الثورة -فردوس دياب :
في عصرٍ لم نعد نثق فيه بما تراه أعيننا، أصبحت الحقيقة نفسها ضحية لتقنيات متطورة قادرة على تزييف الواقع بلمسة زر، حيث أطلقت تقنيات الذكاء الاصطناعي العنانَ لعصر ذهبي من الإبداع، ولكن من رحم هذا الإبداع وُلِدَ وحشٌ خفيّ: “التزييف العميق” أو “الخداع البصري”، الذي يجعل الأشخاص يقولون ويفعلون ما لم يحدث قط، في مشاهدٍ لا يُميّزها المشاهدُ عن الواقع.
الذكاء الاصطناعي رحلة في كشف المحتوى المزيف، تناولته المدربة في مجال الإعلام سندس برية، تعريف وآليات التفكير الناقد الذي يعتبر مدخلاً صحيحاً للتعامل مع الذكاء الاصطناعي، لجهة قدرته على كشف المحتويات المزيفة والتفريق بينها وبين الحقيقية.
وعرفت برية التفكير الناقد بأنه مهارة من مهارات التفكير العليا، كونه نشاط عقلي يقوم على الحجج المنطقية لإصدار أحكام صادقة، أي هو عملية عقلية منضبطة تُعنى بتحليل وتقييم المعلومات والأفكار والمواقف بطريقة موضوعية وعقلانية فهو ليس مجرد “تفكير” عادي، بل هو مهارة متقدمة تهدف إلى تمييز الصحيح من الخاطئ، والحقيقي من المزيف، والمنطقي من المغالط، ويعتبر من المهارات الأربعة التي تعززها مهارة التربية وعن الاستراتيجيات التي يتوجب على مستخدمي الذكاء الاصطناعي، لاسيما الاعلاميين، اتباعها للتحقق من المحتويات المزيفة والحقيقية، ذكرت برية ” للثورة” أن هناك عدة استراتيجيات، منها استراتيجية ( craap test ) والتي تعتمد على التحقق من حداثة وملائمة ومصدر ودقة وغرض المعلومة، وهناك استراتيجية ( SifT Method ) والتي تعتمد على التوقف لإعمال العقل ثم التحقق من المصدر والبحث عن مصادر آخرى لتتبع أصل المعلومة، لذلك فإن الهدف من التفكير الناقد، بحسب برية، ليس مجرد النقد السلبي أو التقاط الأخطاء، بل هو الوصول إلى أحكام صائبة واتخاذ قرارات مبنية على أدلة ومنطق وفهم المشكلات بشكل أعمق من خلال تفكيكها إلى أجزاء صغيرة بالإضافة إلى تجنب التحيزات والخداع والمعلومات المضللة.
وبالنسبة لأدوات التحقق الرقمي، بينت برية أن لذلك مجموعة من الأدوات، منها “Tineye “وهي أداة بحث عكسي عن الصورة، و INVIDplugin” وهي أداة للتحقق من الفيديو و تفكيكه لصور ثابتة وتحليلها، بالإضافة إلى Deepwarescan وهي أداة تساعد على كشف الفيديوهات المصنوعة عبر تقنية Deepfake.
وعن وعي الجمهور دعت برية إلى الأخذ بمجموعة من النصائح للحماية الرقمية، تتمثل بعدم نشر أي خبر قبل التحقق من صحته ،والانتباه من العناوين المثيرة جداً إضافة إلى فحص الصورة بدقة ( الظلال ، الأيدي ، الخلفيات ) واستخدام أدوات التحقق دائماً وكذلك مراجعة المصدر وتاريخه.
مؤكدة على وجوب زيادة الوعي لدى المتلقي لتجنب تصديق أي شيء منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعدم الانجرار وراء الشائعات، بالإضافة إلى توظيف مهارة التفكير الناقد عند المتلقى في جميع مناحي الحياة .
التربية الإعلامية
ولفتت إلى أن تعزير مهارة التفكير الناقد تتم، إما بالطريقة التقليدية من خلال التحقق اليدوي والبدء بالملاحظة واكتشاف الأخطاء أو التحقق الرقمي وفق أدوات التحقق الرقمية، والتي تحتاج إلى مهارة يمكن تطويرها بالتدريب والممارسة ليتم اكتسابها ، فالتفكير الناقد حسب برية هو درعنا الواقي في عصر المعلومات المليء بالضجيج والتضليل، إنه ليس موهبة فطرية، بل مهارة تحتاج التدريب كما أسلفنا.
وختمت الإعلامية حديثها بالقول: إن مفهوم “التربية الإعلامية” ليست مجرد مفهوم تجريدي بل هو يبنى على أنه مهارة التعامل مع الإعلام ليصبح المتلقى من متلقي مجرد، إلى متلقي فعال، فالذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين يحوي الإيجابي والسلبي، فالتربية الإعلامية ليست فقط معرفة، بل أسلوب حياة نحتاجه لنحمي عقولنا في زمن أدوات الذكاء الاصطناعي السلبية وكيفية استخدام الإيجابي منها.