الثورة – ميسون حداد:
كانت الوجهة الأولى للبحث عن أي معلومة على شبكة الانترنت تبدأ بفتح محرك البحث “غوغل”، ومع الطفرة الهائلة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، تغيّرت العادات، وأصبح “تشات جي بي تي” قبلة المستخدمين للحصول على إجابات فورية، ومصاغة بلغة أقرب إلى الحوار البشري.
هذا التحول السريع يطرح تساؤلات مهمة، هل يمكن أن يحلّ “تشات جي بي تي” محل “غوغل”؟ وأيهما أكثر دقة وموثوقية؟ ومتى يكون من الأفضل استخدام كلٍّ منهما؟
في هذا السياق، أجرت صحيفة “الثورة” حواراً مع الدكتورة هلا نصّار، عضو الهيئة التدريسية في قسم الذكاء الصنعي، كلية الهندسة المعلوماتية جامعة اللاذقية، التي قدّمت رؤية شاملة حول أوجه الاختلاف بين “غوغل” و”تشات جي بي تي”، وأبرز المميزات والقيود التي تميّز كل أداة في عالم المعرفة الرقمية.
تقنية مختلفة لا منافسة
إن الفرق الجوهري بين الأداتين لا يقوم على الأفضلية بقدر ما يقوم على الاختلاف في المنهج وطريقة الاستخدام، وتوضح الدكتورة هلا نصّار:” تشات جي بي تي”، ليس محرك بحث بل نموذج ذكاء صنعي صُمّم للتفاعل مع المستخدمين من خلال محادثة مباشرة، يقدم خلالها إجابات تفصيلية وتفاعلية تبعاً للسياق”.
في المقابل، تعتمد محركات البحث التقليدية مثل “غوغل” على جمع وتنظيم المعلومات من شبكة الانترنت، وتقديم روابط لمصادرها، مع إدخال أدوات ذكاء اصطناعي حديثة تساعد على تلخيص ما هو معروف عن الموضوع دون أن تبدّل من جوهر عملها القائم على البحث في المراجع.
“غوغل” أو ” تشات جي بي تي”؟
ترى نصّار أن اختيار الأداة المناسبة يعتمد على الغاية من الاستخدام، فإذا كان الهدف هو النقاش، التوضيح، أو تكوين معرفة أولية حول موضوع جديد، فإن ” تشات جي بي تي” هو الخيار الأفضل بفضل قدرته على المحاورة والتفاعل وإعادة الصياغة.
أما إذا كان المستخدم يسعى إلى توثيق علمي أو بحث أكاديمي دقيق يستند إلى مراجع ومصادر موثوقة، فمحركات البحث تظل الأداة الأهم، وتضيف: “”غوغل” يبقى المرجع الأقوى عندما نبحث عن الدقة والمصدر، بينما ” تشات جي بي تي” مثالي للتفاعل الذكي وتوليد الأفكار وتحليلها”.
قدرات وحدود
ورغم ما يقدّمه” تشات جي بي تي” من إمكانيات مذهلة في تخصيص الإجابات وتوليد المحتوى الجديد، إلا أن الدكتورة نصّار تحذّر من الاعتماد عليه بشكل كامل، وتفيد أنه قد يقدّم أحياناً معلومات غير دقيقة أو مضللة، خاصةً في المجالات العلمية أو الطبية أو عند طرح الأسئلة بشكلٍ عام.
وتشدد على أن الذكاء الاصطناعي لايزال يحتاج إلى رقابة بشرية واعية، لأن فهمه للسياق محدود، ولا يملك القدرة على التمييز بين المعلومة الموثوقة وتلك التي تفتقر إلى المصدر.
وتؤكد نصّار أنّه على المستخدمين التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي بوعي ومسؤولية، وتبين: “من المهم التحقق من صحة المعلومات التي يقدمها ” تشات جي بي تي” عبر الرجوع إلى مصادر أخرى، واستخدامه كأداة مساعدة لا كمصدر وحيد للمعرفة”.
وترى أن العلاقة المثالية بين “غوغل” و” تشات جي بي تي” ليست علاقة منافسة، بل تكامل، حيث يمكن للمستخدم أن يبدأ بالذكاء الاصطناعي لتكوين فكرة أو خطة أولية، ثم يتوجه إلى “غوغل” لاستكمال التفاصيل عبر المراجع الأكاديمية والمصادر الموثقة.
في ختام حديثها، تؤكد الدكتورة نصّار أن الذكاء الاصطناعي لن يُقصي محركات البحث من المشهد، بل سيعيد تشكيل علاقتنا بالمعرفة، وتقول: “الذكاء الاصطناعي لن يلغي محركات البحث، لكنه سيغيّر الطريقة التي نبحث بها عن المعلومة، فبدل أن نطارد الإجابة أصبحت هي من تأتي إلينا ومعها أسئلة جديدة عن المستقبل”.