الأسرة.. مفتاح بناء مجتمع صحي ونفسي واجتماعي مستدام

الثورة – غصون سليمان :

الأسرة هي “الأس” و”الأساس” والوطن الأول للفرد. منها يبدأ الإنسان رحلته في الحياة، يتعلّم الكلام والسلوك والقيم، وينشأ جسدياً ونفسياً واجتماعياً. لذلك فإن تأثير الأسرة يمتدّ من أفرادها إلى المجتمع ككل، وبالتالي كيف تبني الأسرة مجتمعاً صحياً، مستقراً ومتماسكاً، مدعماً بسلوك عملي ؟

الدكتورة نبال الملقي، كلية التربية، جامعة دمشق أوضحت في لقاء “للثورة” دور الأسرة في البعد الصحي والعادات الصحية؛ حيث الأسرة هي المسؤولة عن توفير التغذية السليمة للأطفال وضبط عادات تناول الطعام، والنوم المنتظم، والنشاط البدني.

هذه العادات تزيد من مقاومة الأمراض وتقلّل من المشكلات المزمنة مستقبلاً.

كتنظيم مائدة عائلية يومية تشجّع على تناول الخضار والفواكه وتقليل الوجبات السريعة. وعلى صعيد الوقاية والرعاية الصحية، لابد من متابعة التطعيمات، المراجعات الطبية الدورية، بغية التعرف على العلامات المبكرة للأمراض. ووعي الوالدين بالصحة العامة يقلّل من انتشار الأمراض ويزيد من فرص الاكتشاف المبكّر للعلاج. وفق إجراء بسيط وهو الاحتفاظ بسجل صحي للعائلة ومواعيد الفحوصات الأساسية.

وعلى صعيد الصحة النفسية الجسدية ذكرت الدكتورة الملقي في حديثها ضرورة الوعي بأن الصحة النفسية تؤثر على الجسد مثل القلق واضطرابات النوم ما يؤثرعلى جهاز المناعة.

وبالتالي التعامل المبكر مع الضغوط يقلّل من الآثار الصحية طويلة المدى ناهيك عن دورلأسرة في البعد النفسي. وحول الأمان العاطفي، نجد كيف أن الأسرة الصحية تمنح الطفل الشعور بالأمان والقبول، ما يعزز الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة الضغوط.

داعية في السلوك اليومي إلى الاستماع الفعّال للأطفال والتحدّث إليهم بهدوء عند حدوث مشكلة. دون نسيان اللعب معهم إذ يعطيهم الثقة بالنفس. إلى جانب تنمية الذكاء العاطفي، من خلال تعليم الأطفال تسمية مشاعرهم، والتعبير عنها بطريقة مناسبة، وضبط الانفعالات، وهذه مهارة أساسية للنجاح في الحياة والعلاقات.

وأوضحت بمثال يمكن تطبيقه مع أطفالنا، حين يتم تخصيص وقت يومي ليتشارك الأهل والأبناء فيه ما شعَروا به خلال اليوم.

لتأتي المرونة النفسية حسب رأي الملقي لتظهر الأسرة التي تشجع على المحاولة والتعلّم من الخطأ وتربي أفراداً قادرين على التكيّف مع الفشل والتغيير بدلاً من الاستسلام.

العمل الجماعي

أما عن دور الأسرة في البعد الاجتماعي ذكرت الدكتورة الملقي أهمية نقل القيم والسلوكيات الاجتماعية، منها الاحترام، التعاون، العمل الجماعي، الالتزام بالقوانين، والتعاطف مع الآخرين كلها قيم يتعلمها الأطفال داخل الأسرة أولاً. فمشاركة الأسرة في أعمال تطوعية صغيرة تعلّم الأطفال معنى خدمة المجتمع. وتعزز بناء مهارات التواصل كون الأسرة تُعلّم كيفية التحدث، الإصغاء، التفاوض، وحلّ النزاع بطرق سلمية وهذه جميعها مهارات أساسية للحياة الاجتماعية والمدنية.

أستاذة كلية التربية أوضحت من خلال التطبيق، أهمية وضع قواعد منزلية واضحة للتعامل مع الخلافات، كالتحدث دون صراخ، وإعطاء كل طرف فرصة للحديث. مع التركيز على المشاركة المجتمعية والمسؤولية، فالأسرة التي تشجّع أبناءها على المشاركة في الأنشطة المدرسية والمجتمعية تساهم في نشوء مواطنين فاعلين ومسؤولين. وإذا ما طرحنا السؤال كيف تنتقل تأثيرات الأسرة إلى المجتمع؟ تلحظ الملقي تراكم السلوكيات، عندما تصبح العادات الجيدة سائدة في كثير من الأسر، ينخفض عبء المرض وتزيد القدرة الإنتاجية، ويقلّ الانحراف الاجتماعي. لعل تكوين شبكات دعم، لبناء أسر قوية تشكل شبكات اجتماعية تدعم بعضها البعض عند الأزمات سواء أكانت اقتصادية، صحية، نفسية، فتزداد صلابة المجتمع. مؤكدة أن التنشئة المستمرة للأبناء الذين تربّوا داخل أسر واعية يصبحون آباءً واعين، فتستمر حلقة البناء عبر الأجيال.

ولو تحدثنا عن التحديات التي تواجه الأسرة وتأثيرها فنلاحظ أن الضغوط الاقتصادية، كالفقر والبطالة يزيدان من التوتر العائلي ويضعفان قدرة الأسرة على تلبية الحاجات الصحية والتعليمية. أيضاً الاستخدام المفرط للتكنولوجيا ووسائل التواصل أو غير الموجّه يؤثر على التفاعل الأسري وتكوين العلاقات الشخصية. كذلك الخلافات داخل الأسرة وعدم التواصل، يؤديان إلى اضطرابات نفسية لدى الأبناء وتشتّت اجتماعي لاحقاً.

خطوات بسيطة وفعالة

في هذا الجانب بينت الدكتورة الملقي أنه يمكن تقديم بعض التوصيات العملية للأسر كخطوات بسيطة وفعّالة علينا ممارستها بأن يكون هناك روتين يومي صحي بمواعيد منتظمة للنوم، طعام متوازن، ووقت للعب والحركة. ووقت تواصل يومي من 15-30 دقيقة للنقاش بين أفراد العائلة دون مقاطعات.

إضافة إلى تعليم المشاعر باستخدام عبارات بسيطة مع الأطفال كأن نقول: “أرى أنك حزين، هل تريد أن تتكلم؟” وتابعت، أنه لابد من اعتماد قواعد منزلية واضحة من ثواب وعقاب متسقان ومعلنان لتعلّم المسؤولية.

كما أشارت إلى وجوب القدوة، بحيث يحرص الأهل أن تكون تصرفاتهم هي التي يريدون أن يكتسبها أطفالهم.

والأهم الاستفادة من المجتمع من خلال المشاركة في أنشطة مدرسية أو مجتمعية لربط الطفل بالمحيط.

مع طلب المساعدة عند وجود ضغوط نفسية أو مشاكل صحية، بمعنى لا يتردد أحد في طلب دعم متخصص “استشاري، طبيب” هذه جميعاً لو اتبعناه لبنينا جيل متوازن قادر على العطاء والتطور.

كما يمكن للمؤسسات أن تساهم بخلق جيل واع من خلال دعم الأسر اقتصادياً وتعليمياً عبر برامج دعم مادية، خدمات رعاية صحية، وتأهيل للوالدين “دورات تربية إيجابية” توفير خدمات الصحة النفسية المجتمعية بوجود مراكز قريبة وميسّرة لتقديم المشورة والدعم.

ونوهت الملقي إلى أهمية التوعية الإعلامية والقيام بحملات توعوية عن التغذية الصحية، الصحة النفسية، وأساليب التربية الفعّالة الملقي أشارت في نهاية حديثها أن الأسرة ليست مؤلّفاً من أفراد فقط، بل هي مصنع القيم، ومدرسة العلاقات الإنسانية، ومصدر الصحة النفسية والجسدية.

إنّ استثمار المجتمع في تقوية الأسرة ودعمها ينعكس مباشرة على جودة الحياة العامة: صحة أفضل، تماسك اجتماعي أعلى، ونفسية أكثر استقراراً لدى الأجيال القادمة.

ولذلك، صلاح الأسرة هو مفتاح صلاح المجتمع ووحدة قياس تقدمه واستقراره.

آخر الأخبار
سجن تدمر العسكري.. ذاكرة من الألم قرار بريطانيا رفع "تحرير الشام" من الإرهاب يتيح تفاعلاً أوثق مع سوريا "مسلخ صيدنايا" البشري .. تاريخ أسود ووصمة عار ضبط حركة الدراجات ضرورة لحماية قلعة حلب والمواقع الأثرية سوريا تأمل رفع كامل العقوبات خلال الأشهر المقبلة قرار "المركزي" قد يهدد استقرارالبنوك ويكشف مخاطر خفية إعادة تأهيل مدرسة تل نعام في ريف حلب طريق بديل لسيارات المكاسر داخل الرحيبة "التجارة الأميركية" تدعو إلى إلغاء قانون قيصر بشكل كامل ودائم الذهب يتقدم بثبات.. هل تتّجه الدول لفك الارتباط بالدولار؟ عودة مياه الشرب إلى أحياء في منبج.. وخطوط إنتاج جديدة للفرن 2.5 مليون وحدة سكنية مدمرة تحتاج لإعادة البناء حملة مكثفة لضبط الدراجات النارية المخالفة في دمشق  استعداداً لموسم الشتاء ..تنظيف للمصارف المطرية في شوارع دمشق تنظيم الانتشار العشوائي للأكشاك على كورنيش جبلة بداية العام منتجات المنازل تزدهر.. وصعوبات تعترضها ترحيل مئة ألف م٣ من أنقاض أحياء حمص.. والعمل مستمر التواصل مع معلمي الشمال.. لقاء يعيد الثقة بين الميدان والإدارة بئر الديبة.. شبكة قديمة وأعطال محركات تعوق وصول المياه هموم التخليص الجمركي على طاولة غرفة تجارة درعا