الثورة – هنادة سمير:
ضمن جهودها لإصلاح الوظيفة العامة وتحديثها، تعتزم وزارة التنمية الإدارية وضع مدونة سلوك للوظيفة الحكومية، لتكون جزءاً أساسياً من مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد الذي يجري العمل على صياغته.
المدونة المنتظرة لا تقتصر على كونها إطاراً قانونياً فقط، بل تهدف إلى ترسيخ قيم أخلاقية ومعايير مهنية تحكم علاقة الموظف بالدولة والمجتمع، بما ينسجم مع متطلبات الشفافية والكفاءة في سوريا الجديدة.
إطار تنظيمي يعزز الثقة
بحسب مصادر في وزارة التنمية الإدارية، فإن مدونة السلوك ستشمل جملة من المبادئ، مثل النزاهة، الحياد، احترام وقت العمل، الحفاظ على المال العام، وتقديم الخدمة للمواطن بأعلى مستويات الجودة. وتأتي هذه الخطوة لتعزيز الثقة بين المواطن والإدارة العامة، ولتحويل الوظيفة الحكومية من كونها مجرد مصدر دخل إلى رسالة ومسؤولية عامة.
للتعرف على وجهات النظر حول المدونة رصدت “الثورة” آراء موظفين في بعض المؤسسات الحكومية حول الفكرة، ورأى ماجد البغدادي، وهو موظف في قطاع الصحة، أن فكرة المدونة مهمة جداً، خاصة إذا رافقها تطبيق فعلي ومتابعة، فالموظفون بحاجة لقواعد واضحة تحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض.
وقالت رنا السالم- موظفة في إحدى المديريات الخدمية: إن السلوك المهني خلال السنوات الماضية كان في حالة من الفوضى وعدم الانضباط سواء في العلاقات داخل المؤسسة أم مع المواطنين، لكن ما نتمناه أن تترافق المدونة مع تدريب وتأهيل للعاملين لتحديد السلوكيات الصحيحة.
أما سامي إبراهيم- موظف في القطاع المالي- فيعتقد أنه إذا تم تطبيق المدونة بشكل عادل بين الجميع فسيكون بمثابة ثورة حقيقية في بناء مؤسسات دولة عادلة.
وثيقة استرشادية
الخبير في الادارة العامة عماد الصالح بين في حديثه لـ”الثورة” أن ما يميز المدونة المنتظرة أنها لن تكون وثيقة استرشادية كما في الماضي، بل إلزامية التطبيق على جميع العاملين في الدولة، من الموظف المبتدئ حتى القيادات العليا، وهذا يعني أن الإخلال بواجبات السلوك الوظيفي سيترتب عليه مساءلة إدارية وربما قانونية، وهو تحول نوعي في مفهوم الوظيفة العامة في سوريا.
ويرى الصالح أن التركيز على الأخلاقيات المهنية هو جوهر المدونة، إذ ستنص على مبادئ مثل: النزاهة، الحياد، الكفاءة، احترام وقت العمل، حماية المال العام، التعامل الحضاري مع المواطن، والعمل بروح الفريق.
هذه القيم وإن بدت بديهية، إلا أن غيابها في سنوات سابقة أدى إلى فجوة كبيرة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
ويتابع موضحاً: إن التجارب الدولية أثبتت أن المدونة الفعالة ترتبط دائماً ببرامج تدريب وتوعية مستمرة، وبأنظمة تقييم وترقية تعتمد السلوك المهني معياراً أساسياً إلى جانب الكفاءة الفنية، ويرى أن إدراج المدونة في مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد خطوة بالغة الأهمية، لأنها تضع السلوك في مصافي القانون، وتمنحه قوة إلزامية تحول دون تهميشه أو تجاوزه.
ويشير الصالح إلى أن نجاح المدونة في سوريا مرهون بجدية التطبيق وعدالته. فإذا طبقت على الجميع بلا استثناء، ستسهم في إعادة بناء الثقة بين المواطن والإدارة، وفي إرساء جهاز حكومي نزيه وفعال.
ويؤكد أن مدونة السلوك تكتسب خصوصية في الحالة السورية بعد سنوات الحرب وتراجع الثقة بالمؤسسات ،ويقول: مدونة السلوك الوظيفي ليست أمراً ثانوياً بل ضرورة لبناء جهاز حكومي سليم، فالقوانين تنظم العمل، أما السلوك فيحدد القيم التي تحكمه وإذا نجحت الوزارة في صياغة مدونة قابلة للتطبيق، وربطتها بآليات للمحاسبة والتحفيز، فستكون بمثابة حجر الأساس لإدارة عامة أكثر نزاهة وفعالية.
التحدي الأكبر كما يرى مختصون لا يكمن في صياغة المدونة، بل في آليات تنفيذها، فالموظف يحتاج إلى بيئة عمل عادلة، وإلى قدوة من القيادات العليا، إضافة إلى برامج تدريبية تعزز ثقافة السلوك المهني، كما أن إدراج المدونة في قانون الخدمة المدنية الجديد يمنحها قوة إلزامية، وهو ما يضمن استدامة تطبيقها وعدم تحولها إلى شعار نظري.
نحو ثقافة مؤسساتية جديدة
تأتي هذه الخطوة ضمن مشروع أشمل لإصلاح الوظيفة العامة في سوريا، يشمل إعادة تعريف هوية الوظيفة الحكومية، تحديث أنظمة الموارد البشرية، وتوسيع مفهوم الخدمة العامة لتلبية احتياجات المواطنين بكفاءة وشفافية.
ومدونة السلوك المنتظرة قد تكون بداية تحول ثقافي داخل المؤسسات، ويصبح الالتزام بالقيم المهنية معياراً للتفاضل الوظيفي، ومصدراً لاستعادة ثقة المواطن بجهاز الدولة.