على أرضية من المعطيات الجديدة التي تصب بمعظمها في مصلحة الدولة السورية، ليس آخرها القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، وإن بدأت إدارة ترامب شوطا من المماطلة قبل تنفيذه، وتحرير معظم الجغرافيا السورية من الجماعات الارهابية باستثناء بعض الجيوب المحمية من قبل تركيا والغرب، ودخول باقي الجماعات الارهابية في شمال غرب البلاد في اقتتال طاحن فيما بينها، ظاهره الصراع على النفوذ والتمويل وباطنه تضارب الأجندات الخارجية المشغلة لها وإفلاسها، في هذا المناخ بدأ أمس حسب بيان صادر عن الأمم المتحدة المبعوث الأممي الجديد إلى سورية جير بيدرسون مهام منصبه الجديد خلفاً للمستقيل ستيفان دي ميستورا، حيث من المنتظر والمأمول أن يكون أداؤه مختلفاً عن أداء أسلافه إذا ما أراد النجاح في مهمته، وأن يكون حصيفاً في التعلم من أخطائهم كي لا يكررها ويصبح عبئاً على مهمته كما كان حال سابقيه دي ميستورا والأخضر الإبراهيمي.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ما هي المعايير التي سينطلق منها بيدرسون في مهمته كي يحصد النجاح، ويجنب الدور الأممي الاتهامات الموجهة إليه بالخضوع للتأثيرات الأميركية والغربية عموماً، ويخرجه من النمطية التي عجزت عن فهم أساس المشكلة وهي الارهاب والتدخل الخارجي وضاعت في التفاصيل الصغيرة التي لا تقدم ولا تؤخر ولا تنتج حلاً سياسياً ولا تعبد الطريق أمام السلام.
أول المعايير التي ينبغي على بيدرسون التحلي بها هي الحيادية والنزاهة، وعدم الخروج من عباءة الدور الأممي كوسيط سلام يسعى لتيسير الحل السياسي في سورية ـ كما جرى مع دي ميستورا ـ بحيث يتحول إلى ناقل أمين للشروط التي يضعها أعداء سورية أو أن يجعل من نفسه وصياً على السوريين يقدم اقتراحات ملغومة أو يتبنى اقتراحات تتعارض مع مصالح السوريين، وتكون سبباً في زيادة التوتر والعنف وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتبعث برسائل خاطئة لمن تبقى من الإرهابيين ومن يدعمهم ويرعاهم.
يقول بيدرسون عبر تغريدة له على التويتر:»يشرفني أن استهل مهمتي من أجل خدمة الشعب السوري وتطلعاته من أجل السلام، وبناء على توجيهات الأمين العام سأقوم بمساع حميدة وسوف أعمل من أجل تحقيق الحل السلمي وتطبيق القرار 2254، وإنني أتطلع إلى التشاور على نطاق واسع مع كل الأطراف المعنية داخل وخارج سورية».
من الجيد أن نقرأ لبيدرسون هذه التغريدة على التويتر ولكن العبرة بالأفعال لا بالأقوال، وكما يقال طريق الخطأ مفروش بالنوايا الطيبة، والسوريون الذين عانوا كثيراً من ارتباك وضياع وتواطؤ الدور الأممي وخضوعه للإملاءات الغربية سيكونون يقظين جداً وحذرين في المرحلة القادمة، لأن الانتصارات التي حققتها سورية ضد الارهاب تفرض على الأمم المتحدة مراجعة سريعة لدورها ومهمة مبعوثها في سورية، بحيث تؤخذ في الحسبان معطيات من قبيل:
ـ هزيمة محور العدوان والإرهاب وانتصار إرادة السوريين شعبا وجيشا وقيادة وعليه فإن الحل السياسي القادم في سورية يجب أن يبنى على أساس هذه الإرادة الصلبة بحيث يستبعد منه كل من كان سببا في معاناة السوريين خلال سنوات الحرب، لأن من يدعم أو يمارس الارهاب لا يمكن أن يتحول بدعوة أو توصيف أممي إلى حمامة سلام ثم يصبح جزءاً من الحل في النهاية، وأفضل ما تقوم به الأمم المتحدة اليوم هو دعم خيار السوريين ومساعدتهم في كل ما يحقق مصالحهم، لأنهم الأقدر على اجتراح الحلول التي تليق بهم.
ـ ثمة قوات أجنبية دخلت إلى سورية دون إذن الحكومة الشرعية بذرائع وحجج ثبت بطلانها بالدليل القاطع، ثم قامت بدعم وتغطية الجماعات الارهابية بصورة علنية، ما يفرض على الأمم المتحدة السعي لإجلاء هذه القوات بصورة عاجلة لكي لا تكون عقبة في طريق الحل السياسي، فضلا عن كونها تمس بوحدة سورية وسيادة وسلامة أراضيها وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة، إذ ما زالت الولايات المتحدة تسيطر على أجزاء في شمال سورية وتماطل في الانسحاب وترتكب من ضمن ما يسمى التحالف الدولي لمحاربة داعش جرائم شنيعة بحق المدنيين السوريين، تحت حجة محاربة «داعش» وهو عذر أقبح من ذنب لأن هذا التحالف سهل حركات الإرهابيين وتنقلاتهم من منطقة لأخرى، وذات الشيء يقال عن الوجود التركي وغيره.
ـ يجب أن تنزع ورقة أو قضية المهجرين أو اللاجئين السوريين من يد الحكومات الغربية التي تمارس الابتزاز للحصول على مكاسب سياسية، بحيث تتم معالجة هذه القضية في الإطار الوطني السوري وبمساعدة الأمم المتحدة، ومع تحرير معظم الأراضي السورية من الارهاب وعودة الأمان والاستقرار إلى الكثير من المناطق، بات بالإمكان عودة الكثير من هؤلاء المهجرين ووضع حد لمحنتهم الصعبة التي ساهمت بها دول الغرب وأدواتها في المنطقة.
ملف إعادة اعمار ما دمره الإرهاب.. من الطبيعي أن يكون للأمم المتحدة دور حيوي في هذا الملف لأن من شان التقدم فيه ومعالجته أن يساعد في حل قضية المهجرين ويساعد في عودتهم السريعة، وهذا الدور يك،ن بالعمل لرفع الحصار والإجراءات القسرية المفروضة على سورية والتي ساهمت بإضعاف الاقتصاد السوري الأمر الذي انعكس سلباً على حياة ومعيشة السوريين وزاد من أعباء الحكومة السورية الساعية لمعالجة تداعيات الحرب.
يدرك بيدرسون جيداً بأن مساري آستنة وسوتشي يملكان الرصيد الأوفر لانجاز الحل السياسي في سورية، وهذا يفرض عليه وعلى منظمته دعم هذين المسارين لا التمسك بمسار جنيف الذي فشلت معظم جولاته بسبب التدخل الأميركي والغربي، ويجب أن يدرك بيدرسون أن خيطاً رفيعا يفصل بين النجاح والفشل لذلك يجب عليه الالتزام بحدود مهمته كوسيط للسلام وأن يتجنب أخطاء أسلافه.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الجمعة 11-1-2019
الرقم: 16882