رواية ..وقصيدة ..وشاعر ..

الملحق الثقافي: ليندا إبراهيم:

لشدة شعور غامض انتابني حالما قرأت هذه القصيدة – الرواية .. و حتى هذه اللحظة التي تورّطت فيها بكتابة هذه الكلمات –
شعور هو أقرب لذلك الذي ساورني عندما قرأت الرواية – المعجزة : « الشيخ و البحر ..» لآرنست همنغواي ذلك الشعور الذي يبقيك منذهلاً مشدوهاً أمام سطوة الإبداع و الخلق لما يصدر عما أُبدِع و خُلِق .. شعور يبقيك عاجزاً عن إدراك سر المثابرة و المصابرة و مقارعة المستحيل لولا أنه الإنسان هو هذه المعجزة و بطلها معاً ..
بلى .. سنوات و أنا أختزن هذه الفكرة – فكرة الرواية – في ذاكرتي إلى أن أتى نص إبداعي آخر ليسطر فصلاً آخر متكاملاً من الإبداع في الفكرة ذاتها و المحور ذاته للرواية موضع الحديث و بكلّ براعة و يقين و استشراف الشاعر و بكلّ ذكاء و مخاتلة النص تأتي القصيدة لتكتب الرواية شعراً ..فتصوغها فكرةً فكرة..و حكمةً حكمة .. و موقفاً إثر موقف من الحياة الإنسانية بكلّ تجلياتها ..فإذا الشاعرُ حكيمٌ و البحرُ حكيمٌ و السمكةُ حكيمةٌ ووحدها الحياة من تتقاذف الجميع كلاعب إلهي يوزع الأقدار و الأدوار و القدرة و الحظ .. و نفسي أسأل : ترى ما الجميل الجديد في هذه القصيدة ؟ سأتناولها فيما يلي تمحيصاً و تحليلاً و دراسة،غير مدعية القدرة على النقد و لا الإحاطة بمدارسه و مشاربه بل هو حس نقدي و تذوق للأدب آتيه بما أوتيت من لغة سانحة ..
فمطلع القصيدة قصصي سردي بامتياز «في رحلة الصيد الأخيرة ..» فيه من جرعة التشويق ما يكفي لجعل القارئ مشدوداً للنص ليتابع حكاية هذا الشيخ الحكيم الصبور الذي عركته الحياة لدرجة أنه اعتبرها رحلته الأخيرة و هذا كاف ليجعل منها مجازفته الكبرى إما حياة أو موت ..و لهذا فقد أعدّ العدة جيداً : طُعم رائع يغري أكبر طريدة في هذا البحر ، فكأن هذه «الرحلة «- «المعركة « هي معركة « الشيخ «، « الشاعر» الكبرى المصيرية في الحياة التي حشد لها مهارته و تجربته و ذكاءه و حنكته و حصيلة ما ملك من عزيمة ليربحها ..فخصمه لا يستهان به «و كلما اشتدت عزيمتها شددت الخيط أكثر» ، « ثم واصلتِ الكفاحَ « ،ولا ينسى الشاعر البيئة العامة فكلّ يأخذ نصيبه من الحياة على قدره فها هو طائر صغير يأخذ «حصته الصغيرة ..» أما الزمن فقد تقدّم و بدأت المعركة تمتد أطول لكن الإنسان الشيخ الصابر لا يقنع بأقل مما وطن عليه العزم من صيد وفير يليق بعمره و خبرته و تجربته فيواصل شحذ همته و تقوية عزيمته لتأتي المفارقة الكبرى : فالصياد الماهر المجرب أخذ يدافع عن «خصمه « ضد خصوم آخرين بكلّ شراسة : « دافعتُ حتى الموت « فأضحى الصياد يواجه على أكثر من صعيد في الوقت نفسه : السمكة ، الوحوش ، البحر و موجه و لجته الهائلة ، المركب الضعيف ، الحظ الذي لابدّ كان خصمه الأكبر هو الآخر .. لتأتي تشخيصاً مصغراً للحياة – الغابة كلّ يريد ما يريد و كأنه له وحده دون الأخذ بالاعتبار ما يريد غيره و هل هذا سوى إشارة للأنانية و ربما لقانون الغاب «لم أكن وحدي أحس بأنها لي دون غيري ..» حتى مرّت لحظة العجز الذروة في حبكة النص حيث فكر أنها لكبرها و عظمها فوق قدرته أو حصته من هذه الحياة فأي صيد ثمين هذا ؟ حسناً .. لقد بقي متشبثاً به حتى الثمالة لأيام و أيام حتى كان الظفر و خاتمة المعركة فإذا به يؤوب ظافراً بهيكل عظمي فتأتي الحكمة على لسان الشاعر هذه المرة لتجمل النتيجة و تشذب المرارة – شأن الشعراء – فما يظفر به الإنسان في رحلة عمره المديدة قليل و لكن فيه من الحكمة ما إن اعتبر به لكان كنزاً ثميناً بحق : ما يحيلنا لبداية الكلام من أن الإنسان يصنع المعجزات بصبره و مصابرته و مثابرته فتأتي حياته ذخيرة لمن بعده و سواه حكماً ناضجة و تجارب جليلة ..
النص ليس فيه صخب النص الشعري،فهو متواضع تحت وطأة الحكمة التي تثقله بالأفكار الكبرى التي تضج بها الحياة الإنسانية ..نعم إننا أمام نص شعري مخاتل للعقل القارئ بما فيه من مفارقات و معانٍ متضادة و الموقف و نقيضه في الوقت نفسه : يقول الشاعر « و لأنها أقوى و أكبر من جميع خصومها انتصرت ، فنالت حتفها ..» !! «كانت مفارقة إذاً : أن القتيل يجر قاتله !!» ..
أما عبارات النص و جمله و مفرداته فواضحة لكلّ درجات القراء سلسة متسلسلة منطقياً مسبوكة ببراعة فائقة حمالة أوجه وافرة الحكمة : «كأنني أدركت لحظتها حقيقة ما جنيت من الحياة..»،»لم أبحر على شيخوختي إلا لأثبت للحياة جدارتي ..»، إضافة لهذا كلّه فإن ما رفع من فنية النص التراكيب عالية الخصوصية شديدة التكثيف بالغة الدقة ذات الإحالات فالفتنة لها صهيل ، و الانتشاء بالآلام كالأحلام : «و رجعت منتشياً بآلامي و أحلامي ..» ، « بصهيل فتنتها «
من هذا كله نخلص إلى أن النص الشعري قارب ببراعة و ثقة روح الرواية و تشرب عبرتها ..لدرجة يصعب على القارئ المتبصر التيقن من أن الشاعر هو ذلك الشيخ الصياد العجوز أم أنه « آرنست همنغواي» مبدع الرواية الأصل .. مضفياً من روحه الشاعرة و سحر بيانه و شعريته الفائضة ما أسبغ على القصيدة حلة إبداعية أجمل تحسب له..

الشيخ و البحر
الشاعر حسن بعيتي
في رحلة الصيد الأخيرة ..
بعدما صارعتُ موج َ البحر أياماً ..
ظفرتُ بحصتي الكبرى
شعرتُ بنشوةٍ …..
و أنا أشدُّ فريستي بصعوبةٍ نحويْ
أخمـِّنُ أنها كانتْ ستغلبني ..
و تنجوْ .. لوْ رأتْ شيخوختي ..
لكنها منْ حسْنِ حظي لا تراني
كانَ طـُـعْماً رائعاً ..
أعددْتهُ بعنايةٍ من أجلها
و لأنها أقوى و أكبرُ منْ جميع خصومها
انتصرتْ … فنالتْ حتـْــفــَــها
بالرغمِ منْ آلامها .. كانتْ تُحدّدُ وجهتي
و تشدُّني غرباً..
فيمضي الزورقُ المشلولُ خلفَ جموحها
كانتْ مفارقةً إذاً ..
أنَّ القتيلَ يجرُّ قاتلــَـه ُ..
و حلـَّـقَ طائرٌ فوق المكانِ ..
محدِّقاً بالماء .. ثـمَّ اصطادَ حصّته الصغيرةَ
في غياب الآخرين
.. و طار مبتعداً
و راح الموجُ يعلو … ثمَّ يعلو
و النهارُ يغيبُ في عمْق المدى .
شيئاً فشيئاً … كنتُ أشعرُ أنها تعبتْ قليلاً
ثمَّ عاودتِ الكفاحَ ..
و كلما اشتدَّتْ عزيمتها .. شددْتُ الخيطَ أكثرَ
و اتكأتُ على بقايا قوتي ….
ليلٌ طويلٌ مرَّ ..
كانَ نزيفـُها يكفي
ليستدعي المزيدَ من الخصومِ معَ الصباح
و هكذا …..
دافعتُ حتى الموت عنها ..
كلما انقضـَّــتْ وحوشُ البحر تنهشـُـها ..
اسْتفزّتْ قوّتي .. فصبرتُ أكثرَ
لم أكن وحدي أحسُّ بأنها
« ليْ دونَ غيريْ «
لمْ أكنْ وحديْ ..
و يبدو أنَّ صيدَ اليوم أكبرُ
– رُبما – منْ حصّتي
أو ربما منْ قـُــدرتي ..
أبحرْتُ أياماً ..
و لمْ يتبقَّ حينَ وصلتُ
إلا الهيكلُ العظميُّ منْ صيدي الثمين
كأنني أدركتُ لحظتَها ..
حقيقة ما جنيتُ من الحياة
و رحلةِ العمر الطويلةِ
رغمَ هذا ……
نمتُ منتشياً بآلامي .. و أحلامي
و كانَ البحرُ يفهمني ..
و يُدركُ أنني ما عُدتُ مُهتمـّــاً ..
فلمْ أبحِرْ ..
-على شيخوختي –
إلا لأثبتَ للحياة جدارتي بصهيل فتــْـنتها
و لمْ أبحِرْ ..
-على شيخوختي –
إلا لأثبتَ أنني
مازلتُ صياداً قوياً

التاريخ:الثلاثاء26-4-2022
رقم العدد :1093

آخر الأخبار
مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة في اليوم العالمي للطفل.. جامعة دمشق داعمة لقضايا الطفولة بمناهجها وبرامجها التعليمية استشهاد 36 وإصابة أكثر من 50 جراء عدوان إسرائيلي على مدينة تدمر بالتزامن مع يوم الطفل العالمي.. جهود لإنجاز الاستراتيجية الوطنية لحقوق الطفل "التجارة الداخلية" بريف دمشق تبدأ أولى اجتماعاتها التشاورية أسطورة القانون رقم 8 لحماية الناس..!! حمى عناصر الرقابة التموينية والتضخم والغلاء.. مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة د... رئاسة مجلس الوزراء: عدم قبول أي بطاقة إعلامية غير صادرة عن وزارة الإعلام أو اتحاد الصحفيين السفير الضحاك: استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي بدعم أميركي يهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين انطلاق الحوار الخاص بتعديل القوانين الناظمة لعمل "التجارة الداخلية" بطرطوس الأملاك البحرية لا تُملك بالتقادم والعمل جار على تعديل قانونها وزير التجارة الداخلية: بهدف ضبطها ومراقبتها .. ترميز للسلع والمنتجات ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43972 منذ بدء العدوان عراقجي: فرض أوروبا إجراءات حظر جديدة ضد إيران خطوة مدانة واستفزازية ارتفاع عدد الشهداء جراء العدوان على جنين ومخيمها لليوم الثاني إلى خمسة في يومهم العالمي.. مطالبات فلسطينية بحماية فورية للأطفال من استهدافهم الممنهج القوات الروسية تحرر بلدة في دونيتسك وتقضي على 50 عسكريا أوكرانيا في سومي زيلينسكي: أوكرانيا ستهزم بحال أوقفت واشنطن دعمها العسكري