الثورة – هنادة سمير:
بعد سنوات من النزاع والعزلة الاقتصادية، بدأت سوريا بالانتقال إلى مرحلة جديدة من إعادة الإعمار والانفتاح الاقتصادي، فرفع العقوبات وتراجع القيود على الاستثمار الخارجي أتاح فرصاً غير مسبوقة لجذب المستثمرين العرب والأجانب، الذين بدؤوا استكشاف السوق السوري بعد عقود من الانقطاع.
ومع ذلك، يواجه هؤلاء المستثمرون تحديات كبيرة تتمثل في البيروقراطية المعقدة، عوائق اللغة، وصعوبة التنسيق بين الوزارات والدوائر الحكومية، ما يجعل الوصول إلى السوق السورية مساراً محفوفاً بالعقبات
ردم الفجوة بين المستثمر والدولة
يشير المستشار والمدرب المالي الدولي غازي المهايني في حديثه لـ”الثورة” إلى أن سوريا بعد غياب طويل عن المنافسة الاستثمارية، تحتاج إلى وسائل جسرية لتسهيل تواصل المستثمرين مع الجهات الحكومية، مضيفاً: مع بداية مرحلة إعادة الإعمار السورية ورفع العقوبات الاقتصادية التي عزلت سوريا عن العالم لعقود طويلة، بدأت الشركات العربية والأجنبية استكشاف الفرص الاستثمارية في سوريا، وأن التحديات الراهنة متعددة منها غياب سوريا عن المنافسة الاستثمارية لعقود ما يجعل من التواصل بين الجهات الحكومية وهذه الشركات أمراً صعباً بسبب البيروقراطية وعوائق اللغة وغيرها من الأمور التي لا تزال تعاني منها الوزارات والدوائر الحكومية حالياً.
ويؤكد المهايني أن المنصات الاستثمارية الخاصة تلعب دوراً حيوياً في المرحلة الانتقالية يقول: هنا يأتي دور المنصات الاستثمارية الخاصة، التي تعمل على ردم الفجوة بين المستثمر الأجنبي والدولة السورية، ريثما تحقق الدولة مشاريع النافذة الواحدة الاستثمارية والربط الإلكتروني بين دوائر الدولة وتسهيل عملية دخول المستثمر إلى سوريا كمرحلة أولية.
ويرى المهايني ضرورة أن تعمل الحكومة على دعم هذه المنصات لما له من فائدة في المرحلة الحالية على صعيد جذب الاستثمارات الأجنبية وإصدار التراخيص وتأسيس الشركات القانونية في سوريا، محذراً من أن غياب هذه المنصات مع عدم قدرة الدولة على ردم هذه الفجوة سيضيع على سوريا فرصاً استثمارية عظيمة، مشيراً إلى أن المنصات الخاصة تمثل جسراً فعالاً بين المستثمرين والدولة، وتساهم في تسريع الإجراءات، تعزيز الشفافية، وضمان بيئة استثمارية آمنة وموثوقة ومع الدعم الحكومي المناسب، يمكن لها أن تزيد من جذب الاستثمارات الأجنبية، تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل جديدة، لتصبح سوريا وجهة استثمارية منافسة على مستوى المنطقة.
منصة رائدة منذ عدة أشهر
في هذا الإطار تظهر بوابة الاستثمار السورية (SIG)، التي أطلقت منذ عدة أشهر، كمنصة رائدة من أهدافها سد الفجوة بين المستثمرين والدولة حيث يبين المهندس بشر كيوان مؤسس المنصة لـ”الثورة” أن المنصة لم تأتِ كمبادرة نظرية فحسب، إنما جاءت كاستجابة لحاجة فعلية في السوق السوري لتسهيل الاستثمار الخارجي وربط المستثمرين بالمشاريع المتاحة داخل البلاد.
ويشرح: وُلدت المبادرة على مبدأ الحاجة أم الاختراع، فبعد الأزمات التي مرت بها سوريا من حرب ونزوح وتدمير لبنيتها التحتية ثم بزوغ فجر التحرير كان هناك اشتياق من كثير من أبنائها والأشقاء العرب للاستثمار فيها وخدمة مجتمعاتهم، لكنهم في الوقت ذاته يفتقرون للمعلومات والمعرفة بالقوانين والتشريعات المستجدة ووجود جهة تعمل من داخل سوريا ولديها القدرة على التواصل مع المستثمرين بلغاتهم أصبح ضرورة لسد هذه الفجوة، موضحاً أن المنصة تقدم مجموعة من الخدمات الرقمية والتفاعلية التي تبسط العملية الاستثمارية بالكامل، وتوفر دعماً قانونياً واستشارياً مستمراً للمستثمرين، ما يقلل الوقت والجهد مقارنة بالإجراءات التقليدية والمؤسسات الحكومية.
ويشدد كيوان على دقة اختيار المشاريع المعروضة عبر المنصة: “نختار المشاريع وفق معايير دقيقة تشمل الجاهزية، الجدوى، والمصداقية، مع تقييم فني واقتصادي وقانوني لكل مشروع ونعتمد على شراكات مباشرة مع جهات ومندوبين من القطاع الخاص في جميع المحافظات السورية لضمان عرض فرص حقيقية ومدروسة”، حيث يتعامل المستثمر ضمن إطار قانوني واضح وشفاف، مع تدقيق شامل للملكية والجهات المالكة للمشاريع، وتوثيق رسمي لجميع الاتفاقيات والعقود، بالإضافة إلى توفير دراسات تأمينية دقيقة لتقليل المخاطر وتعزيز ثقة المستثمرين.
دعم حكومي ورؤية مستقبلية
ويبين كيوان أن عمل المنصة يتم وفق أحدث القوانين السورية الخاصة بالاستثمار، مع تحديث مستمر بواسطة فريق من المندوبين المتواجدين يومياً في الوزارات المختلفة مؤكداً وجود شبكة علاقات قوية مع المؤسسات الحكومية لتسهيل الحصول على الموافقات والدعم اللازم للمستثمرين، رغم عدم وجود شراكة رسمية موقعة حتى الآن، إلا أن العمل يجري ضمن منظومة قانونية معترف بها وبالتنسيق المستمر مع الجهات الرسمية، مشدداً على أهمية دعم الحكومة للمنصات وتقديم تسهيلات خاصة لها،
خصوصاً فيما يتعلق بتأسيس الشركات وتسجيلها لضمان سرعة الإجراءات وجذب المزيد من المستثمرين، منوهاً بأهمية وجود تعاون مع هيئة الاستثمار السورية لتصبح المنصة إحدى القنوات الرسمية لطرح المشاريع وفتح قنوات تواصل مباشرة ودائمة مع الجهات الحكومية.
ويبين كيوان: أن منصة بوابة الاستثمار السورية تمتلك شبكة علاقات قوية مع المؤسسات الحكومية في سوريا، ومن أهدافها الأساسية توفير قنوات اتصال مباشرة بين المستثمرين والجهات الرسمية لضمان الحصول على الدعم والموافقات اللازمة بسلاسة وشفافية، ومع ذلك لا يوجد حتى الآن توقيع مذكّرة تفاهم رسمية أو شراكة مباشرة بين SIG والوزارات المعنية، لكننا نعمل ضمن منظومة قانونية معترف بها وبالتنسيق المستمر مع الجهات الحكومية ذات الصلة لتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين.
ويقترح كذلك: إطلاق برامج مشتركة للتعريف بالفرص الاستثمارية وتنظيم فعاليات اقتصادية داخل وخارج سوريا، لتعزيز صورة البلد كوجهة استثمارية واعدة وإعادة بناء الثقة بين المستثمرين والبيئة المحلية، آملاً أن يصبح هناك شراكة استراتيجية مع الحكومة والقطاع الخاص في إعادة رسم خريطة الاستثمار، وجعلها بيئة جاذبة، شفافة، وآمنة لكل من يرغب بالمساهمة في بنائها من جديد.
مستقبل الاستثمار في سوريا
ويختم كيوان حديثه بالقول: بوابة الاستثمار السورية (SIG) ليست مشروعاً ربحياً بحتاً، بل مبادرة استثمارية تنموية تهدف إلى تحقيق توازن بين العائد الاقتصادي للمستثمرين والتنمية الوطنية في سوريا، فنحن نؤمن أن الاستثمار الحقيقي لا يُقاس فقط بالأرباح المالية، بل بقدرته على خلق فرص العمل، وتنشيط القطاعات الإنتاجية، ودعم الاقتصاد المحلي. ولهذا نركز على المشاريع ذات الأولوية المجتمعية والفائدة الأكبر، مثل المشاريع الطبية والتعليمية والإنتاجية، وليس فقط على المشاريع ذات الطابع الاستهلاكي، إضافةً إلى ذلك، تقدم المنصة دعماً واستشارات مجانية للشركات الناشئة وأصحاب الأفكار الريادية، إلى جانب الكثير من النصائح المجانية للمستثمرين ورواد الأعمال لمساعدتهم على اتخاذ قرارات مدروسة وآمنة، فالهدف هو أن نكون حلقة الوصل بين المستثمرين والفرص الحقيقية التي تُسهم في إعادة بناء سوريا وتنميتها، وأن نقدم نموذجاً للاستثمار المسؤول والمستدام القائم على الشفافية والخبرة والدعم المتكامل.
وبهذا يمكن للمنصة أن تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، زيادة الدخل، وتقليل البطالة، فيما لو نجحنا بتوجيه الاستثمارات بشكل استراتيجي.