تمر الذكرى الثالثة والسبعون لجلاء آخر جندي فرنسي عن الأرض السورية اليوم والسوريون بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم يواصلون خوض معركة المصير في مواجهة الحرب الإرهابية القذرة التي تشنها قوى الاستعمار القديم والجديد، والتي تنوعت أشكالها بدءا من الاعتداءات العسكرية على الأرض، ووصولا إلى الإرهاب الاقتصادي والنفسي، عبر سياسة الحصار الخانق اليوم الذي يستهدف لقمة عيش السوريين، حيث يسطر الشعب السوري أروع الملاحم البطولية، مستمدا قوته من تضحيات الأجداد الذين حافظوا بدمائهم الطاهرة على وحدة واستقلال بلدهم، وكلهم إيمان بأن الانتصار هو الخيار الوحيد ليبقى وطنهم حرا ومستقلا.
في يوم السابع عشر من نيسان قبل 73 عاما، توج شعبنا انتصاراته بعد نضال طويل دام نحو ربع قرن عبر ثورات لم تهدأ ضد المحتلين باحتفالات كبيرة عمت البلاد في مثل هذا اليوم من عام 1946 ، لتكتسب هذه الذكرى أهمية خاصة، لأن الجلاء كان تتويجا لمعركة الاستقلال من الاستعمار القديم لكنه كان في الوقت نفسه بداية لمواجهة طويلة مع الاستعمار الجديد الذي أضاف إلى أساليب الاستعمار القديم وسائل أخرى من التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ومحاولة الضغط عليها واستغلالها اقتصاديا وثقافيا وإعلاميا، لتصل إلى حد القرصنة الدولية على غرار القرار الأميركي المشؤوم بشأن الجولان المحتل.
سيرورة الأحداث تؤكد أن جلاء المستعمِر الفرنسي كان نتيجة حتمية لنضال طويل وشاق بدأه السوريون منذ أن حاول هذا المستعمِر فرض شروطه على سورية عبر ما سمي انذار غورو في الـ 14 من تموز عام 1920 والذي حمل مطالب لا يمكن القبول بها، بينها تسريح الجيش وقبول الانتداب الفرنسي دون شروط، فتصدى له أبناء شعبنا بما يملكونه من إيمان وعزيمة واستشهد العديد منهم في معركة غير متكافئة في ميسلون ليثبتوا أن السوريين لا يمكن أن يقبلوا الذل ولو كانت حياتهم الثمن لذلك.
وبين قصف الاستعمار الفرنسي للمجلس النيابي السوري، واستشهاد حاميته المدافعة عنه وما تبعه من قصف دمشق عام 1945، مرورا بنيل الاستقلال، وبين الحرب الإرهابية التي تتعرض لها سورية اليوم، أكثر من ثمانية عقود مضت، تتابع خلالها سورية مسيرة النضال والمقاومة، وتتغلب على العديد من الصعاب والتحديات، وهي تحقق الانتصارات تلو الأخرى على الإرهاب وداعميه، وتستكمل مسيرة الاستقلال حتى تحرير كل شبر أرض من رجس التنظيمات الإرهابية، ورعاتهم الأميركيين والعثمانيين والفرنسيين والبريطانيين، وأدواتهم في مشيخات الخليج، وإسقاط مشروعهم التكفيري الظلامي الذي يصب في خانة المشروع الصهيو-أميركي المعد لسورية ودول المنطقة برمتها.
مدرسة الجلاء رسخت أساسات متينة للوحدة الوطنية ، كما رسخت عظمة التضحيات التي تُبذل للدفاع عن أرضنا وحقوقنا وسيادتنا الوطنية واستقلالنا، وستبقى معارك الشرف والبطولة في الثورات السورية التي حققت الجلاء مسبقاً بقادتها كإبراهيم هنانو وصالح العلي وسلطان باشا الأطرش وأحمد مريود وحسن الخراط وغيرهم مصدر عز وفخر للسوريين.
كتب المحرر السياسي:
التاريخ: الأربعاء 17-4-2019
الرقم: 16959