ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحريرعلي قاسم :
لا يرقى الشك إلى أن موسكو تستخدم نفوذها إلى حده الأقصى في تنفيذ ما تتفق عليه مع الأميركيين، سواء جاء ذلك بالتوافق والانسجام بحكم تقاطع مصالحها مع من تمتلك النفوذ والعلاقة الجيدة معه لتطبيق ما يتم الاتفاق عليه،
أو كان بحكم الضرورة التي تقتضيها مجريات السياسة أو تفرضها أحكام الدبلوماسية، وهو أمر يمكن فهمه، بل وحتى هضمه رغم بعض التعثر الحاصل في بعض الجزئيات الناتجة عن الكم الهائل من المقاربات التي تتمايز في بعض تفاصيلها.
وبالقدر ذاته- وربما يزيد عنه- وبحيث لا يلامسه أو يقترب منه أي شك، فإن الولايات المتحدة الأميركية تستثمر نفوذها لتنفيذ أجنداتها التي تتصادم غالباً مع كل ما يتم الاتفاق عليه مع الآخرين وتحديداً مع روسيا، وإن كان الأمر ينسحب على حلفائها كما هو معمول مع خصومها، ولا يغيب أيضاً الاستثمار فيه بين أدواتها والمشغلين الإقليميين أو وكلاء حربها في المنطقة، سواء كانوا دولاً أم أطرافاً وقوى، وصولاً إلى اللعب بورقة النفوذ داخل التنظيمات الإرهابية التي تدافع عنها حيناً، أو تصوب باتجاهها عبر مثيلاتها حيناً آخر.
بين الاستخدام الروسي للنفوذ والاستثمار الأميركي له وأحياناً فيه يبدو الفارق الجوهري الحقيقي بين المقاربة الأميركية والروسية، التي تمخضت عن عشرات التجارب الموازية أو المشابهة لما يجري اليوم تداوله في نطاق محاكاة الاتفاق الأخير، الذي يخضع اليوم لحروب تفسير مسبقة، كما هو عرضة لمماحكة وصلت إلى حد الخلاف على المطالبة بنشره من قبل روسيا والتمترس خلف سريته من قبل أميركا، رغم افتقاد المبرر والذريعة في الآن ذاته، حيث حجة الدفاع الأميركي أو المماطلة في الإجابة عنه تدخل من باب التسويف السياسي أو من نافذة الدجل والنفاق المعمول به، حيث تبدو الحجة أقبح من الذنب ذاته.
فأميركا اليوم هي ذاتها بالأمس، وتوقيع اتفاق أو التوصل إلى تفاهم لا يعني تحت أي ظرف تغييراً في النهج أو السلوك أو تعديلاً في الأجندات والأهداف، بقدر ما تجد فيه فرصة إضافية لإشغال الوقت، خصوصاً حين تدور المجابهة في جبهات السياسة والدبلوماسية والإعلام حول مسؤولية التأخر في التنفيذ أو المماطلة في المتابعة أو الخطأ في التفسير، ولا سيما تلك المتعلقة ببنود كانت في أغلب الأحيان حمالة أوجه أو قابلة للتفسير المزدوج، أو تحتمل في بعض الجوانب شيئاً من الغموض والالتباس في الفهم، فتتحول إلى مادة خصبة للجدل المفتوح على مصراعيه، والذي لا يخلو من اتهامات تضطر حينها روسيا للرد وترد أميركا على الرد، فيما الخاسر يكون الاتفاق أو التفاهم بحكم التأخير تحت حكم الضرورة الناتجة عن الاشتباك السياسي.
وحين تعجز عن هذه وتلك تلجأ إلى استثمار نفوذها بأمر عمليات يأتي في الأغلب بشكل مسبق إلى التنظيمات الإرهابية لتكون شكلاً من أشكال الضغط السياسي عبر انتهاكها الفاضح للاتفاق، والصمت المطبق حيال تلك الانتهاكات، بما يعنيه من رسائل واضحة بقبول أميركا لما يجري، بل وبمباركة أو مشاركة مسبقة، تكون فيها مهمة الأميركي تحديد التوقيت وأحياناً المكان، وحين تستصعب ذلك تترك السقف مفتوحاً حتى آخره.
فبعد الصدام غير المخفي سياسياً وإعلامياً الذي جرى أمس الأول وأدى إلى تأخر وصول القوافل إلى المناطق المستهدفة افتراضياً من قبل الأمم المتحدة أو تلك المثارة في معارك الغبار السياسي، يأتي الرد الميداني عبر تصعيد غير مسبوق في الانتهاكات من خلال اعتداءات مخطط لها مسبقاً وفي جميع الأمكنة وعلى امتداد جغرافيا المواجهة مع التنظيمات الإرهابية، بما فيها تلك التي تدافع عنها أميركا وتضعها في خانة «اعتدالها» الكاذب، ليصل الأمر في نهاية المطاف إلى إعلان صريح وواضح من قبل أولئك المحسوبين في خانة الاعتدال الأميركي بأنها لن تسمح بمرور الشاحنات، ولو جاء ذلك على لسان النصرة فإنه في نهاية المطاف يمثل جميع «المعتدلين» حسب التوصيف الأميركي.
اللافت وربما كان غير مستغرب ولا هو مفاجئ أن يبلع المبعوث الأممي لسانه أو يبدي خرساً وصمماً إزاء ذلك، بل أن يتعاطى بهذه السلبية التي لا تسمح له حتى بحفظ ماء الوجه، فيغيب عن التداول الإعلامي بعد أن حاول أمس الأول تصدره كما هو مطلوب منه أميركياً، أو كما تقتضي مهمة قبوله بهذا الدور من قبل أميركا وأدواتها في المنطقة، في وقت تحاول واشنطن حرف الأنظار عن المعضلة الأساسية وهي قضية فصل «معتدليها» من الإرهابيين عن النصرة وسواها، ورفضها حتى اللحظة إدراج من يعطل الاتفاق قولاً وفعلاً عبر الانتهاكات المباشرة في لائحة التنظيمات الإرهابية.
الواضح أن المماحكة الأميركية مستمرة وفي جعبتها أوراق إضافية صالحة للاستخدام- إذا ما نفذ ما هو مطروح ومتداول- ولن تقف عند حدود المماطلة في نشر بنود الاتفاق، بل سارعت إلى إشعال نار التسريبات في الاتفاق وبنوده، والتي دفعت روسيا إلى نفي ذلك بشكل قاطع، ليدخل الجدل في حلقة إضافية تؤجل ما هو مطروح أو مطلوب للبدء بالتنفيذ، والتي أوصلت روسيا إلى الحديث صراحة بأن هناك في الإدارة الأميركية من يحاول أن يحمي الإرهابيين من الضربات الروسية، وهو لم يخفِ¬ نفسه ولا يخجل من ذلك، بل كل المؤشرات والمعطيات والقرائن توضح أن أميركا وبقدر ما تستثمر نفوذها لدى الإرهابيين تحاول أن تستثمر في هيمنتها ودورها من أجل حمايتهم.
ما يجري ليس مجرد انتهاك ولا حتى خرق على ما في التسمية من علات سياسية وغير سياسية، بل تعمد أميركي لإجهاض الاتفاق عبر استهدافه مباشرة من قبل «معتدليها» من الإرهابيين الذين يستثمرون هم أيضاً بما يتمتعون به من حظوة لدى الأميركي لتتحول المسألة برمتها إلى مبازرة بحياة الشعوب ووجود الدول وانتهاك السيادة، ومتاجرة رخيصة بالاستقرار العالمي والأمن الدولي المهدد بالقتلة المأجورين الذين تستثمرهم أميركا لتنفيذ أجنداتها والمساهمة أو الشراكة معهم في إدارة الخراب والدمار في المنطقة عبر الإرهاب المنتج في الحواضن الأميركية سواء كان بالوكالة من خلال المشغلين الإقليميين أم بالأصالة عبر فانتازيا الاعتدال.
a.ka667@yahoo.com