الثورة – فؤاد الوادي:
منذ سقوط النظام المخلوع، لا تزال “إسرائيل ” تواصل اعتداءاتها و توغلاتها في الأراضي السورية في إشارة إلى إصرارها على إبقاء المنطقة على صفيح ساخن، بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة السورية الجديدة لاحتواء التصعيد الإسرائيلي، والعودة بالأمور إلى ما قبل الثامن من كانون الأول 2024.
الباحث السياسي جواد خرزم أكد في حديث لصحيفة الثورة، أن التوغلات الإسرائيلية شبه المتكررة والتي كان آخرها قبل أيام قليلة، من شأنها أن تدمر فرص تحقيق السلام لأنها تقف حجرة عثرة في المضي على طريق الاستقرار الإقليمي والدولي، لاسيما في ظل الاستراتيجية السورية المعلنة، والتي ترتكز على عدم التصعيد والابتعاد عن الحروب، لأن هناك أولويات اقتصادية وتنموية، وهذا ما أكده السيد الرئيس أحمد الشرع في أكثر من مناسبة.
وأضاف خرزم: إن مواصلة “إسرائيل” سياساتها العدوانية تجاه سوريا، تؤكد أن النوايا العدوانية الإسرائيلية لم تتوقف، وأن الحكومة الإسرائيلية لا تزال تصم الآذان عن المساعي الأميركية للتوقف عن الاعتداءات على سوريا، وهذا يعكس محاولاتها في التدخل والتوسع في الأراضي السورية لفرض أجنداتها، ودعم بعض الأطراف التي تحاول تقسيم الجغرافيا وتخريب وحدة الأرض.
وقال خرزم:” إن الولايات المتحدة الأميركية وعلى لسان الرئيس دونالد ترامب والمبعوث الأميركي، توماس باراك، قد دعوا “إسرائيل” إلى التوقف عن توغلاتها واعتداءاتها، وهذا يندرج ضمن سياق دعم سوريا وتعزيز أمنها واستقرارها، وكلنا يذكر أن باراك وفي أول زيارة بعد تعيينه مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، قد دعا “إسرائيل” إلى التوقف عن اعتداءاتها على الأراضي السورية.
مشروع توسعي
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد توغلت قبل أيام في بلدة الصمدانية الشرقية، وقرية أوفانيا بريف القنيطرة عبر الآليات العسكرية والجرافات، وفي ريف محافظة القنيطرة الشمالي جنوب غرب سوريا.
وفي لقاء مع الإخبارية السورية أمس أكد وزير الخارجية أسعد الشيباني أن “إسرائيل” لديها مشروع توسعي وتحاول فرض واقع جديد مستغلة التغيير الذي حصل في سوريا، وممارساتها تعزز عدم الاستقرار في سوريا والمنطقة، وتشكل ملاذاً آمناً للميليشيات الأجنبية التي كانت ضد الشعب السوري، وتمنع سوريا من الانطلاق بشكل سريع ومنتظم نحو إعادة الإعمار، مؤكداً أن دمشق ترفض أي شكل من أشكال التقسيم والفيدرالية، وهذا لا يحتاج إلى نقاش أو تفاوض.
والأربعاء الماضي، قال الرئيس الشرع في حديث لقناة CBS الأميركية خلال برنامج 60 دقيقة:” إنه إذا أرادت ” إسرائيل ” الحفاظ على أمنها فعليها أولاً احترام أمن الآخرين، وأن تحترم سيادة الدول المجاورة وأجواءها، وتعالج مشاكلها الأمنية داخل أجوائها، مضيفاً: إن هذه الممارسات تدفع حلفاء واشنطن الاستراتيجيين إلى البحث عن بدائل أخرى.
وأضاف الرئيس الشرع لقناة CBS الأميركية: ” إن “إسرائيل” تتجاوز بتصرفاتها كل المبادئ، سوريا خرجت من حرب 14 عاماً، واجهنا قوى أكبر من “إسرائيل” بعشرات المرات، وسوريا لا تريد دخول الحرب ليس لأنها ضعيفة، بل لأنها تريد أن تبني وتعيد إعمار البلد وإرجاع أبنائها اللاجئين “، مضيفاً: إن السياسات الإسرائيلية تطرح سؤالاً، هو، هل لديها مخاوف أمنية، أم لديها أطماع توسعية؟.
تهجير قسري
وقد أكدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان السورية (إيتانا) أن “إسرائيل” قامت بما يقرب من 200 عملية توغل إسرائيلية في الجنوب السوري منذ أواخر عام 2024، بما فيها 130 توغلاً برياً، مضيفة: إن منطقة التوغلات الإسرائيلية في الجنوب شملت حوالي 600 كيلومتر مربع من الأراضي السورية.
وفي 17 أيلول الماضي، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قوات الاحتلال الإسرائيلية بتهجير سكان قرى في جنوب سوريا قسراً ومصادرة منازل وتدميرها، مشيرة إلى أن التهجير القسري يعدّ جريمة حرب.
وقالت المنظمة في تقرير لها: إن “القوات الإسرائيلية قامت بالاستيلاء على المنازل وهدمها، ومنعت السكان من الوصول إلى ممتلكاتهم وسبل عيشهم، واحتجزت السكان بشكل تعسفي ونقلتهم إلى “إسرائيل””، ودعت الحكومات المختلفة إلى “وقف أي دعم عسكري “لإسرائيل” يسهم في انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي في جنوب سوريا”، كما طالبت بفرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين الذين يقومون بهذه الانتهاكات.
Violet💞, [20/10/2025 05:41 ص]
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن إسرائيل قامت منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 بالتوغل في عمق المنطقة منزوعة السلاح، التي تفصل بين هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل من عام 1967، وبين محافظة القنيطرة، وقامت بإنشاء تسع نقاط عسكرية، كما قامت بضربات مكثفة على البنية التحتية العسكرية السورية في المنطقة، مضيفة أن إسرائيل أكدت عزمها على القيام “بنزع سلاح كامل” لجنوب سوريا، وأوضح المسؤولون الإسرائيليون أن قواتهم ستبقى إلى أجل غير مسمى في المناطق التي احتلتها جنوب سوريا منذ ديسمبر/كانون الأول 2024.
فرض واقع احتلالي
يذكر أن إسرائيل قد صعّدت من اعتداءاتها البريّة والجويّة بعد سقوط نظام الأسد في محاولة منها لفرض واقع احتلالي جديد، حيث تجاوزت “خط ألفا” المحدّد في اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، فخلال الأسبوع الأول من الاعتداءات الإسرائيلية في المنطقة، فرضت القوات الإسرائيلية سيطرتها على مساحة 303 كيلومترات مربعة، ومع استمرار الاعتداءات خلال كانون الثاني/ يناير 2025، انسحبت القوات الإسرائيلية من منطقة حوض اليرموك، لكنها وسّعت نطاق انتشارها على المحاور الشمالية، مما أدى إلى زيادة المساحة الخاضعة لسيطرتها إلى 366 كيلومترًا مربعًا مع نهاية الشهر.وفي وقت لاحق ، عززت إسرائيل انتشارها في المنطقة المنزوعة السلاح، حيث فرضت السيطرة إما عبر الانتشار المباشر أو من خلال السيطرة النارية التي استخدمتها لتقييد حركة المدنيين، ونتيجة لذلك، ارتفع حجم المساحة التي تقع تحت السيطرة المباشرة أو التأثير الإسرائيلي إلى أكثر من 460 كيلومترًا مربعًا.
وبالتزامن مع التوغل البري وتمشيط المنطقة بحثًا عن أسلحة خلفتها الميليشيات التي كانت تعمل مع إيران وحزب الله، أنشأت قوات الاحتلال الإسرائيلية نقاطًا عسكرية جديدة داخل المنطقة العازلة، التي كان من المفترض أن تكون منزوعة السلاح، مبررةً ذلك بضرورة حماية أمنها القومي، ومنع استغلال الخلايا الموالية لإيران وحزب الله للفراغ الناجم عن سقوط النظام المخلوع، حيث شنّت إسرائيل حملة اعتداءات عسكرية واسعة النطاق في جنوب سوريا، بهدف تدمير القدرات العسكرية السورية، وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود، وتقدّمت إلى المنطقة العازلة في القنيطرة، مستهدفة مواقع استراتيجية، أبرزها قمة عرنة في جبل الشيخ، حيث أنشأت نقاط مراقبة وثكنات عسكرية بعد أيام من توغلها.
وفي التلول الحمر، شرق بلدة حضر، استغلّت قوات الاحتلال الإسرائيلية انسحاب القوات الروسية لتعزيز وجودها بإنشاء قاعدة عسكرية توفّر سيطرة واضحة على المنطقة، وعلى سفوح جبل الشيخ، تحديدًا في قرص النفل شمال غرب حضر، عملت على فتح طرق جديدة وتعبيدها، ومدّ خطوط كهرباء لإنارة الموقع، ما عزّز من مراقبتها للشريط الحدودي وريف القنيطرة الشمالي.
منطقة عازلة
وفي جباتا الخشب، بالقرب من برج الزراعة داخل المحمية الطبيعية، تمّ تجهيز نقطة عسكرية متكاملة تضمّ مهبطًا للطائرات المروحية وغرفًا مسبقة الصنع لإيواء العناصر، مع تأمين طريق يربطها بالحدود، وتمركزت وحدات عسكرية شمال بلدة الحميدية، بعد تجهيز الموقع بالكامل وإنارته، ليشكل نقطة متقدمة بديلة عن المباني الحكومية التي أُخلِيَت، وفي العدنانية، قرب سدّ المنطرة، اختارت قوات الاحتلال تلة مرتفعة لإنشاء نقطة جديدة يجري تجهيزها حاليًا، في حين شهدت مدينة القنيطرة، قرب برج القنيطرة، تجهيز موقع مماثل لتعزيز السيطرة الميدانية.
وفي الجنوب من محافظة القنيطرة، تمّ تفعيل الموقع العسكري في تل أحمر الغربي قرب بلدة كودنا بعد استكمال تجهيزه، حيث يتمتع بإحداثيات تكتيكية تمنحه إشرافًا ميدانيًا واسعًا، يمتدّ نحو ريف القنيطرة الجنوبي وأجزاء كبيرة من ريف درعا الغربي، ما يعزّز القدرة الاستخباراتية، ويرفع من كفاءة المراقبة والسيطرة العملياتية في المنطقة. وفي هذا الإطار يكمل الباحث السياسي حديثه بالقول :” إن إسرائيل تسعى من خلال توغلاتها إلى إنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري، بهدف الحدّ من التهديدات الأمنية المحتملة بحسب ما تدّعي، لكنها تجهل في ذات الوقت أن مواصلتها لتصعيدها قد يدفع بالأمور للخروج عن السيطرة، لأن ذلك يندرج في سياق انتهاك السيادة الوطنية لسوريا، لاسيما وأن المنطقة كلها لا تزال على صفيح ساخن، في ظل احتمالات عودة الحرب إلى قطاع غزة”.
ويختم حديثه بالقول :”إن مواصلة إسرائيل لسياساتها العدوانية قد يدفع الدولة السورية للرد، لاسيما وأنها قد بدأت بإعادة دراسة تعزيز قدراتها العسكرية، ولعلّ زيارة وزير الدفاع السوري الأخيرة إلى روسيا ربما تندرج في هذا الإطار بحسب التحليلات والتسريبات الإعلامية التي رافقت الزيارة.
غضب شعبي
وبالإضافة إلى الأهداف الأمنية بحسب ما تقول، تحاول إسرائيل فرض سيطرتها على الممرات الاستراتيجية المؤدية إلى الجولان ودمشق، عبر إنشاء بنية تحتية عسكرية دائمة، لأن ذلك يمنحها ميزة استراتيجية تتيح لها مراقبة التحركات العسكرية السورية، وإضعاف قدرة أي طرف آخر على إعادة تنظيم قواته في المنطقة، وتشمل هذه الممرات الطرق والمحاور العسكرية الحيوية التي تربط جنوب سوريا بالعاصمة دمشق، مروراً بالمناطق القريبة من الحدود مع الجولان، ومن أبرز هذه الممرات، طريق دمشق – القنيطرة، وهو أحد أهمّ الطرق التي تربط دمشق بالجولان، ويمثل شرياناً استراتيجياً يتيح للجيش السوري أو أي قوى أخرى إعادة الانتشار أو نقل التعزيزات العسكرية، وطريق خان أرنبة – جباتا الخشب – الجولان، وهو ممر مهم، يتحكم في حركة القوات في منطقة القنيطرة، ويمثل نقطة عبور حيوية نحو المناطق الحدودية، وكذلك الممرات الجبلية في سفوح جبل الشيخ، حيث توفر تضاريس المنطقة طرقاً عن الطرق الرئيسية من أجل إرسال تعزيزات والتحرك في المنطقة.
وبالإضافة إلى الإدانة الرسمية، فإن التوغلات الإسرائيلية تقابل بغضب واستنكار من الشعب السوري، لاسيما أهالي المناطق المستهدفة في الجنوب، الذين خرجوا بتظاهرات عديدة ضد تلك الاعتداءات، أدت إلى مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلية.
يذكر أن إسرائيل وفور سقوط النظام البائد، شنت أكثر من 480 غارة، استهدفت أنظمة الدفاع الجوي ومستودعات الصواريخ ومنشآت التصنيع العسكري، كما توغلت قوات الاحتلال عبر محاور متعددة، متجاوزة منطقة فض الاشتباك التي حددتها اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، وسيطرت على مواقع رئيسة، مثل القنيطرة والجانب السوري من جبل الشيخ، وصرّح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آنذاك بأن القوات الإسرائيلية ستبقى في هذه المناطق، لما سماه “ضمان الأمن القومي”.