الثورة – عامر ياغي :
مع استمرار الأزمات الاقتصادية، يبقى استقرار العملة السورية أحد التحديات الأكبر، إذ يعدّ الأساس لتحقيق التوازن في السوق وتعزيز القدرة الإنتاجية. هذا الاستقرار لا يقتصر على تحسين قيمة الليرة فحسب، بل يشمل أيضاً استعادة الثقة في الاقتصاد المحلي والحد من التضخم المتصاعد.
يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي يحيى السيد عمر أن العلاقة بين سعر الصرف والتضخم تعدّ من أبرز العوامل التي تشكّل ملامح الواقع الاقتصادي في سوريا اليوم، مبيناً أن هذه العلاقة لا تسير في اتجاه واحد فقط، بل هي تبادلية، يُؤثّر كلّ من العاملَيْن على الآخر بشكل مباشر وغير مباشر.
ارتفاع معدلات التضخم
وأضاف السيد عمر في حديث لـ”الثورة” أنه ومع استمرار التحديات الاقتصادية، تتزايد أهمية فَهْم هذا الترابط من أجل صياغة سياسات فعّالة قادرة على تحقيق نوع من الاستقرار النقدي والسعري، مشيراً إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في سوريا على مدار السنوات الماضية ساهم في الضغط على قيمة الليرة، ما أدَّى إلى تراجُع سعر الصرف في السوقين الرسمية والموازية. كما أدى من جهة أخرى تذبذب سعر الصرف بشكل متكرر إلى تغذية موجات تضخمية إضافية، حيث ترتفع أسعار السلع المستوردة فور أيّ انخفاض في قيمة العملة المحلية، وهو ما ينعكس مباشرة على سلة المستهلك الأساسية، وفقاً للخبير السيد عمر.
ارتباط وثيق
وأوضح أنه عندما ترتفع معدلات التضخم، تنخفض القيمة الفعلية للعملة المحلية، ما يؤدي إلى تراجع في سعر الصرف، وفي الاتجاه المعاكس، عندما ينخفض سعر الصرف، كما يحدث عند ارتفاع الطلب على الدولار أو ضعف تدفق العملة الصعبة، ترتفع أسعار السلع والخدمات، خصوصاً المستوردة، مما يدفع بالتضخم إلى الأمام. منوهاً إلى أن الاقتصاد السوري يعتمد بشكل كبير على الواردات، ما يجعل الأسعار المحلية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتقلبات سعر الصرف، كما أن انخفاض قيمة الليرة يرفع فوراً تكلفة السلع المستوردة، مما يسرّع التضخم ويضغط على القوة الشرائية للأفراد، ويزيد من تحديات الإنتاج والاستهلاك في ظل محدودية الخيارات المحلية.
وقال السيد عمر: إن أثر هذه العلاقة لا يقتصر على الأسعار فقط، بل يمتد إلى مستويات مختلفة، فعلى المستوى الحكومي فإن عدم استقرار سعر الصرف يُربك إعداد الموازنات وتقدير التكاليف، ويُعقّد قدرة السياسات النقدية والمالية على التعامل مع التضخم. كما يُضعف السيطرة على الأسواق، ويزيد الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق، وبحسب الخبير الاقتصادي، في قطاع الشركات تؤدي تقلبات سعر الصرف والتضخم إلى صعوبة في إدارة التكاليف وتخطيط الأعمال، مشيراً إلى تكبد العديد من الشركات خسائر نتيجة فروقات سعرية مفاجئة وانكماش في الطلب، ما أثَّر على قدرتها على الاستمرار والنمو، أما على مستوى الأفراد، فإن انخفاض قيمة الليرة يُضعف الدخل الحقيقي، ويُقلّل القدرة الشرائية للأسر، حتى مَن لم يتغير راتبه، يجد نفسه غير قادر على تلبية نفس الاحتياجات، بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار.
تعزيز الثقة بالليرة
وفي السوق الإنتاجي والاستهلاكي، فإن تراجُع العملة ـ الكلام للسيد عمر ـ يزيد كلفة الإنتاج المحلي، ويرفع أسعار السلع، ويقلل من القدرة التنافسية، فبدلاً من الاعتماد على الإنتاج المحلي، تتوسع دائرة الاستيراد، ما يؤدي إلى ضغط إضافي على الليرة. وعليه فإن أي محاولة لمعالجة التضخم لن تنجح قبل تحقيق حد أدنى من الاستقرار في سعر الصرف، وهذا لا يعني ذلك تثبيتاً صارماً، بل تقليل التذبذب وتعزيز الثقة بالليرة السورية، وفقاً للدكتور السيد عمر. ولتحقيق ذلك، يرى السيد عمر، أن هناك خطوات ضرورية، منها دعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات، وتحسين بيئة الاستثمار، وتشجيع تدفقات التحويلات المالية من الخارج، وتنسيق السياسات المالية والنقدية بشكل فعّال وشفاف بين الجهات المعنية، مؤكداً أن سعر الصرف في الحالة السورية يمثل مفتاحاً لفهم ديناميكيات التضخم، ومعالجته تتطلب جهوداً متكاملة، تشمل إصلاحات هيكلية، واستقراراً نقدياً، وتعاوناً وثيقاً بين الجهات الاقتصادية، كما إن استقرار العملة لا يُخفّف فقط من الضغوط السعرية، بل يُعيد الثقة للأسواق، ويُمهّد الطريق لتحسين الإنتاج، وزيادة فُرَص العمل، وتحقيق تحسُّن ملموس في حياة السوريين.