في مثل هذا اليوم من كل عام يحتفل السوريون جميعهم بذكرى غالية على نفوسهم إنه يوم الجلاء، حيث غادر آخر جندي فرنسي الأرض السورية بعد كفاح طويل ومقاومة مريرة استطاعوا بها طيّ صفحة أليمة استمرت ما يزيد عن ربع قرن اعتقدت بها فرنسا بأن الأمر قد استتب لها عندما لجأت إلى استخدام شتى أنواع القمع والظلم والاضطهاد والنفي الداخلي والخارجي للقادة الأحرار، لكنها فوجئت بشعب لا يلين وبمقاومة شرسة لا تستكين مهما تعرّضت له من قهر وظلم.
كان قرار السوريين منذ البداية هو المقاومة والوقوف في وجه الاحتلال الفرنسي وعدم الخضوع له، وبدا ذلك واضحاً منذ اليوم الأول للهجوم الفرنسي في ميسلون حين عمد وزير الدفاع يوسف العظمة ورفاقه من المجاهدين إلى مواجهة آلة الحرب الفرنسية المتطورة بأسلحة بدائية حيث خرج السوريون إلى ميسلون للدفاع عن حرية واستقلال بلادهم التي كانت خارجة من حقبة طويلة من الاستعمار العثماني استمرت ما يزيد عن 400 عام ذلك الاستعمار البغيض الذي لم يخلف لوطننا سوى التخلف والقمع والصراعات بعد أن كان منارة للعالم على مرّ آلاف السنين بدت أثارها واضحة للعيان حتى هذا التاريخ مثل الحضارة الآشورية والبابلية والآرامية وغيرها من الحضارات التي أغنت العالم بالأبجدية والتشريع الذي ما زالت جامعات العالم تُدرسه في معاهدها.
لقد باءت بالفشل أعمال القمع والقهر التي مارسها الفرنسيون جراء ما تعرضوا له من مقاومة السوريين، ففي جبل العرب تصدى المجاهد سلطان باشا الأطرش ورفاقه وفي الساحل واجههم الشيخ صالح العلي ورفاقه وفي المنطقة الشمالية كان المناضل ابراهيم هنانو وفي المنطقة الوسطى البطل فوزي القاوقجي وفي الغوطة حسن الخراط ومحمد الأشمر وفضلاً عن الثورات في الجولان وفي المحافظات الشرقية وعلى سائر الساحة السورية.
لجأت فرنسا في أواخر أيام وجودها إلى قصف البرلمان وشنت هجوماً مباغتاً على عناصر الأمن المكلفين بحمايته فقتلت أغلبهم واستخدمت الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة في قصف المدن، لكن كل ذلك لم يجدها نفعاً ولم تجد مناصاً من أن تشد الرحال وتخرج من سورية صاغرة مسربلة بالخيبة والهوان، لتتحقق للسوريين الحرية التي طالما حلموا بها.
بتاريخ 17 نيسان عام 1946 نعمت سورية بالحرية التي طالما ضحت بكل غالٍ ونفيس من أجلها وتخلصت من الاستعمار الفرنسي الذي ما انفك يشعر بالمرارة والفشل لفقده السيطرة على هذا البلد المعطاء وينظر بحسرة إلى الأيام الغابرة التي كان بها مهيمناً عليه.
ويبدو أن أحلام العودة إلى سورية ولو من الأبواب الخلفية مازالت تدور في مخيلة الاستعمار الغربي بشكل عام، سواء فرنسا أم الولايات المتحدة وما تدخلهم في سورية بذريعة محاربة الإرهاب، إلا مجرد البحث عن موطئ قدم لاستعمار جديد بأطماع وطموحات جديدة، ورغم فشلهم مازالوا يحاولون تمرير بعض الأجندات الاستعمارية التي تمس سيادة سورية ومنها ما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً حيث عمد إلى الاعتراف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان السوري المحتل في سلوك خارج على الأعراف والقوانين الدولية، ولا ريب بأن هذا الاعتراف لن يفضي إلى تقويض الاستقرار الهش في المنطقة طوال أربعة عقود فحسب، بل سيجعل مزاعم أميركا جول وحدة الأراضي السورية في دائرة الشك أكثر من أي وقت مضى. وقد تبيّن بأن الإعلان الوقح بشأن الجولان يمثل دليلاً على القرارات المنفردة التي يتخذها ترامب على المسرح العالمي، لكن السياسة القصيرة النظر التي تسعى واشنطن لإملائها وإملاء سياسات أصدقائها على خصومهم أمر لا يقتصر على كونه خاطئاً بل يحمل في طياته خطراً بالغاً.
إن الزمن الذي كانت تطمح به الولايات المتحدة وعملاؤها المأجورين لفرض الهيمنة على سورية قد مضى وانقضى وقد فشلت كل محاولات أصحابه، ولا ريب بأن السوريين بما يملكونه من تصميم وقدرات وإيمان بقضيتهم سيتمكنون من دحر المعتدين أنى كانت مشاربهم، وستعود سورية أفضل مما كانت عليه في السابق، ولنا وطيد الأمل أن يتحقق هذا الأمر في القريب العاجل، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تمكن قواتنا المسلحة من تحرير معظم الأراضي السورية من براثن الإرهاب الأمر الذي يجعل لعيد الجلاء نكهة خاصة خلال هذه المرحلة، وعلى الفرنسيين أن يشرحوا لدول الغرب الأخرى وللكيان الصهيوني على وجه التحديد ما حلّ بهم عندما حاولوا البقاء في سورية، لعلهم يكونوا على بينة من أمرهم ويرتدعون عن غيهم وإلا سيلقون ذات المصير الذي تعرّضت له فرنسا.
ليندا سكوتي
التاريخ: الأربعاء 17-4-2019
رقم العدد : 16959