الثورة – ثورة زينية:
حلم قديم لطالما راود العاصمة دمشق يتجدد الآن بعد سنوات طويلة من الانتظار، على أمل أن يكون الحل الجذري لمشكلات النقل في المدينة، وعامل إنعاش للعديد من المرافق الحيوية فيها.
إحياء مشروع مترو دمشق حقيقة متجددة منذ أكثر من أربعة عقود، لكن مساره الحقيقي لا يزال عالقاً بين التحديات الجيولوجية، الإرث التاريخي، والتمويل المرتفع.
لكن المبادرة الأخيرة التي خرجت للعلن في منتدى الاستثمار السوري السعودي الذي عقد مؤخراً في دمشق من خلال استثمار سعودي بقيمة 2 مليار دولار لتنفيذ المشروع، يبدو أنها ستعيد الحياة مجدداً للمشروع، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً وتحتاج المخطط إلى إرادة حقيقية واستثمار جاد.
إيرادات تشغيلية عالية
وكان المعنيون في شؤون النقل البري بوزارة النقل بينوا في تصريحات إعلامية خلال فعاليات المنتدى الاستثماري السوري السعودي أن تكلفة الدراسة التنفيذية للمشروع تصل إلى 17 مليون يورو، فيما تصل تكلفة مشروع مترو دمشق الإجمالية لنحو مليار و200 مليون يورو، ومن المتوقع حسب المعنيين في الوزارة أن يحمل المترو يومياً نحو 850 ألف راكب.
خط المترو الذي يبلغ طوله 16,5 كم سيحتاج لمدة زمنية تتراوح بين 5 و7 سنوات لإنجاز تنفيذه، وفيما لو نفذ فإنه سيخدم عدة مناطق مزدحمة، يبدأ بمنطقة القابون التي ستكون محطة الانطلاق بدلاً من القدم، مروراً بجامعة دمشق في المزة، وصولاً إلى منطقة السومرية في ريف دمشق الغربي، على أن هذا الخط سيكون متكاملاً مع خط الحجاز من خلال إنشاء أربع خطوط أخرى ستغطي كل مناطق دمشق الحيوية، إذ سيربط الخط الأول بين دمر وقدسيا، والخط الثاني سيربط المعضمية وقطنا، أما الخط الثالث يشمل المحور الجنوبي ويتجه نحو القدم والسبينة، فيما يمر الخط الرابع والأخير بمنطقة السيدة زينب، ومنطقة المعارض الجديدة متجهاً إلى مطار دمشق، فيما يصل زمن الرحلة الكاملة على الخط لأقل من 30 دقيقة، بسرعة قصوى للقطارات تصل إلى 80 كيلو متراً في الساعة، وبفاصل زمني بين القطار والآخر يبلغ نحو دقيقتين وخمسين ثانية خلال ساعات الذروة، وخمس دقائق خارج هذه الأوقات.
ولفتوا إلى الإيرادات التشغيلية العالية الناتجة عن عدد الرحلات والتنقلات اليومية، إضافةً إلى الفرص الاستثمارية التي توفرها المحطات الـ 17 التبادلية، والتي تقع في مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة، كما يوفّر المشروع فرص عمل للعمالة المحلية.
أما فيما يتعلّق بإسهام المشروع في دعم الاقتصاد المحلي، فإن ذلك سيتحقق بطرق عدّة من خلال تحقيق عوائد اقتصادية مباشرة من خلال الإيرادات اليومية التي ستعود إلى الخزينة العامة، فضلاً عن إيرادات غير مباشرة تتمثّل في توفير الوقت وموارد الطاقة المستهلكة في وسائل النقل الأخرى، على أن تعود الأصول الثابتة المقرر إنشاؤها خلال فترة تنفيذ المشروع إلى وزارة النقل، وسيتم استلامها أصولاً مع انتهاء مدة الاستثمار.
ماذا سيتحقق لو نفذ؟
خبير تخطيط المدن والمهندس المعماري رئيف تنبكجي أكد لصحيفة الثورة أن مشروع المترو لو نفذ سيُعد من المشاريع الرائدة داخل إطار إعادة الإعمار الوطنية، كما سيكون جزءاً مهماً من تطوير شبكة النقل والبنية التحتية في دمشق يربط شرق العاصمة بغربها عبر 17 محطة لتخفيف الازدحام وتحسين التنقل، مضيفاً: يخفف الضغط المروري عن الطرق الرئيسية والمداخل الحيوية للعاصمة ويقلل من الاعتماد على الحافلات والميكروباصات المتقادمة والمزدحمة، كما يسرع التنقل اليومي بين الأحياء مثل القدم، الميدان، الحجاز، القابون، دمر، والمطار.
وحسب خبير التخطيط تنبكجي، فإن من أهم مزاياه توفير الوقت والجهد، إذ يقلّص زمن التنقل بين الأطراف والمركز إلى أقل من 30 دقيقة، إضافة إلى أن الرحلات ستكون منتظمة وثابتة من دون تأخير بسبب الاختناقات المرورية أو الوقود.
ويبين أن دعم الاقتصاد المحلي هو من بين العوامل التي تجعله مشروعاً استراتيجياً كونه سيساهم في تنشيط سوق العمل عبر آلاف فرص العمل في البناء والبنية التحتية والأنظمة الكهربائية والمراقبة وإدارة التشغيل والصيانة، مؤكداً على أنه سيحدث فرقاً بجذبه لاستثمارات محلية وأجنبية، خاصة إذا تم وفق نظام BOT (بناء– تشغيل– نقل الملكية).
ولعل تحسين الواقع البيئي حسب المهندس تنبكجي نقطة هامة ستغير من واقع الانبعاثات الناتجة عن السيارات القديمة والباصات، وبذلك يخفف من التلوث الهوائي والضجيج في شوارع العاصمة، كما ويسهم في الحفاظ على المواقع الأثرية بتقليل الاهتزازات والازدحام فوق الأرض، إضافة لمساهمته في تحسين جودة الحياة من خلال تنظيم المدينة حضرياً، وتعزيز الشعور بالأمان والتنظيم في التنقل، وهو ما سينعكس بشكل جلي على التقليل من الإجهاد النفسي المرتبط بالازدحام والتأخير اليومي للمواطن.
ولفت خبير تخطيط المدن إلى مزايا مشروع مترو دمشق فيما
لو نفذ، كما هو مخطط له في عمل دمج عمراني واجتماعي، إذ سيربط بين أحياء غنية وفقيرة، ويوفر فرصة تنقل ميسرة للجميع كما يساعد على تطوير مناطق نائية أو ضعيفة الخدمات من خلال وصلها بالشبكة الحضرية وسيسهّل الوصول إلى المناطق السياحية مثل المدينة القديمة، محطة الحجاز، سوق الحميدية.. ناهيك عن إعطائه صورة حضارية وعصرية عن دمشق للسياح والزوار، منوهاً بأن محطات المترو في عواصم كثيرة أصبحت مقاصد سياحية بحد ذاتها، لما تحمله من تصاميم عمرانية مميّزة.
ويعتبر المهندس تنبكجي أن هذه الفوائد مرهونة بمدى جدية التنفيذ واستمرارية التمويل ووجود البنية التحتية المناسبة، وعدم توقف المشروع كما حدث في الماضي.
محاولات فاشلة
في الأصل تعود فكرة مشروع مترو دمشق إلى عام 1982عندما تم توقيع اتفاق بين الاتحاد السوفييتي وسوريا لإجراء دراسة شاملة حول مشروع مترو دمشق وتقدير الجدوى الاقتصادية والتمويلية للمشروع، إلا أنه لم تستكمل هذه الدراسة، ومن ثم جرت عدة محاولات فاشلة لإحياء مشروع المترو، إما لأسباب سياسية أو فنية ومالية، وكان آخرها في أيلول الماضي من عام 2024 بالشراكة بين النظام السوري البائد وإيران، إذ قام رئيس بلدية طهران بزيارة دمشق وتوقيع اتفاقية “توأمة دمشق” لإنشاء خط قطار يصل بين العاصمتين دمشق وطهران، وخلال توقيع هذا الاتفاق أعلنت الحكومة السورية آنذاك عن إحياء المشروع.
وفي عام 2010 أعلنت فرنسا عن رصد 250 مليون يورو لإنشاء الخط الأخضر بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي، الذي أعلن بدوره عن الاستثمار في المشروع بقيمة 300 مليون يورو، إلا أن المشروع توقف بسبب عدم صلاحية تربة دمشق لإنشاء السكك الحديدية بحسب الدراسة الفرنسية للمشروع..
ترجمة الاتفاقيات
على الرغم من الإعلان الرسمي، تفاصيل التنفيذ مثل التمويل الفعلي، الجدول الزمني، وتحديد الشركات المنفذة لا تزال غير مكتملة.
الاتفاقات لا تزال في مرحلة ما قبل التنفيذ، والطريق أمام المشروع قد يكون طويلاً مليئاً بالتحديات، فالأمر مرهون بأداء مستقبلي يُترجم الاتفاقيات إلى واقع على الأرض.
فمشروع المترو ليس مجرد وسيلة نقل حضارية تواكب التقدّم في قطاع النقل وعصر السرعة، بل هو مشروع متكامل، يجمع بين الأهمية الاقتصادية، والأثر الإيجابي الاجتماعي للمجتمع المحلي، فضلاً عن البُعد الجمالي والمعماري، إذ إن المشروع يهدف إلى النهوض بدمشق لتصبح مدينة تجمع بين الحداثة والأصالة معاً.