الثورة – سمرحمامة:
مع نهاية العام الدراسي وبداية العطلة الصيفية، يجد العديد من الأهالي أنفسهم أمام معضلة كبيرة، كيف يمكن شغل أوقات أطفالهم الطويلة بما هو مفيد؟ في ظل ضغوط العمل وتزايد المسؤوليات، يلجأ كثير من الآباء إلى الحل الأسهل، وهو إعطاء الأطفال الهواتف المحمولة أو التاب لساعات طويلة، ظناً منهم أن هذه الوسيلة كفيلة بإسكات ملل الأطفال وتخفيف إزعاجهم.
لكن ما يبدو حلاً مؤقتاً يتحول تدريجياً إلى خطر يهدد النمو الذهني والجسدي والعاطفي للطفل. في السنوات الأخيرة، ازدادت نسب استخدام الأطفال للهواتف المحمولة بشكل ملحوظ، خاصة في فصل الصيف. تقارير طبية وتربوية كثيرة حذّرت من آثار هذا الاستخدام المفرط، مثل تأخر النمو اللغوي، ضعف التركيز، اضطرابات النوم، إضافة إلى الانعزال الاجتماعي والسمنة. تقول السيدة “هالة منصور” (أم لطفلين): ” أعمل يوميًا من الثامنة صباحًا حتى الرابعة مساءً، ولا أملك رفاهية اصطحاب أطفالي لأي مركز أو نشاط. للأسف، الهاتف هو الشيء الوحيد الذي يبقيهم مشغولين دون مشاكل، أعلم أن هذا خاطئ، لكن لا أجد بديلاً حقيقياً”.
بينما يرى “خالد عيسى” (أب لثلاثة أطفال في أحد أحياء دمشق الفقيرة): لا أستطيع دفع رسوم نشاط صيفي أو حتى أدوات هواية مكلفة، في الحي لا يوجد مساحات لعب كافية، وأحياناً أخاف عليهم من الشارع، لذلك الهاتف هو الموجود، رغم أنني أراقب ما يشاهدونه قدر الإمكان”.
بدائل متاحة
لكن في المقابل، هناك من وجد بدائل رغم بساطة الإمكانيات، تقول “فاطمة وهي ربة منزل في ريف دمشق: “اتفقنا أنا وجاراتي أن نتناوب كل يوم على تنظيم نشاط بسيط للأطفال في الحارة: يوم للرسم، وآخر للقراءة، وثالث للطبخ البسيط، ورابع لألعاب شعبية. كل أمٍّ تجهز شيئاً بسيطاً ونقوم بذلك في ظل شجرة قرب منزلنا. الأطفال أحبوا الفكرة، ونحن ارتحنا من الشاشات قليلًا”.
أما “رائد العبد الله”، عامل بناء من طرطوس فيقول: “ابني يحب الزراعة، فأعطيته مساحة صغيرة من سطح المنزل لزراعة بعض الأعشاب والبقدونس، صار يراقب نموها ويسقيها يوميًا، ليس نشاطاً ضخماً، لكنه يشغله بشيء حي وملموس”.
نمط الحياة فرض نفسه
المرشدة النفسية نغم حيدر بينت أن نمط الحياة الحديث فرض واقعاً معقداً على الأسرة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية. لكن الحل لا يجب أن يكون عزل الطفل خلف شاشة طوال اليوم. الطفل في الصيف بحاجة للحركة، للّعب الحر، للتفاعل الاجتماعي. يمكن استغلال أبسط الموارد لتقديم بيئة محفزة: ألعاب تقليدية، قراءة، مسرح منزلي، حكايات الجدات، حتى التكليف بمهام منزلية بسيطة يخلق شعوراً بالمسؤولية، الأهم أن يشعر الطفل بالانتماء والتقدير، وليس فقط التسلية الفارغة”. وتضيف “، من الأوهام المنتشرة أن النشاط الصيفي يجب أن يكون مكلفاً أو منظماً عبر جهة رسمية. في الواقع، ما يحتاجه الطفل هو روتين يومي غني بالحب، الحافز، والانخراط النشط في العالم الحقيقي، ولو كان محدود الإمكانيات”.
الحلول المقترحة للأهالي ذوي الدخل المحدود
تبادل المهام بين الأمهات أو الجيران مثل تجربة “فاطمة”، يمكن تنظيم جدول أسبوعي بسيط تتناوب فيه الأمهات على رعاية مجموعة من الأطفال وإشغالهم بأنشطة متنوعة (رسم، ألعاب، حكايات، مسابقات صغيرة). الاستفادة من المساحات البسيطة، سطح المنزل، مدخل البناية، حديقة عامة قريبة، أو حتى ظل شجرة يمكن أن يتحول إلى مركز نشاط، زراعة منزلية أيضا تعليم الطفل زراعة البقدونس أو النعناع في أصيص يمكن أن يكون تجربة ممتعة وتعليمية، بالإضافة إلى المسابقات المنزلية إذ يمكن إعداد أسئلة معلومات عامة، ألعاب ذاكرة، أو تحديات رياضية بسيطة.
القراءة الجماعية
وحول القراءة الاجتماعية يمكن اختيار قصة وقراءتها بصوت عالٍ يوميًا مع الأطفال، أو جعل الأطفال يمثلون القصة. أعمال منزلية ممتعة كما أكدت على ضرورة ببعض الأعمال المنزلية الممتعة، كإشراك الطفل في تحضير الحلويات أو ترتيب الغرفة بشكل تحفيزي، مع جوائز رمزية.
وفيما يتعلق بتقنين استخدام الهاتف نوهت المشردة النفسية أنه بدلاً من المنع الكلي أو الإباحة الكاملة، يمكن تحديد ساعتين يوميًا فقط، واختيار محتوى مفيد ومرشد، ولفتت إلى دور الأنشطة التطوعية، مثل مشاركة الأطفال في حملات نظافة الحي أو مساعدات بسيطة تعزز قيم التعاون والانتماء.
صحيح أن العصر الرقمي فرض علينا تحديات غير مسبوقة، لكن تربية الأطفال لا يجب أن تُختصر بشاشة وهاتف. الطفولة مرحلة بناء الإنسان، وكل ساعة تقضيها بلا معنى أمام جهاز، هي ساعة ضاعت من إمكانياته.
العطلة الصيفية فرصة ذهبية لصقل شخصية الطفل وتنمية فضوله، حتى بأبسط الوسائل. ومع قليل من الإبداع والتعاون، يمكن لأي أسرة -مهما كان دخلها- أن تصنع صيفًا غنيًا، حقيقيًا، وذا أثر يدوم.