في بداية إدارة بوش-تشيني تحدثت العديد من المقالات والتصريحات الرسمية لوكالة الطاقة الدولية ومختلف الحكومات عما عُرف بذروة النفط أو التراجع المطلق في احتياطات النفط في العالم، وكان ذلك في الفترة التي سبقت غزو بوش للعراق في آذار 2003، وكان حينها ديك تشيني يرأس فريق «عمل الطاقة في البيت الابيض»، ما أعطى تفسيراً معقولاً لتلك الحرب.
ذروة النفط كانت ولا تزال اختراع بعض أوساط المال الكبرى بالاتفاق مع «شركات النفط الكبرى» لتبرير ارتفاع أسعار النفط. أما نظرية ذروة النفط التي كانوا يدافعون عنها لتسويغ السعر المرتفع فتعود إلى أعوام 1950 وإلى عالم جيولوجي غريب الأطوار يعمل في شركة نفط (شل) في هيوستن يدعى كينغ هيبرد.
مارك كينغ هيبرد أو الملك -كما كان يحب أن يُطلَق عليه- دُعي لتقديم مقال في الاجتماع السنوي لمعهد البترول الأميركي عام 1956، الحدث الذي أصبح من أبرز الأمثلة للإنتاج العلمي في العصر الحديث.أسند هيبرد جميع استنتاجات عام 1956 – بما في ذلك قوله إن النفط في الولايات المتحدة سيصل إلى الذروة عام 1970 – على فرضية غير مُثبتة بالبرهان أن النفط أساسه وقوداً أحفورياً، وهو مركب بيولوجي تكوّن من مخلفات الديناصورات الميتة والطحالب وغيرها من أشكال الحياة قبل نحو 500 مليون سنة. هيبرد أدلى بهذه النظرية دون التأكد من صحتها علمياً، فقط اكتفى بالتأكيد على «أصول النفط الأحفوري»، وبدأ ببناء أيديولوجية جديدة حول ذلك، أيديولوجية مالتوسية جديدة تقشفية في مواجهة نقص النفط الناشئ، وادعى أن حقول النفط تخضع لمنحنى جرس غوسي إرشادي عشوائي.
بالنسبة لشركات النفط البريطانية والأميركية والبنوك الكبرى أسطورة الندرة هذه كانت ضرورية لأنها تساعدهم في التحكم بتوافر النفط وسعره، وهو محرك الاقتصاد العالمي. بهذا تشكلت هذه الأسطورة التي كانت ركيزة للقوة الجيو-سياسية الانغلو-أميركية لأكثر من قرن من الزمن.
كينغ هيبرد في مقابلة له عام 1989 أي قبل وفاته بفترة قصيرة، اعترف أن الطريقة التي استخدمها لحساب الاحتياط الكامل للنفط القابل للاستخراج في الولايات المتحدة كانت أي شيء لكن ليست علمية… في الواقع، أكد هيبرد أمراً غير مثبت وغير صحيح – أن البترول مشتق من بقايا بيولوجية أحفورية- بهدف التأكيد على ندرته ونضوبه الحتمي، والغاية من وراء ذلك هيمنة شركات البترول الأميركية الكبرى، والمقصود بهذا السيطرة السياسية والعسكرية لهذه المناطق.
ميشيل ت. هولبوتي عالم جيولوجيا ونفط، مهندس بترول له احترامه من تكساس كتب في صحيفة وول ستريت عام 1980:
«يوجد حوالي 600 حوض نفط في العالم، من بينها 160 حوضاً متتجاً تجارياً و240 مُستثمَراً بشكل جزئي ومعدل و 200 حوض غير مستكشف عالمياً…أغلب الأحواض العالمية لم تستكشف او تستغل جيداً.»
في 28 تشرين الثاني، أعلنت وزارة الداخلية عن اكتشاف كميات هائلة من البترول والغاز في مقاطعة أريزونا في منطقة تقع غرب تكساس. كما أكدت على لسان هيئة المسح الجيولوجي انّ تَشكُل الصخر الزيتي (الشيست) في حوض (والف) وتكون النفط في حوض (ديلاوير) بتكساس وفي حوض بيرميان في نيو مكسيكو يقدر وسطياً «بنحو 46,3 مليار برميل نفط، و 281 ألف مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، 20 مليار برميل منها من الغاز الطبيعي السائل وفق دراسة هيئة المسح. هذه التقديرات تشمل النفط الخام غير التقليدي ويتكون من مصادر غير مكتشفة..
مدير معهد المسح الجيولوجي الأميركي جيم بيلي وصف المنطقة بأنها «أهم تقييم مستمر للنفط والغاز». بالمختصر يعتبر هذا اهم مصدر تزويد للطاقة لأميركا.
كما أشار التقرير إلى أن شركات النفط والغاز تنتج حالياً النفط باستخدام التقنيات التقليدية من الآبار الأفقية والرأسية والكسر الهيدروليكي لاستخراج النفط وغاز الشيست. كما أضاف مدير معهد المسح الجيولوجي أن تقديرات وجود الشيست والبون سبرينغ في حوض ديلاوير يساوي أكثر من ضعفي مما هو موجود في حوض ميدلاند.
حتى قبل اكتشاف حقول الغاز والنفط في منطقة تكساس وأريزونا كانت تعتبر الولايات المتحدة أنها تملك أكبر احتياطي نفط في العالم. وهذا وفق دراسة أجرتها شركة استشارية نرويجية (ريستاد إينرجي) في تموز 2018، تملك الولايات المتحدة 264 مليار برميل نفط، أكثر من نصفه من الشيست، وهذا الإجمالي يتجاوز الـ 256 مليار برميل الموجود في روسيا وال212 مليار برميل الموجود في السعودية.
إذا كانت التقديرات الجديدة لمعهد المسح الجيولوجي تتضمن ما اكتشف في حوض بيرميان (46,3 مليار برميل) هذا يعني أن إجمالي احتياطات النفط الأميركية تتجاوز الـ 310 مليارات برميل، فهذا يثبت أن تنبؤ كينغ هيبرد حول ذروة النفط عام 1970 هو مجرد هراء. فما حدث عام 1970 أن شركة نفط بيغ أويل تلاعبت بالتحول ألى سوق النفط من الشرق الأوسط وابتعدت عن التنقيب عن النفط الأميركي المحلي، وكانت الذروة النفطية هي ورقة طريق مفيدة سياسياً كان لها تداعيات جيو سياسية كبيرة في السياسات الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط بعد أعوام ١٩٧٠. وضمنت الاكتشافات الجديدة في تكساس و أريزونا عدم نضوب ودائع الشيست سريعاً مقارنة بالودائع التقليدية ويترتب على هذا عدم الاستنزاف المبكر لإنتاج النفط الأميركي.
كان لكل هذا تداعيات جيو سياسية مهمة لأن الولايات المتحدة أصبحت في السنوات الأخيرة المنتج العالمي الأول للنفط قبل روسيا والسعودية. وهذا ما يفسر أيضاً سبب إصدار الرئيس الأميركي أمراً بسحب القوات الأميركية من سورية: هو إذاً التغيير الجيو سياسي الجاري مؤخراً.
عن: موندياليزاسون
بقلم: وليام إينغداهل
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الأربعاء 30-1-2019
رقم العدد : 16897