إثر ما بدا من ردود فعل إزاء قرار ترامب بسحب القوات الأميركية المرابطة في سورية، عمد الرئيس الأميركي إلى تلطيف الاحتقان في صفوف معارضيه بلجوئه إلى الإعلان عن (إرجاء عملية الانسحاب) التي ستجري على نحو بطيء، معللاً ذلك بالادعاء أنه لم يقل البتة بأن الخروج سيتم بشكل سريع، وفي هذا السياق، قال جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي في تصريح له إبان زيارته إلى (إسرائيل) أن الانسحاب من سورية محكوم بالظروف القائمة، وبناءً على تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي، فإن انسحاب القوات الأميركية إلى قواعدها في التنف القريبة من العراق من الأمور التي تحكمها الظروف أيضاً، وقد بدا بولتون في تصريحاته وكأنه مستشار للأمن القومي الإسرائيلي بخاصة عندما قال بأنه سيلتقي مع ترامب مرة أخرى ليناقشه في قراره المتعلق بالخروج من سورية.
إن التراخي الذي أبداه ترامب في الانسحاب من سورية قد أثلج قلوب الجمهوريين في الكونغرس الأميركي الذين يدينون بالولاء إلى إسرائيل، حيث ظهر ذلك بجلاء في البيان الذي أصدره السيناتور ليندسي غراهام وفي تصريحاته التي أدلى بها إلى قناة أي بي سي (ABC) التي تملكها ليز تشيني عضوة مجلس النواب الأميركي، حيث قال غراهام بأن (يتعين على الإدارة الأميركية أن تحجم عن الخروج من سورية) وأبدى تفاؤلاً مشوباً بالسرور إزاء اطلاعه على تقارير تقول بإحداث تباطؤ في عملية الانسحاب، ووفقاً لرأي تشيني التي ترأست مؤتمراً للكتلة الجمهورية في مجلس النواب فإن (الخروج من سورية لا يخدم مصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وبشكل خاص إسرائيل). ومما يجدر ذكره هو أن تشيني تعتبر أحد السياسيين الأميركيين الذين يرون بأن أمن إسرائيل من أمن الولايات المتحدة.
يُنظر إلى ليز تشيني- التي تشغل موقع رئاسة المؤتمر- باعتبارها إحدى الشخصيات الخمس الأقوى في قيادة الجمهوريين داخل الكونغرس، وهي ابنة ديك تشيني الذي يعتبر من المحافظين الجدد والذي كان له دور فعال في احتلال أفغانستان والعراق إبان تولي جورج دبليو بوش رئاسة الولايات المتحدة حيث كان تشيني نائباً للرئيس آنذاك وقد قوبل بردات فعل عنيفة نتيجة تأييده لغزو العراق، كما سبق له أن تولى رئاسة المؤتمر 30 عاماً عندما كان عضواً في الكونغرس، ولا بد أن نستذكر بأن مايك بنس نائب الرئيس الحالي قد شغل منصب رئيس لهذا المؤتمر بين عامي 2009-2011.
في زيارة بولتون إلى تل أبيب طلب بنيامين نتنياهو منه المساعدة في الحصول على اعتراف الولايات المتحدة بضم مرتفعات الجولان إلى (إسرائيل)، وقد سبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية أن طلب ذات الأمر من ترامب ذاته خلال اجتماعاته معه إلا أنه لم يتلق جواباً شافياً لمطلبه.
لقد أتاح قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من سورية فرصة جديدة لنتنياهو، حيث قدم السيناتوران الجمهوريان توم كوتون وتيد كروز مسودة قرار إلى لجنة الشؤون الخارجية بالاعتراف بضم الجولان إلى (إسرائيل).
ثمة تحول في خطة ترامب المسماة بـ (صفقة القرن) التي عهد الرئيس الأميركي بإعدادها إلى مستشاره الرئيس وزوج ابنته جاريد كوشنير والممثل الخاص للمفاوضات الدولية غاسون غرينبلات وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان. فالخطة التي كان من المتوقع إعلانها على الملأ في شهر شباط عام 2019 جرى إرجاؤها نتيجة لأسباب تتعلق بالقرار الصادر بحل البرلمان الإسرائيلي والذهاب إلى انتخابات مبكرة يتم عقدها في 9 نيسان القادم، وقد استبعد ترامب وزير الخارجية الأول ريكس تيليرسون ومستشار الأمن القومي الجنرال ماكماستر من عملية إعداد الخطة، ولا ريب بأنه كان للوبي الإسرائيلي دوراً رئيساً في قرار ترامب بإبعاد تيلرسون وماكماستر، وهاهما جون بولتون مستشار الأمن القومي ومايك بومبيو وزير الخارجية المواليان لإسرائيل يعدان خطة تتناسب مع المقاسات الإسرائيلية.
في الواقع فإن جميع الاسماء التي تشارك بإعداد الخطة المتعلقة بالقضية الفلسطينية هم من الموالين لإسرائيل الأمر الذي يشكل معضلة مستعصية على الحل، من جهة أخرى، اتخذت السلطة الفلسطينية قرارها بعدم المشاركة في المفاوضات نتيجة إصدار ترامب قراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وبذلك فإن خطة واشنطن للسلام في المنطقة لم تلق أي قبول إلا من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والإمارات العربية المتحدة ومصر، فهل يمكن أن يتحدد مصير الفلسطينيين عبر خطة لم يشاركوا بها أو يكونوا جزءاً منها؟ لذلك فإننا على ثقة بأن مثل تلك الخطة لن يكتب لها النجاح.
Yeni Safak
ترجمة ليندا سكوتي
التاريخ: الجمعة 11-1-2019
الرقم: 16882