التسويق الحديث مفتاح إعادة تموضع سوريا في المشهد الإقليمي الاقتصادي

الثورة – نور جوخدار:
تعيش سوريا اليوم مرحلة مفصلية على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في ظل متغيرات متسارعة تفرض على المؤسسات والشركات العامة والخاصة، ولابد من إعادة النظر في الأدوات والأساليب التقليدية التي لم تعد تواكب طبيعة المرحلة الراهنة، بعد سنوات من الانغلاق والعزلة، ولكي تستعيد سوريا تموضعها على الخريطة الإقليمية وتواكب تطورات الأسواق العربية، فهي بحاجة لعقول جديدة تُعيد بناء العلاقة بين المنتج والمجتمع وتقدم سردية جديدة تعكس هويتها المستقبلية.

وفي هذا السياق، ومع بداية التعافي التدريجي والانفتاح الدولي، تبرز الحاجة إلى تبني منهجيات تسويق حديثة والاستفادة من تجارب الأسواق في المنطقة من دون الوقوع في فخ التقليد الأعمى، وخاصة الأسواق المتقدمة مثل الإمارات، فهي تعد نموذجاً ناجحاً في التحول إلى مركز تسويق إقليمي ودولي عبر خططها الاستراتيجية المدروسة للأسواق الحديثة.

التجربة الإماراتية

وفي ضوء هذه المجريات، أجرت صحيفة الثورة حواراً مع خبير بناء العلامة الشخصية والتسويق الاستراتيجي سمعان ميخائيل، لتسليط الضوء على التجربة الإماراتية كمثال ناجح يمكن إسقاطه على الواقع السوري.

ملامح التحول

أوضح الخبير ميخائيل أن التسويق في الإمارات خرج من عباءة الدعاية، وأصبح نظاماً متكاملاً لبناء القيمة طويلة الأمد، وتُبنى الشركات كعلامات تجارية لها قصة وهوية وصوت، ومن أبرز ما يميز السوق الإماراتي اليوم أنه لا يكتفي بتقديم منتجات، بل يقدم رؤى ومواقف، والشركات الناجحة هي تلك التي تتمكن من بناء علاقة عاطفية وفكرية مع جمهورها.

التوجهات التسويقية

وعن أبرز التوجهات التسويقية التي تقود المشهد التسويقي كشف الخبير ميخائيل أن هناك ثلاث استراتيجيات رئيسية، منها، أولاً: بناء العلاقات لا الصفقات عبر عضويات وتجارب مغلقة تحوّل العميل إلى “مناصر للعلامة”، وثانياً: المحتوى كأصل استراتيجي، وتُبنى مكتبات رقمية تفاعلية لتعزيز الثقة والقيادة السوقية، أما ثالثاً: التجربة الشاملة، كل نقطة تواصل- من الموقع إلى موظفي الخدمة- تُصمَّم بدقة كجزء من سردية العلامة.

كما يؤكد على أهمية العلامة الشخصية في دعم الشركة، وأنها لا تغني عن البراند المؤسسي بل هي أداة استراتيجية لدعمه وتسريعه، معتبراً أن ظهور شخصيات واضحة وموثوقة خلف الشركات يساهم في بناء جسر إنساني بينها وبين الجمهور.

استراتيجيات تسويقية ناجحة

وحول نجاح الشركات في الأسواق التنافسية، يشير ميخائيل إلى أن العديد من الشركات الناجحة في الإمارات سواء التي بدأت من الصفر أو التي أعادت تموضعها اتبعت نهجاً بسيطاً لكنه عميق: جمعت بين عقلية التسويق التجاري ومشاعر الإنسان الحقيقي.

فهي لم تكتفِ بعرض منتجات، بل بنت علامة، صوت، هوية، قصة، وجعلت جمهورها يشعر أن هذه الشركة ليست مجرد جهة تبيع، بل شريكاً.

وحدد ميخائيل مجموعة من الأدوات التسويقية، نصح بها الشركات السورية بتبنّي تسويق ذكي يبدأ من وضوح الهوية قبل الإعلان، وصناعة قصة حقيقية يكون فيها العميل بطلها، مع بناء ثقة بمحتوى ثابت وتصميم تجربة متكاملة في كل نقطة تواصل، والحفاظ على تجديد الهوية من دون فقدان جوهرها، مع بناء مجتمع حقيقي حول المشروع، واستخدام التكنولوجيا للفهم العميق، لأن التسويق في النهاية شعور يُبنى بالتفاصيل.

وفيما يخص الفروقات الجوهرية بين السوقين الإماراتي والسوري، أقرّ الخبير ميخائيل بوجود فروقات تبدأ من البيئة الاقتصادية والتنظيمية إلى مستوى الثقة العامة، ومن النضج المؤسسي إلى التحول الرقمي، مؤكداً على أن الإنسان هو الرابط الأساسي بين السوقين، وهو الذي يتجاوب مع من يفهمه ويحترمه ويقدم له قيمة حقيقية، مشيراً إلى أن سوريا بحاجة لبناء نظام رقمي متكامل، مشاريع تحترم واقعها لا شعارات عابرة، معتبراً أن الشباب السوري هو العنصر الأهم في إعادة بناء السوق بشكل مختلف وأكثر مرونة، لأنه يمتلك الأدوات الرقمية والإبداعية لكنه يحتاج إلى بيئة تمكّن وتؤمن به، لا تموّله فقط.

تأسيس وكالات رقمية مصغّرة

وفي هذا الإطار، ينوه ميخائيل بأن التجربة الإماراتية في التحول الرقمي تقدم دروساً قيّمة يمكن نقلها إلى السوق السوري، موضحاً أن الرقمنة ليست امتلاك حسابات على مواقع التواصل أو أداة CRM بل هي طريقة تفكير ومنهجية في تقديم الخدمات وتحسين اتخاذ القرار.

ويشير إلى أن نجاح الإمارات لم يكن فقط بفضل الميزانيات، بل بسبب قدرتها على قراءة سلوك الجمهور ودوافع الشراء بذكاء، في المقابل، يرى أن الشباب السوري يمكنه الانطلاق بأبحاث ميدانية بسيطة لفهم الاحتياج الحقيقي، وتقديم حلول قابلة للتكرار تنبع من الواقع.

وأضاف: إن العلامات التجارية الناجحة في الإمارات ليست الأكثر ضجيجاً، بل الأكثر وضوحاً والتزاماً بوعودها، مؤكداً أن الشباب السوري قادر على بناء علامات سورية تجارية تنافس عالمياً إذا احترموا جمهورهم وتحدثوا بلغته.

أهم التوصيات

ولفت الخبير ميخائيل إلى أهم التوصيات التي تبدأ بها الشركات والمبادرات السورية من خلال تمكين الشباب لتأسيس وكالات رقمية صغيرة وشبكات تعاونية تجمع المسوقين والمصممين والمبرمجين برواد الأعمال، وتدريبهم على أدوات السوق، لا المهارات التقنية فقط، وهذا التوجه لا يحتاج تمويلاً كبيراً، بل فكراً مرناً وتدريباً ممنهجاً.

العلاقات العامة تبني الأرضية والتسويق ينفذ

ومع توجه سوريا لإعادة هيكلة مؤسساتها، أكد أن العلاقات العامة والتسويق يجب أن يُنظر إليهما كأدوات سيادية إستراتيجية لا مجرد أنشطة دعم ثانوية، ومن دونهما تفقد الحكومة القدرة على التأثير، الإقناع، والقيادة الفعلية، فالعلاقات العامة تبني الأرضية والتسويق يُمهّد الطريق للتنفيذ، خاصة في مرحلة تسعى فيها البلاد لإعادة تموضعها كدولة فاعلة، موثوقة، وذات رؤية تنموية حديثة داخلياً وخارجياً، داعياً إلى إعادة هندسة وظيفة “العلاقات العامة” داخل الوزارات أي تحويل العلاقات العامة إلى أداة إستراتيجية تكاملية مع التسويق لتصبح مسؤولة عن إدارة الصورة الذهنية للوزارة، تتابع مزاج الشارع، وتعمل مع فرق السياسات والبرامج في صياغة رسائل حكومية قابلة للتبني من المواطن.

واعتبر أن التسويق والعلاقات العامة ركيزتان من ركائز الحكم الرشيد في العصر الحديث لم تعد ترفاً، ودعا إلى إدماج التسويق المؤسسي في القرار الحكومي، وبناء جهاز تواصل وطني احترافي، واستثمار الطاقات الشابة في مشروع وطني يعيد صياغة صورة الدولة، مع ضرورة التحول من التبرير إلى التفاعل، ومن الدفاع إلى التأثير الإيجابي على الرأي العام.

ويؤكد على أهمية إنشاء المكتب الوطني للتسويق والاتصال الحكومي، وفي هذا القبيل يقدم الخبير ميخائيل مجموعة من النصائح التنفيذية للحكومة السورية لبناء منظومة تسويق وطنية فعّالة على النحو التالي:

– تأسيس كيان سيادي للاتصال الحكومي الإستراتيجي عن طريق إنشاء “المكتب الوطني للتسويق والاتصال الحكومي” يتبع لرئاسة الوزراء مباشرة، وتكون مهامه توحيد الرسائل الرسمية للوزارات، إطلاق حملات وطنية إستراتيجية (داخلية وخارجية) وتطوير هوية مؤسسية حديثة للدولة السورية الجديدة والإشراف على حملات العلاقات العامة الدولية.

– إطلاق برنامج وطني لبناء كفاءات تسويقية حكومية بالتعاون مع الجامعات والقطاع الخاص.

– إدخال مفهوم “التجربة الحكومية” في تصميم الخدمات على غرار الدول العربية المتقدمة، المطلوب اليوم هو: أن تكون كل خدمة حكومية “مُسَوّقة ضمنياً” من خلال جودة التجربة أن يخرج المواطن من الدائرة الحكومية بشعور أنه حصل على ما وُعد به، بسهولة واحترام وبالتالي، التسويق هنا ليس مجرد إعلان، بل إدارة دقيقة للانطباع العام وتوقّعات الناس.

– استخدام أدوات التسويق والعلاقات العامة لتسويق مشاريع التنمية والإصلاح بلغة مبسطة للمواطن وإدارة احترافية للرأي العام

بناء علامة سورية

وفي رده عن كيفية استفادة الشركات الناشئة في سوريا من تجارب العلامات التجارية الكبرى، أوضح الخبير أن العلامة التجارية الناجحة لا تُبنى على منتج أو رأس مال فقط بل على وضوح التمركز والرسالة (Brand Positioning) تصميم تجربة عميل متكاملة ومتناسقة (Brand Experience) والالتزام طويل الأمد ببناء الثقة والجودة والاستثمار ذكي في المحتوى وبناء المجتمع حول العلامة (Community-Centric Growth) والتحوّل من شركة إلى “قيمة مضافة في حياة الناس”، مؤكداً أن الشركات السورية الناشئة تستطيع أن تنمو بثقة رغم الفجوة الحالية في السوق إذا بدأت من الدخل من وضوح العلامة إلى بناء الثقة وصولاً للتركيز على قيمة العلامة أكثر من تنوع الخدمات.

رحلة بناء

ويختتم حديثه بدعوة موجهة للشركات السورية الناشئة: “لا تبدأ من سؤال: ماذا أبيع؟ بل ابدأ من: ماذا أُمثّل؟” وهكذا تبدأ رحلة بناء علامة سورية محترفة، مستدامة، ومختلفة.

آخر الأخبار
The NewArab: الخطوط الجوية التركية ترى فرصة هامة للنمو في سوريا مفوضية اللاجئين: 55732 سورياً عادوا إلى بلادهم من الأردن منذ سقوط المخلوع كيف يواجه المواطن في حلب غلاء المعيشة؟ إزالة أنقاض في حي جوبر بدمشق ريف دمشق: تأهيل ٩ مراكز صحية.. وتزويد ثلاثة بالطاقة الشمسية جامعة دمشق تتقدم ٢٤٠ مرتبة في التصنيف العالمي إطلاق القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين في الدولة ما هي أبرز قراراته المثيرة للجدل؟ شعبية ترامب تتراجع بعد مئة يوم على توليه منصبه  الأمم المتحدة تدعو لرفع العقوبات والاستثمار في سوريا الأوروبي" يواجه تحديات خارجية وداخلية.. فهل يتجاوزها ويصل إلى الحالة "التكاملية"؟ إعلام غربي يدعو للاستفادة من المتغيرات الدولية لتحقيق الاستقرار في المنطقة The NewArab:  محادثات الشيباني وميلز ركزت على فرص تحسين العلاقات بين دمشق وإدارة ترامب مصر والسعودية تؤكدان ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا  حملة "شفاء".. عمليات جراحية نوعية في اللاذقية المصالح العقارية تضاهي "المركزي" بأهميتها..  خبير عقاري لـ"الثورة": الملكيات مُصانة ولا يمكن تهر... غلوبال تايمز: واشنطن بالغت في إبعاد الصين عن التجارة العالمية مظاهرات احتجاجية في تركيا وباكستان واندونيسيا..  عشرات الشهداء بمجازر جديدة للاحتلال في غزة الأمم المتحدة تدعو "الحوثيين" للإفراج الفوري عن جميع موظفيها المحتجزين تعسفياً  خارطة الخيارات الاستثمارية الحالية رهينة الملاذات الآمنة 70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي