ثورة أون لاين –بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : كان بمقدور المبعوث الدولي السابق كوفي أنان أن يحذّر من مخاطر تسليح الإرهابيين في سورية، وأن يشير إلى دور الأطراف الخارجية في تأجيج الأزمة،وأن يسمي بهذه الجرأة السعودية وقطر وغيرهما، منذ ذلك الحين الذي كان فيه مؤتمناً على مهمته، خصوصاً أن القرائن والأدلة كانت لديه وبما يكفي لوضع النقاط على الحروف.
وكان بمقدوره أيضاً أن يوفّر الكثير من الوقت والجهد لو أنه امتلك الشجاعة التي نراها اليوم، وربما كانت هذه الشجاعة كافية ليبقى مبعوثاً دولياً مستمراً، لكنه كحال الكثيرين من المسؤولين يمتلكون الفصاحة ولغة التعبير بعد فوات الأوان، أو بعد أن يتركوا مهماتهم، وكأن الشجاعة والمهام الموكلة لا تتلاقى أبداً !!.
الفارق أن أشهراً ذهبت هدراً، والفارق أيضاً أن جهداً مضاعفاً بُذل ويُبذل اليوم لتأكيد ما ذهب إليه، والأخطر أن الكثير من الأطراف والقوى والدول قد استغلت صمته لتضاعف من دعمها للإرهابيين وتجنيدها للمرتزقة، لاعتقادها بأن ما عجز أنان عن النطق به في حينه لن يغيّر في المعادلة حتى لو نطقه بعد حين.
اليوم، نعتقد أن مهمة الإبراهيمي مدعوة للاستفادة من سقطات وهنات وأخطاء من سبقوه، وتحتاج قبل أي شيء آخر إلى امتلاك الجرأة في تسمية الأشياء، ووضع النقاط على الحروف، اليوم قبل الغد، فالبلاغة الإنشائية وتدوير الزوايا باللغة الدبلوماسية لن تنفع المهمة ولا أهدافها، والانتظار ريثما تكتمل الصورة قد يكون مآله مآل ما سبقه.
في العناوين العريضة تبدو اللغة الدبلوماسية التي يعتمدها الإبراهيمي قد أضافت إلى مفرداتها ومصطلحاتها ما يشي بجرأتها، حتى حين تحدث عن صعوبة المهمة ونسبة الاستحالة فيها لم يكن خروجاً عن الدبلوماسية بقدر ما كان انعكاساً لواقعية فعلية لمسها ويلمسها في كل زاوية من زوايا محاولاته وجهوده.
هذه اللغة الواقعية اقتضت حتى الآن أن يضع أصبعه على الجرح النازف الذي كان يرفض غيره حتى الإشارة إليه، وهو ما يتعلق بدعم الإرهابيين وتجنيد المرتزقة وتدفق السلاح، ودور الأطراف الاقليمية والعربية في تأجيج نار الفتنة، وهي التي أعطته مصداقية يمكن البناء عليها، وإن كانت بحاجة إلى خطوات موازية في الكثير من القضايا التي يعيد تقييم الموقف منها، وتحديداً دور العامل الخارجي المعرقل والمعيق ليس لمهمته فحسب، وإنما لكل المبادرات والطروحات التي يقدمها.
ولا نعتقد أنه تخفى عليه التفاصيل المدرجة في خانة الإضافات والتصريحات الإعلامية التي تبدو حمالة أوجه، وتقتضي من المبعوث الدولي أن يفرد لها مساحة حديث كافية لإعادة تموضع الطروحات وفق أولوياتها، وليس حسب ترتيب سهولتها!!
ما هو مؤكد أن توقيت اعترافات كوفي أنان قد تكون مفيدة لخلفه وقد يكون هذا الوجه الوحيد المفيد فيها، بعد أن بدت جميعها فاقدة لدورها وتأثيرها، وحتى لفاعليتها.
وما هو مثبت أن المعضلة التي واجهت كوفي أنان وأوصلته إلى طريق مسدود هي الأدوات والأدوار والأطراف الخارجية التي لاتريد حلاً سياسياً وترفض وقف دعم الإرهابيين والمسلحين، وإذا كان الإبراهيمي قد التقط طرف الخيط وبنى عليه، فإنه يحتاج إلى متابعته حتى النهاية، لأن الحديث عن الهدنة كبارقة ضوء في آخر النفق، وحصر الاهتمام بها ليس كافياً لخلق مساحة التفاؤل التي يراهن عليها.
فحصيلة جولته والدروس المستفادة من تجارب من سبقوه تدفعنا إلى انتظار أن نسمع منه ما لم نسمعه ممن سبقوه، وأن نرى خطاباً مسؤولاً وجريئاً يتحدث فيه عن المتاعب والأفخاخ التي واجهته، والعراقيل التي تحول دون إحداث الاختراق المطلوب.
لانريد أن يضاف الإبراهيمي إلى قائمة الذين تحدثوا بعد فوات الأوان.. أو أولئك الذين تنطلق فصاحتهم حين لاتنفع فصاحة.. ولا تفيد فيها الوجاهة والاعتبار والإغراق في نتائج البيدر التي تخالف حسابات الحقل..
لذلك كنا بانتظار الإبراهيمي.. ومازلنا ننتظر منه ما عجز عنه سلفه ومن سبقوه، فهل يستطيع أن يغيّر جلباب المبعوثين والموفدين الدوليين لمرة واحدة وأخيرة؟!
a.ka667@yahoo.com