يحيى السيد عمر
باحث في الاقتصاد السياسي
في إطار السياسة الاقتصادية المتشددة التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على فرض رسوم جمركية على صادرات 180 دولة حول العالم؛ ضمن سياسة “أمريكا أولاً” التي تهدف إلى حماية المُنتَج الأمريكي من المنافسة الأجنبية.
المفاجأة أن سوريا كانت بين هذه الدول، وفُرضت عليها رسوم جمركية بنسبة 49%، وهي من أعلى النِّسب المفروضة على مستوى الدول العربية كلها. والمفارقة أن العلاقات التجارية بين سوريا والولايات المتحدة تكاد تكون معدومة منذ سنوات، ما يجعل فرض هذه الرسوم أمرًا يَفتقر إلى أيّ منطق اقتصادي مباشر.
مبدأ المعاملة بالمثل: استخدام مشروط
من الأسباب التي قد تُفسِّر القرار الأمريكي هو اعتماد إدارة ترامب على مبدأ “المعاملة بالمثل”، أي الرد على أيّ دولة تفرض رسومًا على المنتجات الأمريكية برسوم مماثلة، حتى وإن لم تكن ذات تأثير فِعْليّ على السوق الأمريكي. لكن في حالة سوريا، دمشق لم تَفْرض رسومًا جمركية مباشرة على السلع الأمريكية، لكنّها اتَّبعت سياسات حمائية لحماية السوق المحلي؛ من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة على بعض المنتجات الكمالية مثل العطور وموادّ التجميل التي تصل نسبتها إلى 85%، إضافةً إلى حظر استيراد مواد أخرى مثل الخمور.
وعلى الرغم من أنّ هذه الإجراءات تستهدف بشكل أساسي تنظيم الاستيراد، وتقليل الاعتماد على السلع الكمالية؛ إلا أن الولايات المتحدة رأت فيها سياسة تجارية تَضُرّ بمصالحها، لذلك اعتبرت أنها تستوجب الردّ، ما يؤكد أن القرار الأمريكي لم يستند إلى مؤشرات اقتصادية فعلية.
تأثير محدود للغاية
على الرغم من أن نسبة الرسوم الجمركية مرتفعة؛ إلا أن أثر القرار على الاقتصاد السوري شِبْه معدوم. فسوريا في الوقت الحالي تعاني من تراجُع حادّ في حجم صادراتها، كما أن السوق الأمريكية ليست من الأسواق التقليدية للصادرات السورية، سواء قبل عام 2011م أو بعدها. ففي عام 2010م، بلغت قيمة الصادرات السورية إلى أمريكا 500 مليون دولار فقط، ما يعادل 4% من إجمالي الصادرات السورية. وبعد عام 2011م، تراجَع هذا الرقم إلى ما يقارب الصفر، ما يجعل من تأثير القرار الأمريكي مجرد رمزية سياسية وليس إجراءً اقتصاديًّا.
من جهة أخرى، وحتى عند تعافي الاقتصاد السوري، واستئناف التجارة الخارجية، فإن جهات التصدير التقليدية لسوريا تتركّز في الأسواق الإقليمية، مثل: العراق، الأردن، دول الخليج، وبعض الأسواق الأوروبية، ما يعني أن استبعاد السوق الأمريكي لن يكون عاملًا حاسمًا في خطط سوريا التجارية المستقبلية.
وعلى الرغم من أنّ فرض الرسوم الجمركية على سوريا يُفسَّر عادةً ضمن إطار الضغوط السياسية؛ إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الإدارة الأمريكية تتبنَّى سياسة عدائية مباشرة تجاه الدولة السورية في المرحلة الحالية؛ فقد كانت الرسوم الجمركية واحدة من أدوات ترامب الاقتصادية التي طالت حتى أقرب حلفاء واشنطن مثل الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان؛ وهو ما يشير إلى أنّ الرسوم لا تعكس دائمًا موقفًا سياسيًّا عدائيًّا.
بل على العكس من ذلك، فهناك مؤشرات على تغيُّر في المزاج السياسي الأمريكي تجاه سوريا؛ فقد بدأت بعض الأوساط الأمريكية تناقش إمكانية تعليق إضافي لبعض العقوبات المفروضة على دمشق، خاصةً تلك المرتبطة بالشِّقّ الإنساني والاقتصادي. كما أن واشنطن لم تُبْدِ اعتراضًا واضحًا على حصول سوريا على حصتها من حقوق السحب الخاصة (SDR) في صندوق النقد الدولي، والتي تُقدَّر بحوالي 560 مليون دولار، ما يدلّ على أن هناك انفتاحًا أمريكي على إعادة ضبط العلاقة مع سوريا في المرحلة المقبلة.