ماذا لو عاد معتذراً ..؟ 

أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي 

شكل إصدار رئيس الجمهورية العربية السورية، المرسوم رقم (20) لعام 2025، والذي ينص على تشكيل هيئة مستقلة تحت مسمى “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، بارقة أمل كبيرة لآلاف السوريين، الذين يتطلعون لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحق الشعب السوري طيلة عقد ونصف، بما فيهم المجرم الأكبر المختبئ في روسيا “بشار الأسد”.

لطالما نادى الشعب السوري بالعدالة، ودفع لأجلها أثماناً كبيرة وباهظة طيلة 14 عاماً من القتل والتعذيب والموت الذي صدره إرهاب النظام البائد بكل أركانه، وعقب سقوط النظام ارتفعت الأصوات الشعبية منها والحقوقية، المطالبة بالإسراع في تطبيق “العدالة الانتقالية” التي تعتبر شرطاً أساسياً لتعافي المجتمع وتحقيق السلم الأهلي، منعاً لأي انزلاق نحو أي صدام عبر وسائل الانتقام غير المنضبطة.

صدور قرار الرئاسة الجمهورية، يفتح الباب واسعاً نحو تطبيق العدالة، مع مطالبات شعبية جدية بضرورة المحاسبة العلنية لكل من تورط بالدم السوري، ومطالبات حقوقية بضرورة أن لا تستثني هذه المساعي محاكمة رؤوس الإجرام، بمن فيهم المخلوع “بشار الأسد”، من خلال التواصل والضغط على الدولة المضيفة له “روسيا” لتسليمه، والبدء بمحاكمته إضافة لمئات الضباط ورجال الدولة الكبار الفارين خارج سوريا.

“بشار الأسد” بصفته رئيس الجمهورية المنهارة، كان القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وهو رأس السلطة التي وجهت الأوامر باستخدام العنف ضد المدنيين السوريين المطالبين بالحرية، يتحمل المسؤولية الأولى والمباشرة عن كل الجرائم بما فيها استخدام الأسلحة الفتاكة والكيماوية ضد الشعب السوري، وكذلك تسببه في تدمير الدولة ومؤسساتها لصالح بقاء حكم العائلة.

يواجه المجتمع السوري اليوم إرثاً ثقيلاً من الانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت على مدار 14 عاماً، ووفقاً لقاعدة بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فقد وُثّق مقتل ما لا يقل عن 231 ألف مدني، من بينهم 202 ألف قُتلوا على يد قوات نظام الأسد، كما تم توثيق 157 ألف حالة إخفاء قسري، إضافة إلى استخدام أسلحة محرمة دولياً بشكل ممنهج، حيث ألقى الطيران الحربي ما لا يقل عن 81,916 برميلاً متفجراً، ونفّذ 217 هجوماً كيميائياً، و252 هجوماً بذخائر عنقودية. وقد أدت هذه الانتهاكات الممنهجة إلى تشريد قرابة 14 مليون سوري – أي ما يعادل نصف السكان – بين نازح داخلي ولاجئ في دول الجوار والعالم.

ارتكب “بشار الأسد” بحسب الشبكة الحقوقية جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحقِّ الشعب السوري، وكانت طالبت في بيان لها يوم الأربعاء 11 كانون الأول 2024، روسيا بإعادة النظر في قرار منح اللجوء لبشار الأسد، كونه يتعارض مع الالتزامات الدولية المتعلقة بمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وشدد على ضرورة  اتخاذ إجراءات لتسليم بشار الأسد إلى السلطات السورية الجديدة لإجراء محاكمة عادلة له في سوريا.

وشكل سقوط النظام لحظة تحول مفصلية في تاريخ سورية الحديث، التي حكم فيها آل الأسد البلاد 54 عاماً، بدأت في عام 1970 بحكم حافظ الأسد، حكم فيها البلاد نحو ثلاثين عاماً أسس خلالها نظاماً استخباراتياً ديكتاتورياً قمعياً، أورثه لابنه بشار بعد وفاته في عام 2000، الذي حكم سورية منذ ذلك التاريخ إلى سقوطه على يد فصائل المعارضة والشعب الثائر في كل أنحاء البلاد.

سبق أن نائب وزير الخارجية الروسي “سيرغي ريابكوف”، لشبكة “إن بي سي نيوز”، إنّ روسيا نقلت رئيس النظام المخلوع “بشار” إلى موسكو بشكل آمن للغاية بعد الإطاحة به، وقال الكرملين، إنّ الرئيس فلاديمير بوتين اتخذ قراراً بمنح الأسد حق اللجوء في روسيا.

وبموجب القانون الدولي، لا يحقُّ للأفراد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب التمتع بحقِّ اللجوء الإنساني. وتنص اتفاقية اللاجئين لعام 1951، في المادة 1 الفقرة “واو”، على استثناء الأفراد من حماية اللاجئين إذا توفرت “أسباب جدية للاعتقاد” بارتكابهم، جرائم ضد السلام، أو جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية كما هو منصوص عليه في الصكوك الدولية.

في مقال له أكد “فضل عبد الغني” المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان، على أهمية العدالة الانتقالية في سوريا لمنع الانتقام وضمان الاستقرار، لافتاً إلى طي صفحة مظلمة من تاريخ سوريا امتدت لأكثر من نصف قرن، وبرأيه فإن هذا التحول التاريخي، الذي جاء بعد أربعة عشر عاماً من نزاع مسلح مدمّر، يضع المجتمع السوري أمام مفترق طرق مفصلي: إما المضي نحو بناء دولة قائمة على العدالة وسيادة القانون، أو الانزلاق نحو دوامة من الفوضى والانتقام وتصفية الحسابات.

ورأى الحقوقي السوري أن تأجيل تطبيق آليات العدالة الانتقالية يعرّض المجتمع السوري لمخاطر متعددة ومتشعبة، أبرزها ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب التي سادت لعقود طويلة، مما يقوّض بشكل خطير الثقة في شرعية المؤسسات الجديدة ويبعث برسالة مدمرة مفادها أن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لا يستتبع مساءلة حقيقية.

كما أن التأخير يعمق شعور الإحباط والغبن لدى قطاعات واسعة من الضحايا، ويغذي بشكل مباشر نزعات الانتقام الفردي. وهناك حقيقة اجتماعية-نفسية جوهرية لا يمكن تجاهلها: فراغ العدالة الرسمية سرعان ما تملؤه أشكال من “العدالة الشعبية” التي غالباً ما تكون عشوائية وانتقامية وتفتقر للضمانات القانونية الأساسية.

وختم بالإشارة إلى أن سوريا تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي ومصيري، بعد أربعة عشر عاماً من نزاع مدمر، وعقود طويلة من الحكم الأسدي الاستبدادي القاسي، إن الخيارات الاستراتيجية التي ستتخذها الدولة والمجتمع خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة ستحدد بشكل حاسم مسار البلاد لعقود قادمة، وستؤثر بصورة مباشرة وعميقة على فرص تحقيق الاستقرار المستدام والسلام الاجتماعي الحقيقي.

تؤكد المطالب والتطلعات الشعبية اليوم في عموم أرجاء الوطن السوري، على حقها في نيل العدالة بعد الحرية، وتعتبر أن محاكمة “بشار الأسد” مطلباً وطنياً لا تراجع عنه، ولا قبول في المساومة عليه، ليكون عبرة لكل الطغاة والمستبدين، وينهي حقبة مريرة من تاريخ سوريا الحديث، بعد عقود من الظلم والجور والاستبداد، لا تقبل أنصاف الحلول حتى ولو عاد معتذراً … فقد سبقه الزمن ولم يعد هناك عودة للوراء.

آخر الأخبار
السيطرة الكاملة على حريق "شير صحاب" رغم الألغام ومخلفات الحرب    بين النار والتضاريس... رجال الدفاع المدني يخوضون معركتهم بصمت وقلوبهم على الغابة    تيزيني: غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة كانت تعمل كصناديق بريد      تعزيز التعاون في تأهيل السائقين مع الإمارات بورشة عمل افتراضية     الإبداع السوري .. في"فعالية أمل" ريف اللاذقية الشمالي يشتعل مجدداً وسط صعوبات متزايدة وزير الطاقة: معرض سوريا الدولي للبترول منصة لتعزيز التعاون وتبادل الرؤى بطولات الدفاع المدني .. نضال لا يعرف التراجع في وجه الكوارث والنيران  وزير الطاقة يفتتح "سيربترو 2025"  وزير الطوارئ يتفقد مواقع الحرائق ويشيد بجهود الفرق الميدانية   500 سلة إغاثية لمتضرري الحرائق باللاذقية  السويداء على فوهة البندقية.. سلاح بلا رقيب ومجتمع في خطر  دمشق وأبو ظبي  .. مسار ناضج من التعاون الثنائي الحرائق تتمدد نحو محمية غابات الفرنلق.. وفرق الإطفاء تبذل جهوداً جبارة لإخمادها امتحانات البكالوريا بين فخ التوقعات والاجتهاد الحقيقي "لمسة شفا" تقدّم خدماتها الصحية والأدوية مجاناً بدرعا مشاريع خدمية بالقنيطرة لرفع كفاءة شبكة الطرق تطويرالمهارات الإدارية وتعزيز الأداء المهني بعد تدخل أردني وتركي..الأمم المتحدة تدعو لدعم دولي عاجل لإخماد حرائق اللاذقية متابعة التحضيرات النهائية لانطلاق امتحانات "الثانوية" في ريف دمشق