أكاديميون يشرحون  الإصلاح النقدي والاستقرار المالي..  تغيير العملة سيؤدي لارتفاع البطالة ..اذا  لم !

الثورة – عبد الحميد غانم:

نظمت كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، بالتعاون مع غرفة تجارة دمشق، اليوم، ورشة عمل حملت عنوان “استراتيجيات الإصلاح النقدي والاستقرار المالي في سورية”، وذلك في قاعة المؤتمرات بالكلية.


الورشة جاءت في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي تواجهها سوريا، والتي تستدعي بحث خيارات متعددة لتحقيق التعافي وتحسين الأداء الاقتصادي والمالي الوطني،
وركزت على محاور رئيسية عدة، لفهم واقع الإصلاح النقدي وآفاقه، حيث ناقشت مفهوم الإصلاح النقدي وأهميته في مواجهة التحديات الاقتصادية الحالية، وقامت بتحليل مكونات الاستقرار المالي ودوره الحيوي في حماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية والداخلية، كما بحثت السبل الكفيلة بتعزيز الثقة في القطاع المصرفي السوري وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وجرت مناقشة دور السياسات المالية والنقدية في دعم الليرة السورية وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وخاصة في ظل انتشار ظاهرة “الدولرة” غير الرسمية ومشروع “حذف الأصفار” كجزء من الإصلاح، كما شهدت الورشة تقديم عروض تحليلية من قبل عدد من الأكاديميين والخبراء الاقتصاديين.

مخاطر “التغيير الشكلي”

نائب عميد كلية الاقتصاد، الدكتور ياسر المشعل، قدم رؤية حول استراتيجية الإصلاح النقدي في سوريا من منظور اقتصادي نظري وتطبيقي، مع التركيز على التحديات وفرص التطبيق في المستقبل، إذ أكد أن عملية تغيير العملة، ستؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الاستهلاك والإنتاج إذا لم تترافق بإصلاح اقتصادي حقيقي.
وقدم د. المشعل تحليلاً عميقاً لأزمة السياسة النقدية في سوريا وخارطة طريق للإصلاح، محذراً من أن أي تغيير شكلي للعملة من دون إصلاح حقيقي، سيفاقم الأزمة الاقتصادية ويدفع بالبلاد نحو سيناريو متشائم.

استعادة الثقة

ويرى أن الاستقرار المالي الشامل، يمثل حجر الزاوية في أي إصلاح نقدي، وهو لا يقتصر على استقرار الأسعار واستقرار المؤسسات المالية والمصرفية فحسب، بل يمثل “حالة لصمود الاقتصاد في مواجهة الأزمة”.
ويتحقق هذا الاستقرار من خلال تعزيز الشفافية ومكافحة المضاربة وإدارة المخاطر بكفاءة، ما ينعكس إيجاباً على ثقة الجمهور بالنظام المالي واستقرار سعر الصرف والنمو الاقتصادي على المدى القصير والطويل.

دعم السيولة

السياسة النقدية وحدها عاجزة عن معالجة الأزمة، حسب د. المشعل، ولا بد من تنسيقها مع السياسات المالية والاقتصادية الأخرى، وخاصة ما يتعلق بـدعم السيولة الحكومية وتوجيه الائتمان نحو القطاعات الإنتاجية، لأن هناك علاقة مباشرة بين زيادة فعالية الإنتاج الحقيقي ومعالجة الأزمة النقدية.

الإصلاح النقدي

حدد المشعل مراحل للإصلاح النقدي، المرحلة الأولى وقف التدهور وتحقيق الاستقرار الاسمي، وتتركز على تحقيق هدفين رئيسيين: وقف التدهور النقدي من خلال كبح العجز الحكومي الممول بالإصدار النقدي، والتحكم في كمية النقد المتداول، وإدارة السيولة النقدية بمعدلات تتناسب مع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وليس عبر التدخل المباشر.

سياسة  مرنة

في المراحل التالية، ينتقل الإصلاح نحو سياسة نقدية مرنة ومبتكرة، ترتكز على استخدام أدوات نقدية مباشرة بدلاً من الاعتماد على التدخل في السوق، وعلى تعزيز البنية التحتية المالية وشبكات التحويل الإلكتروني التي تساهم في تحقيق الاستقرار النقدي بشكل أكبر”، وكذلك دعم الصادرات عبر حزمة إجراءات شاملة لتعزيز القدرة التنافسية.

تغيير العملة

عرض المشعل السيناريو المتفائل للإصلاح الشامل والثقة الكاملة، حيث يشترط هذا السيناريو إصلاحات اقتصادية ومالية شاملة ومتزامنة مع تغيير العملة، بالإضافة إلى استقرار أمني وسياسي كامل ودعم دولي فعال، وكذلك ثقة الجمهور بالبنك المركزي والإجراءات المتخذة.
أما اختيار السيناريو الواقعي الذي يقوم على إصلاحات جزئية ونتائج محدودة، فتكون الإصلاحات الاقتصادية بطيئة وجزئية وغير شاملة، مع استقرار سياسي وأمني نسبي، وتوعية متوسطة للجمهور.

السيناريو المتشائم، بحسب مشعل يعني الفشل وانهيار القيمة

هو الأسوأ بين السيناريوهات، ويحدث عندما لا يرافق تغيير العملة أي إصلاحات اقتصادية، مع استمرار الاضطرابات السياسية والأمنية واستمرار العقوبات الاقتصادية، وفشل كامل في التوعية وإقناع الجمهور، وتكون العواقب عودة التضخم بقوة، انهيار سعر الصرف لمستويات جديدة، وفقدان كامل للثقة بالعملة والنظام المالي.
ويبقى السيناريو الأكثر احتمالاً في ظل الواقع الراهن، هو السيناريو الواقعي مع ميل نحو التشاؤم، ما لم يتم تبني برنامج اقتصادي متكامل قادر على معالجة الجذور الهيكلية للأزمة.

د. حساني: حذف الأصفار بين الوهم والحقيقة

نائب عميد الكلية للشؤون العلمية، الدكتور عبد الرزاق حساني، ناقش في محاضرته الخيارات المتاحة للسياسة النقدية بين محاربة “الدولرة” وحذف الأصفار، مع إبراز التأثيرات المتوقعة على الاقتصاد الوطني.
إذ حذر من الحلول الشكلية، وطالب بإصلاح شامل للنظام النقدي السوري، مؤكداً على أن حذف الأصفار ليس حلاً سحرياً وسيعود التضخم من النافذة إذا خرج من الباب”.
وقدم رؤية شاملة حول تحديات السياسة النقدية في سوريا وسبل معالجتها، مع التركيز على قضيتي “الدولرة” و”حذف الأصفار” من الليرة السورية.

مخاطر الدولرة

حذر د. حساني من خمس مخاطر رئيسية لـ”الدولرة”، هي فقدان القدرة على إدارة السياسة النقدية، حيث لا يمكن طباعة العملات الأجنبية أو التحكم في مخزونها، و تعطيل أدوات السياسة النقدية، ما يؤدي إلى ضعف شديد في تأثيرها، وتزايد تشوهات الأسواق والأسعار، حيث يسعر معظم الناس بضائعهم بالدولار، بينما يتقاضون رواتبهم بالليرة، إضافة إلى ارتفاع مستوى مخاطر النظام المصرفي، بسبب الانكشاف لمخاطر الائتمان بالعملات الأجنبية، وارتباط الاقتصاد الوطني بقرارات البنوك المركزية الأجنبية، وخاصة الفيدرالي الأميركي والمركزي التركي.
أما عن التكاليف الاجتماعية والاقتصادية، فأشار إلى أن “الدولرة” ساهمت في زيادة الفوارق الطبقية، حيث يحصل أصحاب الدخل بالعملات الأجنبية على مزايا كبيرة مقارنة بأصحاب الدخل بالليرة السورية، ما أوجد “فجوة طبقية كبيرة جداً.

حذف الأصفار

د. حساني حلل الدوافع المحتملة وراء التوجه نحو حذف الأصفار، موضحاً أنها تأتي من أجل تسهيل العمليات المحاسبية، و تحسين الصورة الذهنية للعملة لدى المواطنين، وإطلاق هوية بصرية جديدة للعملة بعيداً عن “رموز النظام البائد” المرتبطة في الأذهان “بتدهور مستوى المعيشة.
وحذر من أن حذف الأصفار لا يقلل معدل التضخم، بل هو تغيير شكلي وليس تغييراً في جوهر الاقتصاد، كما أشار إلى التكاليف الباهظة لهذه العملية.
وخلص إلى أنه من دون برنامج إصلاح شامل، فإن أي عملية حذف أصفار ستكون مجرد “تغيير شكلي” وسيعود التضخم، ما سيفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في سوريا.

محمد حلاق: إصلاحات عاجلة

من جانبه، سلّط الخبير الاقتصادي محمد حلاق الضوء على جذور  الأزمة النقدية والمالية، معتبراً أن “انعدام الثقة” في القطاع المصرفي والسياسات النقدية السابقة يشكلان التحدي الأكبر.
وأشار إلى أن تراكمات السياسات “الفاشلة” على مدى 14 عاماً، إلى جانب التداعيات الكارثية لانهيار القطاع المصرفي في لبنان الذي كان ملاذاً لمدخرات السوريين، أوقعا الاقتصاد في حالة من “الشلل” وشبه التوقف، داعياً إلى إصلاحات عاجلة تعيد الثقة وتستعيد الأموال “المنهوبة”.
ووفقاً للحلاق، فإن الاقتصاد السوري يعاني من “تشوهات كثيرة في العلاقات” دفعت الكثيرين إلى التحفظ عن الاستثمار في الصناعة والتجارة، بينما لجأ آخرون إلى “مغامرات بطرق ملتوية”.
وأرجع جزءاً كبيراً من الأزمة إلى انهيار  القطاع المصرفي في لبنان، الذي كان يشكل “معوضاً كبيراً” للاستثمار ومكاناً لودائع الصناعيين والتجار السوريين الذين كانوا يعتمدون عليه في تحويل عائدات الصادرات ودفع ثمن المواد الأولية، وقد أدى هذا الانهيار إلى “إضرار كبير” برجال الأعمال وفقدان جزء كبير من المدخرات الوطنية.
وأشار إلى أن “إعادة تبديل العملة” قد تكون أحد الحلول غير المعلنة لإعادة الكتلة النقدية إلى المصارف، لكنه شدد على أن أي إجراء لا يصاحبه استعادة الثقة سيفشل.

مقترحات للإصلاح

حلاق اختتم  بالتأكيد على أن الاستقرار النقدي ليس رفاهية، وإنما ضرورة، وأن غيابه أدى إلى صعوبة كبيرة على حياة المواطنين، داعياً إلى معالجة جذرية للأزمة من خلال إجراءات تعيد الثقة للنظام المالي، وتحفز الاستثمار والإنتاج، وتعالج التشوهات الهيكلية، معرباً عن أمله في أن الجهود الحالية للبنك المركزي واللجان المعنية قد تبدأ في إظهار نتائج إيجابية قريباً.
وشدد على أن أي جهود لخفض الأسعار لا يمكن أن تبقى قيد الانتظار، بل يجب أن تكون جزءاً من خطة إصلاح شاملة وملموسة.

يذكر أنه ترأس الجلسة رئيس قسم الاقتصاد في جامعة دمشق، د. أحمد صالح،  الذي أوضح أن الهدف الأساسي هو فهم أعمق لواقع التحديات والفرص، وبناء الثقة مع النظام المالي بما يدعم النمو الاقتصادي المستدام وتمهيد الطريق لإعادة التعافي الاقتصادي.
كما أكد عميد الكلية الدكتور علي كنعان أهمية الورشة وأنها تشكل منصة علمية مهمة لإنجاز نقاش مستفيض حول مستقبل الإصلاح النقدي والاستقرار المالي في سوريا، وسط مشكلات اقتصادية تتطلب حلولاً متوازنة ومتكاملة.
ودعا إلى توسيع آفاق التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص والجهات الحكومية لتحقيق أفق اقتصادي أفضل يعزز من قدرة الاقتصاد ويخدم تطلعات المواطنين لتحسين ظروفهم المعيشية.

آخر الأخبار
حلب تطلق حملة للكشف المبكر عن سرطان الثدي "مياه درعا" تكشف السبب الرئيسي لتلوث المياه في نوى مناقشة تطوير الاستثمار الوقفي في ريف حلب و"فروغ" المحال الوقفية وزير الأوقاف يزور مصنع كسوة الكعبة المشرفة جهود لتحسين الخدمات بريف دمشق دراسة إشراك العاملين في حكومة الإنقاذ سابقاً بمظلة التأمينات الاجتماعية أكاديميون يشرحون  الإصلاح النقدي والاستقرار المالي..  تغيير العملة سيؤدي لارتفاع البطالة ..اذا  لم ! مفاضلة القبول الجامعي تسير بسهولة في جامعة اللاذقية مرسوم رئاسي يمنح الترفع الإداري لطلاب الجامعات اجتماع الهيئة العامة لـ"غرفة دمشق": الشراكة لتعزيز الصناعة والتنمية الاقتصادية تبادل البيانات الإحصائية..  مشاركة سورية فاعلة للاستفادة من التجارب العالمية  " المالية"  تغيّر خطابها.. من الجباية إلى الشراكة مع " الخاص" الشيباني يجتمع مع وزير الدفاع اللبناني في السعودية ما دلالة انعقاد المؤتمر الدولي حول الأسلحة الكيميائية في سوريا؟ بخبرات سورية مكتسبة…عمليات قلبية مجانية بمستشفى ابن رشد في حلب صحة الأم النفسية، صحة الجنين.. كيف يؤثر التوتر على الحمل؟ صحة درعا تطلق حملة الكشف المبكر عن سرطان الثدي انهيار في مبنى "الداخلية" يخلف جرحى الضحايا تحت الأنقاض.. والطوارئ في سباق مع الزمن الشيباني يلتقي وزير الدولة الألماني للتعاون الاقتصادي في السعودية الشيباني يلتقي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في السعودية