفضل بكثير من العام الفائت، بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب، وأن سكان المدينة يشترون ولا يحرمون أنفسهم من بهجة العيد، مؤكدين على أن وجود ازدحام على غير العادة، يفرحنا، حسب قولهم، فهم ينتظرون العيد لتحسين حركة البيع وتعويض خسائرهم، خاصة وأن الناس لم تعد تشتري ألبسة إلا مرة في العام، ويعتقد هؤلاء أن الناس تأقلمت مع الأوضاع الاقتصادية القاسية، التي لم تمنعها من عيش فرحة العيد، لكن كل حسب مقدرته.