في مقالة نشرتها مجلة بوليتيكو انتهى ريشتارد سوكولسكي وأرون ديفيد ميلر للقول بأن ممارسة العقوبات المتزايدة على إيران لن تفضي إلى النتائج التي ترغبها واشنطن، وأن لها منعكساتها التي لا تقتصر على إلحاق الضرر بالشعب الإيراني فحسب، بل أنها ستفضي أيضاً إلى تصعيد التوترات الإقليمية، وعلى الرغم مما يمكن أن تحققه إدارة ترامب من إلحاق الأذى بإيران، إلا أنها لن تتمكن من السيطرة على ما يمكن أن يقوم به نظامها من ردود أفعال أو أنها تتمكن من إحداث تغيير جوهري في السلوك الإيراني الإقليمي.
تتوعد الاستراتيجية الأميركية بفرض المزيد من العقوبات الصارمة بحق الشعب الإيراني، مما يؤدي إلى المزيد من التوترات في المنطقة، والمزيد من الانقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، فضلاً عن المزيد من مخاطر احتمال نشوب نزاع إيراني- أميركي وما ينجم عنه من تداعيات خطيرة لا يمكن التنبؤ بها تنعكس سلباً على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
ولا ريب بأن سوكولسكي وميلر كانا على صواب في رؤيتهما، فسياسة الإدارة الأميركية القائمة على فكرة تغيير النظام لن تحقق لها ما تهدف إليه، ذلك لأن التغيير المستهدف إن حصل فإنه سينطوي على مخاطر جمة، كما أنه من خلال التجارب التي مررنا بها على مدى 18 عاماً الأخيرة، عرفنا بأن تغيير الانظمة لن يخلف سوى المزيد من الفوضى، وزعزعة الاستقرار أكثر من ذي قبل، إذ إنه من المرجح أن يكون إسقاطه سببا في استنهاض همم المسلحين والطائفيين والمتشددين، علماً بأننا لا نتوقع إمكانية إسقاط الحكومة الإيرانية القائمة، ويبدو أن ما نشهده في الوقت الحاضر يقتصر على بذل المساعي في البحث عن أسباب يمكن لها أن تفضي من حيث النتيجة الى مزيد من الحصار على إيران.
وفي هذا السياق، كتب جودا غرونشتاين في عموده الصحفي بأنه في حال حققت سياسة ترامب نجاحات ملموسة حيال إيران فإن ذلك النجاح سيكون وبالاً عليها نظراً لما سيحمله من عواقب كارثية للولايات المتحدة وإيران والمنطقة المحيطة بها. ورأى أنه من المرجح أن يقدم النظام الإيراني في مرحلة احتضاره على إتباع ردود خطيرة تلحق الأذى وتفضي إلى تهديد المصالح الأميركية ومصالح حلفائها في المنطقة، ويضاف إلى ذلك ما اتضح للملأ عبر الاطلاع على عقابيل ما حدث جراء تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط إذ تبيّن بأن المستفيدين من التغيير هم المسلحون الذين يشكّلون مجموعات منظمة.
كما أن الحرس الثوري لن يقف مكتوف الأيدي محافظاً على ضبط النفس بل أنه من المرجح أن يعمد إلى استهداف الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وسيكون من الصعوبة بمكان احتواء تأثيره على إمدادات النفط الأمر الذي ينعكس على الاقتصاد العالمي بشكل عام.
تعدّ إيران أحد أكبر دول المنطقة وأكثرها استقراراً نسبياً، ومهما كانت الخلافات الأخرى بين الولايات المتحدة وإيران فينبغي لواشنطن وحلفائها في المنطقة الكف عن ممارسة الضغوط على طهران كي تتمكن من تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة. وفي هذا المقام، نتساءل عما يمكن أن تجنيه الولايات المتحدة جراء زعزعة الاستقرار ونشر الدمار في هذا البلد؟ إذ إن إسقاط الحكومة الحالية يعني بالضرورة ترك عشرات الملايين من الإيرانيين يعيشون الفوضى والاضطرابات والحرب الطويلة المدى. وبناء عليه يتعين على من يدعي اهتمامه برفاهية الشعب الإيراني أن يتجنب الوصول إلى تلك النتائج الأليمة. إذ أن تضييق الخناق اقتصاديا على البلد بهدف إشعال الاحتجاجات ضد الحكومة أمر يتناقض مع السلوك الأخلاقي ولن يجدي نفعاً، كما وأنه من غير المسوغ ما يتم من محاولات لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في بلد يبلغ تعداد سكانه ما يناهز ثمانين مليون نسمة بغية تحقيق أهداف ومصالح مجموعات من العملاء الإقليميين المتهورين، وعلى الرغم مما نشهده من حقيقة إخفاق سياسة ترامب حيال إيران، فإن الأمل يحدونا بألّا تحقق تلك السياسة أو تقترب من النجاح بشكل مطلق.
The American Conservative Magazine
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الثلاثاء 30-4-2019
رقم العدد : 16967