نقل الملكيات العقارية.. خطوة اقتصادية.. قيراطة لـ”الثورة”: استئناف عمليات التسجيل بعد صدور التعليمات
الثورة – لينا شلهوب:
في تطور لافت على الساحة الاقتصادية والإدارية، صدر تعميم من وزارة المالية يقضي بمعاودة منح براءات الذمة المالية لأغراض نقل الملكيات العقارية، اعتباراً من 30 حزيران الجاري، وذلك بعد توقّف أثار جدلاً واسعاً خلال الفترة الماضية.
وبحسب التصريحات، فإن الهدف من القرار هو “تمكين مديريات المصالح العقارية من مباشرة خدمات تسجيل نقل ملكيات العقارات”، في خطوة وصفت بـأنها “طال انتظارها”، وستسهم في تحريك عجلة الاقتصاد، وتسهيل الأعمال على المواطنين.
“الثورة” التقت المدير العام للمصالح العقارية عبد الباسط قيراطة، واستعرضت جملة من التساؤلات حول خلفيات هذا التعميم، وأبعاده الاقتصادية والإدارية.. ولما تم إيقاف منح براءات الذمة المالية سابقاً، وما الذي تغيّر اليوم ليستأنف العمل بها؟.. إضافة إلى مدى تأثير ذلك على سوق العقارات، خاصة في ظل الركود الاقتصادي والضغوط المعيشية، وكيفية إسهام هذه الخطوة في “تحريك النشاط الاقتصادي”؟ وهل ستؤدي هذه الإجراءات إلى انخفاض تكلفة عمليات نقل الملكية، أم أنها ستبقى مرهونة بالرسوم المرتفعة؟
وكيف سينعكس على المواطنين الذين يرغبون ببيع أو شراء عقار، خصوصاً في ظل انخفاض القدرة الشرائية؟ لنصل إلى دور مديريات المصالح العقارية في المرحلة القادمة؟ وهل هي جاهزة فعلاً لاستيعاب ضغط الطلب بعد هذا التعميم؟
هذه التساؤلات تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول سياسات الحكومة في إدارة قطاع العقارات، ومدى انسجامها مع تطلعات المواطنين ومقتضيات التعافي الاقتصادي.
أسباب التوقف.. وسياق القرار
قبل الخوض في آثار هذا التعميم، لا بد من التوقّف عند أسباب إيقاف منح براءات الذمة المالية في الفترة الماضية، خاصة في ظل عدم إصدار توضيحات رسمية كافية حينها، ما فتح الباب أمام التكهّنات بشأن ارتباط هذا التوقّف بسياسات الجباية، أو بإعادة تنظيم الإجراءات الضريبية، ومحاولة الحد من التهرب الضريبي.
واليوم، يأتي التعميم الجديد في إطار محاولة الحكومة فتح قنوات جديدة لتنشيط الاقتصاد العقاري، وتحقيق إيرادات مالية بعد فترة من الجمود، وليطرح تساؤلات مشروعة.. ما الذي تغيّر اليوم ليستأنف العمل بهذه الخدمة الحساسة؟ وهل جاء القرار استجابة لضغط السوق أم لحاجة ملحّة من الدولة نفسها في ظل تراجع الإيرادات العامة؟
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عامر خلف: تجميد عمليات نقل الملكية أضر بالعديد من الفئات، من المطوّرين العقاريين إلى المواطنين العاديين، وكان له تأثير مباشر على سيولة السوق، لكن إعادة تفعيلها قرار إيجابي، لكنه يجب أن يترافق مع خطة واضحة لتحديث الخدمات العقارية الرقمية وتخفيض الرسوم غير المبررة.
العقارات بالأرقام
بحسب تقرير الهيئة العامة للاستثمار والتطوير العقاري لعام 2024، فقد تراجعت عمليات بيع وشراء العقارات بنسبة أكثر من 60 بالمئة مقارنة بعام 2021، وبلغ عدد المعاملات العقارية المسجلة أقل من 45 ألف معاملة في عموم سوريا، وهو أدنى رقم منذ عام 2012.
وفي السياق ذاته، تؤكد جمعية الوسطاء العقاريين في دمشق أن متوسط عدد المعاملات اليومية التي كانت تُرفض بسبب غياب براءة الذمة المالية تجاوز 200 معاملة في بعض المناطق، ما يعكس حجم الحاجة لإعادة فتح هذا المسار.
مصادر وزارة المالية تؤكد أن القرار سيترافق مع خطوات جديدة لتبسيط الإجراءات وتخفيف الأعباء، من دون أن يوضّح ما إذا كانت هذه الخطوات ستشمل تقليص الزمن اللازم للمعاملة، أو تخفيض الرسوم، أو تحسين البنية الرقمية، وهنا تكمن نقطة الاختبار الحقيقية.
تقول المحامية لانا طعمة، المتخصصة في القوانين العقارية: القرار مهم، لكنه لا يكفي وحده، ما يهم المواطن هو أن يتمكن من إنجاز معاملة نقل الملكية خلال أيام قليلة، وليس شهوراً، من دون أن يضطر للمرور بسلسلة من التواقيع والوثائق المكلفة والمرهقة.
العقار بين الاستقرار والتردد
يبقى العقار واحداً من أهم أدوات الادخار، خاصة في ظل تذبذب سعر الصرف، وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي، لكن عدم القدرة على نقل الملكية بسهولة جعل الكثير من المواطنين يحجمون عن البيع أو الشراء، مخافة الوقوع في نزاعات قانونية أو خسائر مالية، وبالتالي، فإن طبّق بفعالية، قد يُعيد شيئاً من الثقة إلى السوق، ويعزز تداول العقارات.
وقرار وزارة المالية بإعادة تفعيل منح براءات الذمة المالية هو خطوة ضرورية، لكنها لا تشكّل حلاً نهائياً، فنجاح القرار يتوقف على عوامل عدة، أبرزها تبسيط الإجراءات، خفض الرسوم، ت
دريب الكوادر، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وغيرها من المستلزمات والضروريات، وبانتظار التفاصيل العملية، التي سيلمسها المواطن الأكثر ترقّباً، فهل ستفتح العقارات باب الانتعاش؟ أم أن القرار سيبقى حبراً على ورق في غياب التنفيذ الفعلي؟
تحديات
في تصريح خاص لـ”الثورة”، لفت المدير العام للمصالح العقارية عبد الباسط قيراطة، إلى أهمية التعميم الصادر عن وزارة المالية، مشيراً إلى أن كوادر المديرية على استعداد لاستئناف عمليات تسجيل نقل الملكيات العقارية، لكن بانتظار ما سيصدر عن المديرية العامة من تعليمات بهذا الخصوص، في ضوء التعميم الصادر عن وزارة المالية، القاضي بمعاودة منح براءات الذمة المالية، مؤكداً أنه سيتم المباشرة بالعمل بعد الإعلان عن التعليمات الصادرة عن المديرية العامة للمصالح العقارية، لافتاً إلى أنه جاء في توقيت مهم لإعادة تنشيط السوق العقاري، لكنه شدّد في الوقت نفسه على وجود “تحديات واقعية” تعترض التنفيذ، أبرزها نقص الكوادر الإدارية المدربة في بعض المناطق، والحاجة إلى أدوات رقمنة فعّالة لتسريع الإجراءات وتجاوز الورقيات القديمة، كذلك ضعف البنية التحتية في بعض المديريات الفرعية، خاصة في المحافظات التي تعرّضت لأضرار خلال الحرب، منوهاً بأن هناك جملة من اجراءات التأهيل في بعض الدوائر العقارية متل الكسوة وعربين بريف دمشق.
وأضاف قيراطة: المديرية تبذل جهوداً كبيرة لتلبية حجم الطلب المتوقّع بعد التعميم، لكن رغم الجاهزية، نواجه عدداً من التحديات الفنية واللوجستية، فيما يتم الاعتماد على القوانين الأم التي ما زالت سارية المفعول حالياً لتنفيذ الأعمال، والتي تعد دستور العمل في المصالح العقارية وخاصة القانون رقم 186 – 188 لعام 1926، إضافة إلى ما سيصدر عن المديرية من تعاميم وبلاغات تنظّم عمل المديرية بهذا الخصوص، ويأتي ذلك لضمان عدم حدوث اختناقات أو تأخيرات قد تسيء إلى هدف القرار، مع تطوير أدوات الرقمنة، خاصة في المحافظات المتضررة، مضيفاً: نحتاج إلى دعم إضافي من الجهات المعنية لضمان تسريع المعاملات وتخفيف الضغط على الموظفين، داعياً المواطنين إلى تحضير وثائقهم القانونية واستكمالها بشكل دقيق قبل مراجعة الدوائر العقارية، تجنباً للتأخير، ولتسريع عملية تقديم الخدمة.
وبيّن أنه جاري التنسيق مع المالية لتعديل بعض الرسوم بحيث تكون مناسبة لأكبر شريحة من المواطنين، مشيراً إلى أن بعض الإجراءات المتخذة ربما تؤخر مصالح بعض المواطنين، عند ايقاف الخدمة، إلا أنها تكون عامل حماية لحقوقهم.
كبح الركود أم إنعاش مؤقت
القرار من شأنه أن يعيد الحياة إلى سوق العقارات، الذي يعاني من حالة ركود شديد نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي، وتضخّم الأسعار، ويؤكد بعض الخبراء أن تسهيل نقل الملكيات سيساعد على تحريك الرساميل المجمّدة، وتنشيط عمليات البيع والشراء، لكنهم يحذّرون في الوقت نفسه من أن ذلك لن يكون كافياً دون إصلاحات أوسع تشمل تخفيض الرسوم وتبسيط الإجراءات القانونية.
كما أنه لا شك أن قرار إعادة منح براءات الذمة المالية يُعد خطوة إيجابية، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد السوري إلى أي بوادر إنعاش، إلا أن نجاح هذا الإجراء يتوقّف على صدق الوعود بتبسيط الإجراءات، وتوفير بيئة قانونية وإدارية مستقرة، وتخفيف الأعباء المالية عن المواطنين، وإلا فقد تتحول هذه الخطوة إلى مجرد إجراء مرحلي، لا يلبث أن يصطدم بجدار التعقيد والإحباط.