الداخـــــل الســــــوري والقــــــراءة السياســـــية

 

في القراءة التحليلية للحرب على سورية وهي تدخل عامها التاسع تبرز أمامنا مجموعة من المعادلات السياسية، والجغرافية، والاقتصادية بما يشير إلى خطورة التكالب الأمروأطلسي على بلدنا حتى لا يكون الميدان هو الورقة التي تتحدد بموجبها طبيعة الأوراق الأخرى، وقد لاحظنا من سيرورة الحرب على الإرهاب كيف كان التدخل العسكري الأمروأطلسي سريعاً في الزمن الذي انهارت فيه جبهات الإرهاب وتمحور الوجود الإرهابي في رقعة محددة من الأرض السورية حتى يُنظرَ بهذا الوجود إقليمياً ودولياً، وتحل المسألة بإخراجهم من أراضينا، ودخول الدولة إلى المناطق التي وقعت تحت السيطرة الإرهابية كما حصل في جميع المناطق السورية من الجنوب إلى الوسط إلى الشمال، ولم تبقَ المسألة محصورة بالتقدم الميداني لجيشنا وحلفائه بل سعت أميركا لإظهار العامل السياسي الانفصالي الكردي حتى تُبقي الطريق إلى التقسيم الجغرافي لسورية مفتوحاً، ولو أدى هذا الحال إلى المسّ بالأمن التركي مبدئياً لأن أردوغان مهما ادّعى من حرص على أمن تركيا فهو في نهاية كل موقف تحت السيطرة الأمروصهيونية وليس له بسببٍ من سياساته أيُّ خيار آخر، والإجراء الأخير للحلف الأمروصهيوني هو التقطيع الجغرافي للمنطقة الحدودية بين سورية والعراق كي يحول بين العراق، وسورية، وإيران ويقطع الطريق البري لمنع جبهة المقاومة من التواصل على الأرض.
وفي مسألة عودة المهجرين رأينا كيف تحول أميركا وحلفاؤها دون عودتهم بادعاءات كاذبة، وها هي تحتجز أكثر من أربعين ألف مهجّر في مخيم الركبان، وتعرضهم لأشنع الجرائم غير الإنسانية، وتجبر الشباب فيهم على التطوع في جيش المغاوير كما يسمّونه، وهو بالنتيجة سيكون إحدى فصائل الإرهاب التي تعدُّ داخل سورية، وفي قواعد أميركية معتدية وليست شرعية بالعرف الدولي، ومواثيق الأمم، وبالوقت الذي شعرت فيه أميركا ترامب أن كل ما اتخذته من إجراءات، وما قدّمته من مساعدات لفصائل الإرهاب لن يصل بها إلى أي هدف من أهدافها المعلنة، والخفيّة، وشعرت أيضاً بأن آليات عمل آستانا، وسوتشي قد تحرّك حليفها أردوغان نحو التفكير بالمصالح الأمنية لتركيا أكثر من تركها عرضة للمخططات الأميركية المتعلقة بالعامل الكردي، ومن المعروف بأن أوامرها هي التي تجعل أردوغان غير جادٍ بتطبيق اتفاق سوتشي المتعلّق بإدلب، وهي التي تجبر أردوغان رغم نقاط المراقبة الـــ 12 التي وضعها في منطقة إدلب وشمال غرب حلب بزعم أن يضبط منطقة خفض التصعيد المتفق عليها، على عدم تنفيذ أي شيء مما تقرر في سوتشي وعلى العكس تتحرك النصرة بأثوابها المختلفة تحت ظل الجيش التركي، ورعايته حتى في اعتداءاتها على مراكز الجيش السوري في مناطق التماس خصوصاً شمال حماة، وكلما تم الإعلان عن نسخة جديدة من أستانا تقوم أميركا بتشجيع الإرهابيين على الهجوم على مراكز الجيش في جميع المحاور حتى تعطي الانطباع للذين يجتمعون في أستانا، وغيرها بأن الوجود الإرهابي في مناطقه الحالية لن تحل مسألته بدون الرأي الأميركي، ومراعاة ما خططت له أميركا على الأرض السورية، وما زالت تخطط.
وآخر مظاهر الغطرسة الأميركية هي الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب السوري لحرمانه من جميع أسباب عيشه، ووضعه أمام عتبة التنازلات المطلوبة مكرهاً، ولما كانت أشكال الحصار الأميركي تطال روسيا، وإيران، وسورية، وحزب الله، وكل من يتعامل معهم فمن الطبيعي أن تكون علاقة المصير المشترك مؤدية إلى موقف موحّد مشترك للدفاع عن المصالح الوطينة للأطراف بكاملها، ولقد اعتدنا على أن كل إعلان عن تعاون أكبر بين سورية وروسيا ترافقه آراء لبعض المشكّكين الذين لا يريدون أن تزداد عناصر القوة في موقف الدولة وجيشها الباسل.
وكلما ظهرت مشاريع احتلال أميركي أطلسي جديدة على الأرض السورية لا نجد هؤلاء يستنكرون هذه المشاريع وكأن المطلوب هو توسيع احتلال أميركا، وقوى التحالف على حساب السيادة السورية على الأرض، وآخرُ الأوراق القذرة بالتزامن مع اجتماع أستانا 12 هو التخطيط لاحتلال منطقة الميادين، والبوكمال، لكيلا تبقى الطرق البرية واصلة إلى هذا الحد من الاعتداء على بلدنا الغالي ألا يجدر بنا أن نتداول بموقفنا الداخلي، ونحاور شعبنا الصامد حول العوامل الداخلية المطلوبة منا كشعب بجميع أطيافه السياسية، والاجتماعية، والثقافية بهدف تصليب الموقف الداخلي لشعبنا، ودولتنا الذي يمثل أهم جبهة من جبهات النصر على الإرهاب، وداعميه من الحلف الأمروصهيوأوربي، وأيضاً حين تعلن الدولة الشرعية على لسان مسؤوليها بأن الوجود الأجنبي على أي رقعة من الأرض السورية إن لم يتوافق مع سيادة الدولة على أرضها سيتم التعامل معه على أنه وجود عدواني وللدولة الحق الكامل في مقاومته، وإنهائه.
ولكل هذه الأحوال تصبح الجبهة الداخلية اليوم هي العامل الأهم في المواجهة وكلما تم توسيع فضاءات التفاعل الداخلي، والتعاضد الوطني، والفهم المشترك لطبيعة حرب الوطن ضد أعدائه من الإرهاب الدولي، والدول الداعمة له، كانت وتائر الصمود الداخلي تتصاعد، وتقوى المناعة الوطنية للوطن المستهدف، وإذا نظرنا إلى الأفكار التي تطرح على بلدنا -على طريق التداول في الحل السياسي- نجدها تتجاهل أهمية النصر الميداني وتستقوي بالعامل الخارجي لفرض وجودها في الداخل لقناعتها بأن صناديق الاقتراع لن تمكّنها من المحاصصة في المجالس التمثيلية، ومن هذا الشأن نلاحظ كيف تعتمد المعارضات السورية في الخارج على أميركا في فرض أسماء اللجنة الدستورية، أو فرض صيغ للحل السياسي تقوم على وزارة المناصفة كما رشح مؤخراً في مقترحات سعودية للهيئة العليا وغيرها.
والمهم في كل أمر أن تكون قراءتنا للداخل السوري مبنية على المزيد من التفاعل مع مكونات شعبنا، وأطيافه، ونخبه، وأن نوسّع الجبهة الداخلية المتعاضدة، وأن نخوض معاً حربنا الوطنية العادلة، ونفرض معاً أشكال الحلول السيادية، والضامنة لوحدة بلدنا الجغرافية، والتاريخية، والديمغرافية، والثقافية.
بقلم: د. فايز عز الدين

 

التاريخ: الثلاثاء 30-4-2019
رقم العدد : 16967

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص