الثورة – ميساء العلي:
من أبرز إخفاقات النظام الاقتصادي البائد في سوريا عجزه عن تنفيذ انتقال فعّال من اقتصاد مغلق ومقيد إلى اقتصاد سوق حر، فعلى الرغم من إدراكه لضرورة هذا التحول، فقد اتخذ من “الانتقال غير التدريجي” ذريعة لتأجيل الإصلاحات، ما أدى إلى ترسيخ بنية اقتصادية احتكارية، مشوهة، وغير قادرة على المنافسة أو التطور.
رواسب
يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي في حديث خاص لصحيفة الثورة: إن رواسب الاقتصاد المقيد هي احتكار، رداءة، وركود فالاقتصاد المقيد الذي ساد لعقود خلق بيئة احتكارية استفاد منها عدد محدود من المستثمرين، إذ سادت المواصفات الرديئة في المنتجات الوطنية نتيجة غياب المنافسة الحقيقية، وارتفعت الأسعار بشكل غير مبرر لتحقيق أرباح ضخمة من دون تحسين الجودة أو تطوير المنتج، وتخلفت الصناعة الوطنية، فتحولت إلى مجرد صناعة تعبئة وتغليف لمواد مستوردة، من دون أي قيمة مضافة حقيقية.
ويضيف قوشجي: إنه في هذه البيئة، لم يكن لدى رجال الأعمال حافز لتحديث أساليب الإنتاج أو الاستثمار في الابتكار، مما أدى إلى ركود صناعي وفقدان القدرة التنافسية أمام الأسواق الإقليمية والدولية.
ضرورة
في المقابل فإن الاقتصاد الحر يفرض على الفاعلين الاقتصاديين تطوير وسائل الإنتاج بأساليب علمية لضبط التكاليف وتحقيق جدوى اقتصادية وتحقيق ربحية مقبولة ضمن إطار تنافسي يحفز الابتكار، ومواكبة الشركات الأجنبية المنافسة من حيث الجودة والسعر والتقنية.
ويرى قوشجي أن هذا النموذج يخلق اقتصاداً متطوراً، مرناً، وقادراً على التوسع، ويعزز من مكانة المنتج الوطني في الأسواق المحلية والدولية. فالتحول السريع ضرورة لا خيار في الحالة السورية، لا يمكن اعتماد الانتقال التدريجي، لأن الزمن لا يعمل لصالح الاقتصاد الوطني، بل يزيد من ترهله والقطاعات العاجزة يجب أن تسقط لتفسح المجال أمام القطاعات القادرة على التكيف والنمو. والسبب الأهم إنقاذ سوريا كدولة واقتصاد أولى من إنقاذ مصالح ضيقة لقطاعات غير منتجة.
عقبات
وبحسب الخبير الاقتصادي فإن التحول السريع يخلق صدمة إيجابية تدفع نحو إعادة هيكلة الاقتصاد، وتحرير الطاقات الكامنة في القطاع الخاص، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي.
وأضاف: إن المنافسة عقبة أمام المنتج الوطني من أبرز التحديات التي تواجه الصناعة الوطنية اليوم ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة ضعف البنية التحتية والضرائب والرسوم المالية المرتفعة رسم الإنفاق الاستهلاكي على المبيعات الذي يرفع الأسعار النهائية. ويتابع كلامه: إن هذه المعادلة تخلق منافسة غير عادلة، وتدفع السوق نحو الاعتماد على السلع المستوردة، مما يضعف الإنتاج الوطني ويزيد من العجز التجاري.
أخيراً.. وهنا يأتي دور الحكومة في خلق بيئة استثمارية تنافسية من خلال إعادة هيكلة النظام الضريبي بما يضمن حماية المنتج الوطني من دون الإخلال بالمنافسة. توفير حوافز استثمارية حقيقية للقطاعات الإنتاجية، تحسين البنية التحتية الصناعية والخدمية لخفض تكاليف الإنتاج، تشجيع الابتكار والتصدير عبر برامج دعم موجهة.
التحول إلى اقتصاد إنتاجي يعني زيادة الاستثمار الفعّال في القطاعات ذات القيمة المضافة التي تخلق فرص عمل جديدة وتحقيق نمو مستدام، مما يخفض الاستيراد تدريجياً لصالح الإنتاج المحلي الذي بدوره يؤدي إلى استقرار سعر الصرف نتيجة تحسن الميزان التجاري وزيادة الثقة بالاقتصاد الوطني.