الثورة – إيمان زرزور
نشرت وزارة الداخلية على معرفاتها الرسمية مقتطفات من فيديو ستعرضه لاحقاً، يظهر فيه ضباط من النظام المخلوع يدلون باعترافاتهم إلى جانب مدنيين يروون ما تعرضوا له من تعذيب وانتهاكات، وفي بيانها المرافق أكدت الوزارة أن “يد العدالة ستطال كل ظالم وقاتل مهما حاول الهروب، وأن الحق لا يسقط بالتقادم”، معتبرة أن هذه الصور تختصر حكاية الألم والأمل بين الماضي والمستقبل.
وفي مشاهد بالغة الرمزية، واجه معتقلون سابقون سجّانيهم وجهاً لوجه، مستذكرين أساليب التعذيب التي مورست بحقهم وأسماء رفاقهم الذين قضوا في الزنازين. هذه المواجهة المباشرة تحمل قيمة مضاعفة: فهي من جهة تتيح للضحايا سرد روايتهم علناً، ومن جهة أخرى تكسر حاجز الصمت الذي لطالما أحاط بهذه الجرائم.
بهذه المواجهة بين الضحية والجلاد، تنتقل سوريا من مرحلة التوثيق إلى مرحلة المكاشفة العلنية، في مشهد قد يصبح علامة فارقة في مسار العدالة بعد عقد من الحرب والانتهاكات، هذا التحول ليس مجرد إجراء قانوني، بل خطوة رمزية تعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتؤسس لثقافة جديدة قوامها المحاسبة والشفافية بدل الإفلات من العقاب.
الخطوة الجديدة جاءت امتداداً لما أعلنت عنه الداخلية أواخر آب/أغسطس الماضي حين كشفت عن توقيف عدد من السجّانين السابقين في سجن صيدنايا سيئي الصيت، المتورطين في ارتكاب جرائم وانتهاكات جسيمة بحق المعتقلين، بعض الموقوفين اعترف بأساليب التعذيب والإعدامات الميدانية، فيما كشف آخر عن طلبه “بنات لاغتصابهن” بتسهيل من مسؤولين في السجن، مؤكداً وقوع اعتداءات متكررة على النساء.
هذه الاعترافات العلنية -التي ينظر إليها حقوقيون بوصفها سابقة في السياق السوري- تمثل أول توثيق رسمي لانتهاكات ارتكبت داخل أكثر السجون شهرة في البلاد، وتفتح الباب أمام مساءلة أوسع تطال المسؤولين المباشرين وغير المباشرين.
يقرأ مراقبون هذه الخطوة باعتبارها بداية مسار عدالة انتقالية وطنية، لا تكتفي بالكشف عن الجرائم بل تسعى إلى محاسبة مرتكبيها وتعويض الضحايا وإعادة الثقة بالمؤسسات، فإظهار الضباط أمام الرأي العام إلى جانب من انتهكوا حقوقهم هو رسالة مزدوجة: طمأنة للضحايا، وإنذار لكل من يفكر بالإفلات من العقاب.
فبعد سنوات من الحرب والانتهاكات، يبدو أن سوريا تضع قدماً على طريق المكاشفة العلنية والمساءلة المؤسسية، هذا التحول -إن استمر وارتبط بخطوات قضائية جدية- قد يصبح بداية حقيقية لتضميد الجراح الوطنية، وتأسيس دولة قانون تحاسب من أساء وتعيد الاعتبار لمن تضرر، بحيث تصبح العدالة الانتقالية ركيزة من ركائز إعادة بناء البلاد لا مجرد شعار سياسي.