الثورة – ترجمة ختام أحمد:
لقد حققت الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، قدراً نادراً من الأمل الحذر في أحد أحلك فصول الشرق الأوسط الحديث.
فبعد قرابة عامين من القصف المتواصل والتجويع المُدبّر والتهجير الجماعي، يتوق سكان غزة إلى أي مخرج من هذا الكابوس، قد يُتيح اقتراح ترامب، إذا نُفّذ بالكامل، مثل هذا المخرج، لكن مصيره في النهاية يتوقف على نفس العقبة التي نسفت مبادرات لا تُحصى سابقاً.
على الورق، تبدو الخطة واعدة، فهي تدعو إلى إنهاء الأعمال العدائية، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية، وتجديد السعي نحو حل الدولتين- الإطار الوحيد الذي مثّل على الإطلاق فرصةً لتحقيق سلام عادل ودائم.
مع ذلك، ورغم ما يبدو عليه هذا من تفاؤل، فإن الخطة تفتقر إلى ما يُعلّمنا إياه التاريخ، وهو الأهم، ضمانات مُلزمة، لم تُقدّم واشنطن ولا المجتمع الدولي آلياتٍ ملموسةً لإجبار “إسرائيل” على الامتثال، ويلوح هذا الإغفال في الأفق، لاسيما في ضوء سجل نتنياهو الطويل في استغلال مبادرات السلام كغطاء سياسي، مع تعميق الاحتلال الإسرائيلي وتصعيد العنف.
انكشف رهان نتنياهو المتهور منذ 7 تشرين الأول 2023، إذ راهن على أن حرباً لا نهاية لها ستُسكت منتقديه، وتحميه من تهم الفساد، وتُحقق طموحات الصهيونية في إخلاء غزة من سكانها بالإرهاب واليأس، لقد فشل، إذ لا تزال غزة صامدة، تحمل ندوباً لكنها لم تنكسر.
يبقى الفلسطينيون راسخين في وطنهم، كما فعلوا في أعوام 1948 و2008 و2014، والآن في عام 2025، بدلاً من النصر، أنتج نتنياهو موتاً جماعياً ومجاعة وانهياراً لمكانة “إسرائيل” الأخلاقية على الساحة العالمية.
الكارثة الإنسانية في غزة ليست أضراراً جانبية، بل هي السياسة نفسها، الأطفال الجائعون، والمستشفيات المدمرة، والعائلات المدفونة تحت الأنقاض، هي العملة القاتمة لاستراتيجية نتنياهو للبقاء، هذا ليس دفاعاً، بل عقاب جماعي، وجريمة بموجب القانون الدولي، يُقرّ بها العالم بشكل متزايد على أنها إبادة جماعية.
ومع ذلك، ورغم جسامة جرائم نتنياهو، فإن رفض خطة ترامب رفضاً قاطعاً سيُسيء إلى أولئك الذين يعانون أشد المعاناة، فبالنسبة للنساء اللواتي يُغلين العشب لإطعام أطفالهن، وللأطباء الذين يبترون أطرافهم دون تخدير، وللأطفال الصغار الذين يموتون من سوء التغذية، حتى الاقتراح المعيب يُقدم بصيص أمل، قد يكون الدعم الحذر، إلى جانب الضغط الدولي المستمر، السبيل الوحيد لفتح أضيق أبواب الإغاثة.
على الصعيد العالمي، يشهد الوضع تغيراً، فعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي المؤتمر الذي ترعاه السعودية وفرنسا لحل الدولتين، يتزايد الزخم نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويتسارع “قطار الاعتراف”، ما يزيد من عزلة نتنياهو، وفي هذا السياق، قد تُسرّع خطة ترامب- إذا ما استُخدمت بحكمة- هذا الزخم من خلال إعادة تركيز الأجندة الدولية على قضية الدولة الفلسطينية ومحاسبة “إسرائيل” على جرائمها.
لنكن واضحين، لن تنجح خطة ترامب إذا اعتُبرت مجرد بادرة دبلوماسية أخرى، يسهل تجاهلها من قِبل نتنياهو، إنها تتطلب إنفاذاً ورقابة وعواقب حقيقية لعدم الالتزام، لأنه بدون هذه الآليات، تُخاطر الخطة بالانضمام إلى مقبرة المبادرات المهجورة، لكن مع استمرار الضغط العالمي، واغتنام الأطراف العربية والدولية الفرصة، قد تُمثل بداية النهاية لمقامرة نتنياهو المدمرة.
راهن نتنياهو بكل قوته على ثلاثة أوهام.. أن الفلسطينيين سيستسلمون، وأن العرب سيظلون مشلولين، وأن المجتمع الدولي سيغض الطرف، لكنه أخطأ، فالفلسطينيون صامدون، والغضب العربي موحد، والعالم يراقب الوضع عن كثب أكثر من أي وقت مضى.
خطة ترامب، مهما كانت ناقصة، تُتيح فرصة لتحويل هذا الواقع إلى تقدم سياسي.
قد يُسجل التاريخ هذه الحرب ليس فقط كسقوط لنتنياهو، بل أيضاً كاللحظة التي اختار فيها العالم، تحت وطأة معاناة إنسانية لا تُصدق، أن يتصرف.
يجب أن يبدأ الطريق إلى الأمام بوقف إطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية دون قيود، وتبادل الأسرى، ووضع إطار عمل موثوق للسيادة الفلسطينية، قد تكون خطة ترامب هي هذا الإطار- إذا تحلى العالم أخيراً بالشجاعة لمحاسبة “إسرائيل”.
المصدر _ ArabNews
