سلامة الغذاء في خطر .. إشارات سلبية جراء تفاقم انعدام الأمن الغذائي

الثورة – مريم إبراهيم:

حادثة هنا وأخرى هناك، وإصابات، وحالات أعراضها تتحدث عن نفسها، والسبب تناول الطعام الملوث.. فالغذاء غير السليم ينقل أكثر من مائتي مرض، كالتسمم والإسهالات وغيرها، ما يطرح تساؤلات حول غياب سلامة الغذاء، مع إنه المعني الأول بحماية الصحة.

معدلات عالية

في سوريا وبعد الحرب، يلحظ انعدام الأمن الغذائي، ووفق تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة نشره في آذار 2024، بين أن نحو 12.1 مليون شخص في سوريا، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهي بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدامه، لأسباب منها اعتماد البلاد على الواردات الغذائية، بعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في إنتاج الغذاء، وهناك آثار الحرب والزلازل.. فما هو توصيف هذا الواقع، وأدوار الجهات المعنية، للوصول لغذاء آمن وصحي.
فسلامة الغذاء تبدأ من التربة التي تُزرع المحاصيل، وتمر بمراحل بدءاً من الحصاد إلى التقديم، وكل مرحلة تتطلب وعياً ومراقبة دقيقة والتزام بمعايير النظافة والجودة.

ركيزة أساسية

عميد كلية الزراعة الدكتور أحمد الحاج أحمد أوضح في لقاء لـ”الثورة” أن سلامة الغذاء ركيزة أساسية لصحة الإنسان والمجتمع، إذ تُعنى بحماية الأغذية من التلوث بأنواعه أثناء مراحل الإنتاج والتخزين والنقل والتحضير، والتهاون في معايير السلامة يؤدي إلى الأمراض المنقولة عبر الغذاء، ما يشكل عبئاً على النظم الصحية ويؤثر على الإنتاجية، وتزداد أهمية الموضوع في ظل العولمة وتوسع شبكات الغذاء، فالتلوث في دولة ما قد يؤثر على المستهلك في دولة أخرى، وتشمل سلامة الغذاء النظافة الشخصية للعاملين، وتطبيق الممارسات الصحية الجيدة في جميع مراحل الإنتاج، ومراقبة درجات الحرارة والتخزين والتعليب، والرقابة المستمرة على جودة المواد الخام والإضافات، والتوعية المجتمعية بالتعامل مع الأغذية في المنزل.

أدوار وتحديات

ويضيف الدكتور الحاج أحمد: إن الجهات الرقابية والهيئات الصحية والمؤسسات التعليمية والإعلامية تتحمل دوراً في نشر الوعي ومراقبة سلامة الغذاء، وللمستهلك نفسه دورٌ محوريّ، عبر اتخاذ قرارات غذائية ذكية والانتباه لتاريخ الصلاحية وطريقة الحفظ، فسلامة الغذاء جهد جماعي يشمل المنتج والمستهلك والحكومة، والحفاظ على غذاء آمن هو استثمار في مستقبل صحي واقتصاد مزدهر ومجتمع محصَّن ضد الأمراض، وتواجه المجتمعات تحديات تعيق وصول السكان إلى غذاء آمن، منها ضعف البنية التحتية وسلاسل التوريد، وتأخر وسائل النقل وسوء التخزين إذ يسببان خسائر في المحاصيل وظاهرة الهدر، ما يقلل من توفر الغذاء الآمن والكافي، وارتفاع التكلفة الاقتصادية، وأسعار المدخلات الزراعية (أسمدة، طاقة، نقل) يرفع تكلفة الغذاء، فيضعّف القدرة الشرائية للأسر الفقيرة ويزيد من انعدام الأمن الغذائي، وغياب الرقابة الصحية وجودة الغذاء ونقص آليات التفتيش واشتراطات السلامة الغذائية يؤديان لتلوث الأغذية وانتشار الأمراض، وهناك التغيرات المناخية والضغوط البيئية والجفاف، الفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة تكبّد القطاع الزراعي خسائر تؤثر على إمدادات الغذاء ومستويات الأمن الغذائي، والنزاعات والصراعات وتعطيل الإنتاج الزراعي وهجرة المزارعين قسراً يفاقم انقطاع الإمدادات وتفشي المجاعات في مناطق النزاع.
كما أن ضعف الوعي والتثقيف الغذائي وقلة المعرفة بالتخزين المنزلي الآمن وتقنيات حفظ الأغذية تجعل الأسر أكثر عرضة للهدر وتقلل مقدار الغذاء الصالح للاستهلاك، وهناك القيود التشريعية والمؤسسية، وضعف التشريعات والتنسيق بين الجهات الحكومية يحدّ من قدرة الدولة على فرض معايير سلامة موحدة وتصميم برامج دعم فعّالة للمزارعين والمستهلكين، وهنا يبرز دور الابتكار الزراعي (الزراعة الدقيقة، البذور المحسّنة) وإنشاء نظم إنذار مبكر للتلوث وتعزيز التعاون المحلي والدولي لبناء قدرات المجتمعات الريفية. كذلك تُعتبر السياسات الداعمة للاستدامة المائية وتمكين النساء في الزراعة أهم السبل لتخفيف العقبات على المدى الطويل.

تثقيف مجتمعي

وأكد الدكتور الحاج أحمد ان لحملات التوعية والتثقيف المجتمعي دوراً في تعزيز السلامة الغذائية عبر تمكين المستهلكين برفع وعي الأفراد بمصادر التلوث، وفحص تواريخ الصلاحية وشراء المنتجات الموثوقة، مع تعزيز ممارسات النظافة المنزلية والمهنية، وفصل الأطعمة النيئة عن المطبوخة، والتخزين عند درجات الحرارة الملائمة، مع تدريب العاملين في المزارع ومحطات التعبئة والمطاعم على معايير التعقيم والتخزين ومعالجة الأغذية وبما يعزّز نقل منتجات آمنة للمستهلك، إضافة لتحفيز الرقابة المجتمعية والمشاركة المحلية، وتمكين المواطنين الإبلاغ عن المخالفات الغذائية وتشجيع اللجان الشعبية والمراقبين المحليين على إجراء جولات تفتيشية ودورية بما يرفع مستوى الالتزام بالقوانين والمعايير.

وبالنسبة لدور الإعلام والتعليم الرسمي فلفت إلى أنه من الضروري إدراج مفاهيم سلامة الغذاء في المناهج واطلاق حملات اعلامية، ومسابقات طلابية جامعية، وهذا يرسّخ السلوكيات الصحية، مع بناء شبكات توعية بتشكيل فرق ميدانية من الاختصاصيين الصحيين ومتطوعين لزيارة الأسر والمزارع وشرح مخاطر استخدام المبيدات والحفظ غير الآمن، والاستفادة من المنصات الرقمية، وتطوير تطبيقات وهواتف ذكية توفر إرشادات لحظية واستشارات غذائية إلكترونية تسهل الوصول للمعلومة دون وسيط، وذلك يخلق إطاراً متكاملاً لبناء مجتمع واعٍ بمتطلبات السلامة الغذائية، يخفض الهدر والأمراض ويحسن جودة الحياة.

ودور أكاديمي

ويبين الدكتور الحاج أحمد دور كلية الزراعة بتطوير المناهج والتدريب الأكاديمي، وإدراج مقررات متخصصة في سلامة الغذاء وجودة ما بعد الحصاد مع مختبرات تطبيقية ومعامل حديثة، وإجراء البحوث والابتكار، وتصميم بذور محسّنة وممارسات زراعة تستهدف خفض بقايا المبيدات وتحصين المحاصيل، وإنشاء مختبرات للفحص وضمان الجودة، وتشغيل مختبرات لتحليل بقايا المبيدات والملوثات في التربة والمحاصيل، وبرامج الإرشاد والتوعية، وتنظيم ورش وجولات إرشادية في القرى ونقل التقنيات الحديثة (العزل الحراري، التبريد الفوري، التعبئة الآمنة) إلى المزارعين، والمشاركة في وضع السياسات والمعايير، وتقديم الاستشارات لوزارات الزراعة والصحة لصياغة لوائح سلامة الغذاء واعتماد معايير وطنية مطابقة للمعايير الدولية.
وأكد أن للمهندس الزراعي دوره في تقديم الاستشارات الفنية وتطبيق أفضل الممارسات، وإرشاد المزارعين باستخدام الأسمدة والمبيدات وتقنيات الري الموفّر للمياه، والمتابعة الميدانية، وزيارات للمزارع لمراقبة تطبيق إجراءات النظافة وفصل المنتجات، وتدريب العمال، وتعليم طرق الجمع، التعبئة، التغليف والتبريد الفوري للحد من تلف المحصول وانتشار الميكروبات، وجمع العينات والتنسيق مع مختبرات الفحص، وأخذ عينات دورية للتربة والمحاصيل والأعلاف وتحليلها لضمان مطابقة الحدود الآمنة، وتصميم أنظمة التخزين والتعبئة، الصديقة للبيئة، وتبنّي الأدوات الرقمية وتقنيات التتبع ،واستخدام حساسات إنترنت الأشياء وتقنيات البلوكتشين لربط بيانات الإنتاج بمسارات التوزيع وتتبع مصدر كل دفعة غذائية، ويمكن للكلية والمهندس استكشاف إطار عمل لتقييم برامج الإرشاد الزراعي وقياس أثرها لتقليل مخاطر السلامة الغذائية في الأرياف.
هيئة وطنية
ممثل المعهد العربي لعلوم السلامة في سوريا المهندسة إسراء حمدان أكدت الحاجة لإنشاء هيئة وطنية لسلامة الغذاء في سوريا، لتطبيق المعايير الدولية مثل “الأيزو” في جميع المعامل والشركات الصناعية الغذائية، وهذا سيسهم في تعزيز جودة المنتج الغذائي، مما يجعله أكثر قدرة على منافسة المنتجات العالمية ويلبي متطلبات المستهلك المحلي، فمعظم الشركات الغذائية بحاجة ماسة إلى مهندسي جودة متخصصين في سلامة الغذاء، وهو تخصص غير موجود حالياً في المناهج الأكاديمية بكلية الهندسة الزراعية، وفي هذا الإطار، يتم السعي إلى خلق هذا التخصص وتأهيل كوادر قادرة على تطبيق معايير الجودة والسلامة الغذائية، تماشياً مع متطلبات السوق المحلي.

آخر الأخبار
عودة النازحين.. حين تتحوّل فرحة الرجوع إلى معركة يومية للنساء استقرار سوريا.. رهان إقليمي ودولي وتحديات مفتعلة إدلب تطلق مؤتمرها الاستثماري الأول.. فرص واعدة لبناء مستقبل مستقر الضربة الأمريكية لإيران... بين التكتيك العسكري والمأزق الاستراتيجي تحالف حاضنات ومسرعات الأعمال السورية "SAIA" لتحفيز الابتكار إيران تستهدف قاعدة العديد بقطر رداً على الهجوم الأميركي عقوبات أوروبية جديدة تطول خمسة أشخاص على صلة مباشرة برئيس النظام البائد وزير الداخلية يُعلن تفكيك خلية لتنظيم داعش متورطة بتفجير كنيسة مار إلياس محافظ إدلب يستقبل المفوض السامي للأمم المتحدة لبحث دعم اللاجئين اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي الفعاليات الثورية والمدنية بدرعا تأهيل المدارس بالتعاون مع "اليونيسكو" تفجير الكنيسة.. غايات الإرهاب تحطمها وحدة السوريين تعزيز الأمن السيبراني بالمؤسسات العامة وبناء الكفاءات الوطنية نقل الملكيات العقارية.. خطوة اقتصادية.. قيراطة لـ"الثورة": استئناف عمليات التسجيل بعد صدور التعليمات سلامة الغذاء في خطر .. إشارات سلبية جراء تفاقم انعدام الأمن الغذائي خبير اقتصادي للثورة: رافعة ضرورية لتحريك السوق الداخلية. الخطوط الحديدية تنقل 6000 طن قمح من مرفأ طرطوس  مستشفى اللاذقية الجامعي.. زيادات ملحوظة بالعلاجات .. وأقسام جديدة قداسٌ في السويداء عن راحة نفوس شهداء التفجير الإرهابي في الدويلعة تردي الخدمات في البويضة.. ورئيس البلدية لـ"الثورة": الإمكانيات محدودة