بقلم: مصطفى النعيمي
في خضم الأزمات غير المسبوقة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، وتزامناً مع صراع النفوذ المحتدم بين القوى الإقليمية والدولية، يتجلى الدور التخريبي للنظام الإيراني و”وكلائه” في المنطقة. لقد تحولت هذه القوى بالوكالة، التي تتلقى الدعم والتوجيه من طهران، إلى أدوات لتنفيذ “مشروع تدمير الأوطان” في العديد من الدول. في هذا السياق، تبرز تظاهرات السادس من سبتمبر في بروكسل، ليس فقط كرد فعل على هذه السياسات المدمرة، بل كدعوة دولية لإنهاء هذا المشروع وقطع أيادي النظام الإيراني الخفية في المنطقة. هذه الحركة تجسد رمزاً للوقوف في وجه أي نفوذ خارجي يهدف إلى تقويض السيادة الوطنية للدول، وتحويلها إلى ساحات صراع للقوى الإقليمية.
لقد دأب النظام الإيراني، على مدى عقود، على إنشاء ودعم الجماعات المسلحة والسياسية في جميع أنحاء المنطقة، مرتكزاً على عقيدة “تصدير الثورة”. فمن الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان، إلى الحوثيين في اليمن وجماعات أخرى في سوريا وغزة، تحول هؤلاء “الوكلاء” إلى أذرع تنفيذية لطهران في تحقيق أهدافها الجيوسياسية. هذه الجماعات، بدلاً من خدمة المصالح الوطنية لبلدانها، تعمل بشكل أساسي بما يخدم مصالح النظام الإيراني، وتعمل على تهميش الحكومات المركزية وتشكيل هياكل موازية، مما يؤدي إلى “دولة داخل الدولة” وتقويض السيادة الوطنية. وقد أفضت هذه السياسات إلى الفوضى وعدم الاستقرار والصراعات الطائفية والانهيار الاقتصادي في الدول التي أصبحت جزءاً من “مشروع تدمير الأوطان” هذا.
العراق، باعتباره أحد أهم ساحات النفوذ للنظام الإيراني، يعد مثالاً واضحاً لهذه الحالة. فلقد تحول قانون الحشد الشعبي، الذي كان من المفترض أن يكون أداة لمكافحة داعش، إلى منبر لترسيخ سلطة الجماعات الموالية لطهران. هذه الجماعات، بدعم مالي ولوجستي من النظام الإيراني، لم تخرج عن سيطرة الحكومة المركزية فحسب، بل قامت في كثير من الحالات بالوقوف ضد إرادة الدولة المستقلة، بل وتضحية المصالح الوطنية للعراق من أجل تحقيق أهداف النظام الإيراني الإقليمية. هذا الوضع جعل العراق عرضة لتهديدات خارجية وأغرق اقتصاده في أزمة. فمحاولات الحكومة العراقية للسيطرة على هذه الجماعات ودمجها في الهيكل الحكومي تواجه مقاومة شديدة وضغوطاً داخلية وخارجية، مما يدل على عمق نفوذ النظام الإيراني وقدرتها على استخدام “وكلائها” للحفاظ على مصالحها.
سوريا ولبنان هما أيضاً من ضحايا “مشروع تدمير الأوطان” هذا. ففي سوريا، أدى الدعم للنظام الإيراني الشامل لنظام بشار المخلوع وإرسال الميليشيات الأجنبية إلى حرب أهلية طويلة الأمد ودمار واسع النطاق في البلاد. وفي لبنان، تحول حزب الله إلى دولة موازية وقوية تهيمن على القرارات السياسية والعسكرية في البلاد، مما أغرق لبنان في أزمات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة. هذه الجماعات، من خلال إثارة التوترات الطائفية وتغذية العنف، دمرت الاستقرار والتضامن الاجتماعي في هذه البلدان ومهدت الطريق لمواصلة نفوذ النظام الإيراني. هذا الوضع لم يؤثر سلباً على حياة الملايين فحسب، بل تحول إلى معضلة أمنية إقليمية ودولية.
تأتي تظاهرات السادس من سبتمبر في بروكسل، وهي تدرك تماماً هذه الحقائق المريرة، لتكون بمثابة صوت موحد لمواجهة “مشروع تدمير الأوطان”. هذه التظاهرات تطالب بإنهاء السياسات التدخلية للنظام الإيراني ووقف دعم “وكلائها” في المنطقة. يذكّر المشاركون في هذا التجمع المجتمع الدولي بأنه طالما استمر النظام الإيراني في دعم هذه الجماعات، فإن الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط سيظلان بعيدي المنال. الرسالة الأساسية لهذه التظاهرات هي أن استعادة السيادة الوطنية لدول المنطقة ومساعدتها على استعادة استقلالها، لن يكون ممكناً إلا بقطع أيادي النظام الإيراني الخفية تماماً. هذا الإجراء لن يفيد شعوب العراق وسوريا ولبنان فحسب، بل سيساهم أيضاً في أمن واستقرار المنطقة والعالم بأسره. تظاهرات بروكسل هي رمز للأمل في مستقبل تتمكن فيه الدول، دون خوف من التدخلات الخارجية، من تقرير مصيرها بنفسها.