ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
يضج المشهد الأممي بتراكمات ما نتج عن شيخوخة تحاول المنظمة الدولية أن تداريها، وهي تكابر في الإقرار بها، وتستمهل لبعض الوقت حتى تعترف بإضاعة المؤتمنين عليها ما تبقى من شعاراتها في ردهات الخلوات الجانبية المتخمة ببقايا أطلال سياسية،
كانت شاهدة على عمر مديد عايشته المنظمة الدولية وصراع طويل وثقته قاعاتها، حيث المقارنة تبدو مختلة، والكفة تتأرجح بين فشل مضى وآخر يلوح في أفق ما أحضرته حقائب الوفود والدول من ملفات مشاكلهم المستعصية وأزماتهم التي تؤججها أطماع غرب يفصح عن وجهه من دون حرج.
فالأطراف المشاركة في العدوان على سورية لا تكتفي بتقاسم دعم الإرهابيين، ولا تقف عند حدود الاقتباس والنقل والنسخ لمقارباتهم السياسية المختلة، بل تتشارك أيضاً بالتضامن والتكافل المسؤولية عن الجرائم التي ترتكب بحق السوريين، بما فيها ذلك العدوان الأميركي السافر على مواقع الجيش العربي السوري في دير الزور، حين بادرت كل من استراليا وبريطانيا والدنمارك للإعلان عن حصة لها في العدوان، وبما يسمح لها به عدد الطائرات المشاركة فيه.
فإذا كان مفهوماً ومعروفاً للجميع مساحة النص المشترك في الخطاب السياسي الغربي الذي يكاد يكون حرفياً، ومنصة الأمم المتحدة شاهد إثبات حي، فإنه يبدو من الغرابة بمكان أن يكون الحال ذاته أيضاً فيما يتعلق بالعدوان مع الإصرار على طريقة المراوغة ذاتها ومحاولة التسويف عينها، حيث لا فرق بين التبرير الأميركي أو البريطاني الذي بدا حجة أقبح من الذنب ذاته.
الأدهى.. أن يأخذ سياق المقاربة الغربية هذه العناوين لتكون منصة إضافية للغرف من قاع الخطاب الأميركي، وأن نسمع الردح ذاته مع الاحتفاظ بالمفردات والمصطلحات عينها، حيث لا فرق يذكر بين الكلمات الغربية التي استفاد منها بان كي مون لكي يثبت ولاءه لهذا الخطاب، وكي يجرّد منصب الأمين العام للأمم المتحدة من دوره ومهمته، وألا يكتفي بما ورد، بل يضيف ما هو خارج النص أيضاً ليكون أكثر امتثالاً للهيمنة الغربية.
وسط هذا التموج الواضح، ولغة التصعيد الغربي يبدو الحديث عن الاتفاق الروسي الأميركي مجرد ترف سياسي، نعتقد أنه من العبث التعويل على أي حديث أميركي، أو حتى التوقف لدى بعض مفرداته والكثير مما ورد في سياق مقاربته التي تجيز الاجتهاد من داخلها، حيث هناك من يحاول أن يعيد قواعد الاشتباك إلى ما قبل المربع الأول، وسط تحشيد في التصعيد الميداني الإرهابي بالتنسيق مع لغة التحريض الغربي والرسائل المبطنة التي ترد شمالاً وجنوباً.. بتشفير حيناً، ومن دون تشفير أحياناً أخرى لتدشين حقبة إضافية من الوجود الإرهابي بأشكاله المختلفة.
عند هذه النقطة تبدو التقاطعات في كل المشاهدات العينية وغيرها مجرد نسق في مصفوفة سياسية بأبعاد تكاد تكون مستنسخة، وأكثر ما يمكن أن تبتعد فيه أو أن تتمايز هو كمية البكائيات التي تذرف على مأساة كانوا الشركاء فيها، وعلى ضحايا جريمة كانوا الأوصياء عليها والرعاة لها، وفيما تبقى من تفاصيل تزيد أو تقل حسب الموقع والدور والوظيفة.
في التسريبات القادمة من الأروقة الأممية كان مشهد الاستهداف للقافلة الإنسانية متمماً لما تفاصحت به كلمات الدول الغربية، وبإخراج مباشر من البنتاغون الأميركي، وأضافت عليه بعض الفصاحة الأممية، سواء جاءت من بان كي مون أو من أرتال ومستويات دنيا، لتعيد توليف المشهد على التوقيت الأميركي من دون أن تراعي أو تلحظ فارق التوقيت مع روسيا، التي ضبطت إيقاعها ليكون على التوقيت الموثق، حين أثبتت بالصور ما جرى وكيف جرى وأن ما تعرضت له كان مدبراً في الطريقة والتوقيت، مع شـرح مفصل لأسباب وموجبات الفارق الزمني الذي نتج عن خطأ تقني لم يحسن الأميركيون ضبطه.
وحده المنبر الأممي مضطر لنزع شوك ما زرعته الهيمنة الغربية، وأن يواجه متاعب خريف منظمة شاخت فيها القاعات وتيبست في أروقتها الجانبية مساحات التفاعل مع العالم وقضاياه ومشاكله، ووحده سيكون مرغماً على الاستماع حتى النهاية إلى الخطابات المدبجة، التي تنتهي من حيث تبدأ في جولة من الردح السياسي، الذي سيجعل شهر المنظمة الدولية موسماً إضافياً للكذب والدجل والنفاق الموسوم بالدمغة الأميركية، مضافاً إليها ما يستجد من استعارات من خارج النص تمليها الأدوار الوظيفية لبعض الساسة الغربيين، أو ممن تبرع سلفاً بدفعة سياسية على الحساب، يمكن أن تصرف لاحقاً وفق مقتضيات الحاجة، وهي تعوّل على أمل أن تلحظها تقييمات الولاء الغربي لتدخلها في رصيد التبعية.
a.ka667@yahoo.com