هذه المؤامرة الكبرى على الوطن السوري من محيط الوطن الواسع إلى الداخل الوطني ما زالت تنتج أنساقاً من الحقائق ومن أنماط السلوك السياسي والعسكري عند الآخرين حتى لكأن سورية كما وصفها في هذه اللحظة أحد المفكرين الغربيين صارت هي محور العالم المعاصر بما توفر لها من خصائص ومواصفات في ذاتها أو في منهج العدوان عليها أكدت هذا الوصف ولا يما من خلال عنوانين مهمين، الأول هو اتساع وعمق الصراع وما يستتبعه من مواجهات ومعارك عسكرية وسياسية واقتصادية ما بين الوطن السوري وقائمة القوى المعادية والمنضوية فعلاً في تنفيذ حالات العدوان على هذا الوطن، وصار مصطلح الحرب الكونية على سورية مفهوماً ودارجاً باعتبارات هذه النقطة التي تشير إلى كثافة الأحقاد والأطراف المشتركة في إنتاج هذه الأحقاد على الوطن السوري، وأما العنوان الثاني فهو الذي ينطلق بحيثياته واعتباراته مما سوف يحدث من نتائج وتحولات على المستوى العربي والإقليمي والدولي، بعد أن ينهار المشروع المعادي، والمسألة هنا قوية التأثير نظراً لأنها استغرقت كل هذا الزمن الممتد على مدى تسع سنوات وكل هذه المعارك التي استغرقت الجغرافية السورية والشعب السوري في كل زاوية ومنطقة من هذا الوطن ويدخل في هذا الاعتبار أيضاً تفاعلات الصراع على المستوى الإقليمي والدولي حيث تشكلت أطر جديدة وتوضحت معالم اصطفافات جديدة أيضاً وصارت مدارات الحديث عن تحديد المواقع والمواقف واضحة ولا سيما من خلال هذا الحلف السوري الإيراني الروسي وفي عمقه المقاومة الوطنية في كل المنطقة، سواء في لبنان عبر حزب الله أم في العراق الشقيق أم مما تشكل من هذه المقاومة في الداخل السوري على هيئة تنظيمات ومجموعات وقوى شعبية رديفة، إن هذا المستوى من التأطير الكمي والنوعي وقد ظهرت معالمه عبر الواقع العسكري والسياسي لا بد أن يكون له كل هذا التأثير سواء في إدارة المعارك أم في النتائج المترتبة على هذا الصراع بعد انقشاع غيومه السوداء، إن كل هذه الأبعاد تحيط بنا في التحليل وتنقلنا مباشرة في النسق العاطفي القائم على التوصيف والحالة المعنوية إلى مستوى آخر يستدعي المنهجية والتدقيق في تحديد جوانب الأزمة وفي تحليل مسارات الصراع، فاللحظات التاريخية حينما تحتضر بكل مضامينها وبكل ما تحمله من دوافع وعوامل تغيير الواقع لا بد أن نمسك بها ونعتمدها كجذر وامتداد في مواكبة ما يجري الآن وما سوف يؤول إليه الصراع على إيقاع الزمن غداً أو بعد غد، ذلك أن التجربة الوطنية السورية أطلقت معايير جلية هذه المرة وقد كان المطلوب بالمشروع المعادي أن تصمت وتتلاشى حركة الفعل الوطني السوري بكل ما تحمله من أبعاد فكرية ومعنوية وبكل الاستحقاقات التي قدمها هذا الوطن في جوف هذا الصراع الشامل ولا سيما من خلال الشهادة والشهداء ومن خلال هذا الأداء الوطني الشعبي والاجتماعي ومن خلال هذا الصبر الذي أبداه المواطن السوري وهو محاصر بالنار وباحتياجات لقمة العيش وبمتطلبات الأمن والسلام الاجتماعي، إن القصة ليست عادية ومع مرور الزمن سوف تتكاثر إلى درجة الفيضان، مناهج الإحاطة بسورية وبكل ما مر عليها في هذه المرحلة من تحديات وبكل ما أبداه الوطن السوري من صمود ومقدرة على تلبية الوطن في لحظات الخطر والمصير، وهنا نستطيع أن نلتقط مباشرة ثلاثة اتجاهات أساسية انتجتها حالة الصراع الشامل في سورية وعليها، وهذه الاتجاهات هي مجرد الدفقة الأولى من اعتبارات لا تنضب ويتوالد بعضها من البعض الآخر دون توقف ودون غياب.
1- أما الاتجاه الأول فهو درس التاريخ بما كان وبما هو كائن وبما سوف يكون بعد ذلك، وقد كشف الصراع من خلال العدوان على سورية حقيقة مؤلمة ولكنها قائمة وهي أن منابع العدوان ما زالت في مكانها وفي أخلاقياتها، إنه الغرب الاستعماري بشقيه الأميركي والأوروبي والحركة الصهيونية بكل اعتباراتها وتداخلاتها بهذا الجسم الاستعماري الغربي وتركيا، إنها ذات القوى الاستعمارية القديمة والكلاسيكية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وأميركا وهذه القوى لم تشبع من الحروب في القرن العشرين ولم تتوقف عند أنهار الدم التي سفكت فيها أرواح ملايين البشر الأبرياء، وهذه القوى تتجدد باستمرار ولكنها تخزن وتختزل وتتلطى خلف الظروف ثم تنفث سمومها في اللحظة المناسبة كما تقدر.
2- وفي الاتجاه الثاني نتابع أطوار التجديد في الحركة الاستعمارية ضد سورية وبلاد الشام عموماً وقد اهتدت قوى العدوان إلى مادتين هما إنتاج الإرهاب الذي سوف يندفع بشراهة وانتشار ليخدم التيار الاستعماري الصهيوني بكل ما فيه من أهداف وقناعات وصيغ سياسية وعسكرية، وهذا الإرهاب هو المولود الشرعي للغرب الاستعماري وهو أداة مستجدة وخبيثة في تدمير حضارات العالم، والمادة الثانية التي اهتدوا إليها هي تسليح الإرهاب والمشروع الاستعماري بلافتات دينية إسلامية حتى لكأن المسألة تبدو جهاداً وجهاديين والغرب هو الذي يبارك ويحمي ويحتضن هذا الإرهاب تحت مسمى الجهاد والجهاديين.
3- وفي الاتجاه الثالث تنبعث العبرة والأهم والدرس الأبلغ من خلال صمود الوطن السوري من جهة واستغراق كل هذه الأعوام على درب الآلام والكيفيات المبدعة التي أنتجها الأداء الوطني السوري في مواجهة القتلة وفي اكتساب الخبرة العسكرية في الميدان والسياسية، في الحوار والاجتماعية، في الصبر والتكامل الاجتماعي، وكان في عمق ذلك هذا الأداء الممتد ليس زمنياً فحسب ولكن من خلال تشعبات القوى المعادية والتي تمتد من أميركا خارج الحدود إلى الاستغلال والانتهاز والفساد الداخلي حتى لكأن المعارك بدت مع عدو هو تآمر من الخارج، وفساد واستغلال من الداخل، وفي هذا المدى كانت روعة الأداء الوطني السوري.
بقلم : د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الثلاثاء 30-4-2019
رقم العدد : 16967