تكثر في هذه الآونة اللقاءات، والزيارات الدبلوماسية التي تتصل بالبحث عن الحل السياسي الوطني والسيادي في سورية وسوف يشهد هذا الشهر ـ إلى جانب النشاط الدبلوماسي ـ انعقاد الاجتماع الثاني عشر لمجموعة أستنة في سوتشي 14 منه، وقد تقرر في اجتماع بروكسل للمجموعة المصغرة حول سورية جاء للتحضير للقمة الأوروبية-العربية الأولى المقررة يومي 24-25 شباط الجاري في مصر أن يتم الحديث عن شروط الاتحاد الأوروبي لإعادة التطبيع مع سورية بموجب قرار مجلس الأمن 2254 كما جاء في كلمة الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني. واللّافت في موضوع التداول حول الحل السياسي في سورية هو أن الجميع يتحدثون على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد للعبور من الأزمة، والشروع في تطبيع العلاقات الإقليمية، والدولية مع سورية والمشاركة في إعادة الإعمار. لكن الجميع ممن حضر في لقاء بروكسل رغم أنهم يعلنون التمسك بالقرار الأممي 2254 كقاعدة للحل السياسي لكنهم يتجاهلون أن أولوياته تنصبّ على مكافحة الإرهاب، وإنهاء وجوده على الأرض السورية على أن تعود المناطق التي كان قد حقق سيطرة فيها للدولة الشرعية لا أن تشغلها أميركا وحلفها الأطلسي أو تُشغل من قبل الفئات التي تحاول أميركا توريطها لتدعي حقاً بالحكم الذاتي، أو بالإدارة الذاتية بما لا تتفق مع مقررات القرار الأممي المعني 2254 التي تنص على وحدة كافة الأراضي السورية، واحترام السيادة الكاملة للدولة الشرعية. ومع أن اجتماع بروكسل قد جاء تحضيرياً للمؤتمر المزمع انعقاده في بروكسل أيضاً منتصف هذا الشهر، وقد سمعنا من بعض الفرقاء المعنيين فيه حرصهم على الوصول إلى نتيجة تحفظ استقلال سورية ووحدتها وتؤدي إلى إبعاد القوات الخارجية منها.
وبهذا التصريح لا توجد أية صدقية فمن هي القوات الخارجية عندما تطرح القضية ممن شارك وما زال بسفك الدم السوري؟ فالقوات الخارجية في مفهومه هي حلفاء سورية بينما يرى أميركا والأطلسيين وقوات أردوغان أنها خارج هذا المفهوم. وتتكرر صورة الغطرسة حين يتحالفون على سورية بأكثر من ثمانين دولة ويفترضون أن لهم الحق الكبير في التحالف، بينما حين تحقق سورية أي تحالف سينسب إلى الاحتلال الخارجي لها؛ ومستشارو هذا التحالف يمثلون قوات خارجية بالنسبة لهم ويجب أن تخرج من سورية. وبناء على هكذا فهمٍ لن تجدي هذه الاجتماعات في بروكسل أو في مصر ما دامت لا تطبق مضامين القرار الأممي كما ورد في بنوده، وسورية الدولة الشرعية المنتصرة في حربها على الإرهاب مع حلفائها تعرف جيداً التوجه الأمروصهيوني لسياسات الاتحاد الأوروبي أو لمواقف الأعراب الذي ارتهنوا أدوات لأميركا والصهيونية. ووفق مقتضاه سترفض بلدنا مؤتمر بروكسل وكل صيغة أوروبية للحوار مع العرب الذين لا ينطلقون من حق الدولة السورية الشرعية في الدفاع عن سيادتها وصيانة استقلالها ووحدتها الوطنية أرضاً وشعباً ضد شراذم الإرهاب الدولي وداعميه.
ومن المستهجن أن تكون عودة سورية إلى ممارسة عضويتها في الجامعة بقرار أمروأوروبي قبل أن تكون بقرار عربي يتخذه وزراء الخارجية ويبلّغون الجامعة فيه. وعلى المجرى الذي تسير به الأحداث سنرى أن بروكسل ستشهد اجتماعاً ثالثاً حول سورية في الشهر القادم من منظور أن الحلف المعادي لسورية سيعمل على خلق جبهات متعددة من شأنها أن تضع العراقيل أمام الحل السياسي الذي يعتبرونه نظرياً المخرج الوحيد. وقد عملوا أي أعداء سورية على عدم تمكين الجيش العربي السوري ومسانديه من حسم المعركة في أكثر من جبهة ضد الإرهاب على الأرض السورية كان آخرها في جبهة الجنوب.
ولما كان جيشنا لا يأبه باشتراطات الأعداء ويتقدم دوماً ليحسم المعركة على كل الجبهات وهو الآن أمام الجبهة الأخيرة في إدلب وشرق الفرات. ولأن الاستعدادات الميدانية أصبحت كاملة لدخول معركة تحرير إدلب والمواطنون في إدلب يناشدون الجيش السوري لتحريرهم من الاحتلال الإرهابي نتواجه بهذه الكثافة الواضحة لحراك الحلف المعادي حيث يسعون كي لا تحقق الدول الضامنة في أستنة أي إنجاز في الحل السياسي. ليتم بهذا حرف بنود القرار الأممي عن أولوياته فتصبح قضية إنجاز اللجنة الدستورية أكثر أهمية من مكافحة الإرهاب كما تصبح قضية المهجّرين مربوطة بإنجاز الحل السياسي والحل السياسي له مقاسات متعددة بتعدد المرجعيات المعادية لسورية. والمهم في كل أمر أن لا يرتبط هذا الحل بمنجزات الميدان حتى يتمكن الحلف المعادي لسورية من الوصول بالسياسة إلى ما لم يستطع عليه بالحرب. وقد ورد على لسان بعض الذين حضروا في اجتماع بروكسل التحضيري أن النظرة تجاه سورية ليست موحدة بين الفرقاء في الاجتماع والحل السياسي كذلك سيكون محط انقسام بين من يربط عودة المهجرين وإعادة الإعمار بمصالحه وليس بمصلحة الشعب السوري. وبين من لا يعمل على هذا الربط، وعلى هذا الأساس لن يتم التوافق في جبهة العدوان الإرهابي على سورية وطبيعة الحل السياسي لذلك نراهم يلتفون على نصوص القرار 2254. وطالما أن هذه الاجتماعات إن كان في عمّان أو في بروكسل وما سوف يأتي في بروكسل مرةً ثالثة لا تنصبّ نتائجها على قواعد الحل الوطني العادل والسيادي فلن تقبل سورية بكل ما سيصدر عنها، ويبقى القرار في نهاية الكلام منوطاً بالموقف الرسمي للدولة الشرعية السورية طالما أنها تستند إلى قوة شعبها ووحدته وبسالة جيشها وحلفائه. وقد صرح الناطق الرسمي في سورية بأن سورية لن تتنازل عن معطيات الميدان في التفاوض ولن تسمح بفرض المزيد من القيود عليها كذلك لن تقبل بتعددية المخارج في التفكير بالحل السياسي الوطني السيادي وجبهة العمل العسكري الميداني جاهزة لحسم الأمور في إدلب وشرق الفرات يضاف إليه تفاعل الدبلوماسية السورية الدولي الواقعي الذي يخدم الحل السياسي السيادي.
ورغم الحذلقة المتغطرسة التي يمارسها أردوغان فإن قطعان الإرهاب الموجودة والتي ما زال يستثمر بها لن تستطيع البقاء حين يُتّخذ القرار خاصة أن الحلف المعادي لسورية يشهد تناقضاته الداخلية بما يعكس عدم الاستقرار على أي قرار بين الحلفاء فأميركا ستسحب قواتها وتعلن عن أنها سوف تبقى على أرض العراق لمراقبة إيران، بينما فرنسا لا ترغب بالانسحاب في هذا الوقت. وبالإعلان الأميركي عن البقاء في أرض العراق تتواجه أميركا برفض العراق لهذا البقاء إذا كان منطلقاً للعدوان على الدول الشقيقة والصديقة. وفي الوقت الذي يصر فيه أردوغان على طرح المنطقة الآمنة حتى يعزز فيها وجود الإرهاب ويبقيها عتبةً للتقسيم الجغرافي لسورية نجد أن توافقات سوتشي لم تنفذ ولا تزال أمريكا تورّط الأكراد بمشروع يصعب الوصول إليه وتجعل منهم حجة للبقاء الأطول على الأرض السورية رغم إعلانها الانسحاب. وما نراه في الدول الأوروبية أن القرار الأوروبي مرتبط بالإرادة الأميركية وبهذا لن تُفتح أية فرصة للحل السياسي السيادي، والواضح أن العرقلة هي المنهج المعتمد لديهم كي لا يتم التسريع بالحل السياسي فيُجبر التحالف المعادي على الاعتراف بالفشل. وما هو ممكن دائماً في السياسة السورية هو حرصها على الهندسة الوطنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للوطن تعزيزاً لصموده واستثماراً للنصر الذي سوف يكون كاملاً. وكذلك تقوم سورية بتقوية عناصر التحالف مع الأصدقاء الذين وقفوا معنا في الحرب الإرهابية علينا وعليه سيكون الحل السياسي على أرضية قوة الجبهة الداخلية ولن يكون من إرادة الخارج مهما تعددت جبهاته.
د: فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 11-2-2019
الرقم: 16906