الثورة – عبد الحميد غانم:
من طريق الحرير القديم إلى مشاريع الإعمار والطاقة الخضراء، تعود العلاقات السورية – الصينية اليوم لتتقدم بخطوات لافتة على خارطة الاقتصاد الإقليمي. فالزيارة الأخيرة لوزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني، إلى بكين لم تكن مجرد محطة دبلوماسية، بل إشارة واضحة إلى مرحلة جديدة من التعاون تفتح الباب أمام شراكة اقتصادية واسعة، بما يجعل الصين أحد أبرز المرشحين للعب دور محوري في إعادة بناء سوريا خلال السنوات المقبلة.
وأكد البيان المشترك الصادر عن الجانبين بعد الزيارة، استعدادهما لمناقشة “التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية، وإعادة إعمار سوريا، وبناء القدرات، وتحسين معيشة الشعب السوري، من بين مجالات أخرى ذات اهتمام مشترك”.
ويوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عامر ديب، في حديثه لصحيفة “الثورة”، أن زيارة وزير الخارجية والمغتربين إلى الصين تُعد خطوة استراتيجية في ظل حاجة الاقتصاد السوري إلى شراكات دولية تقدم التكنولوجيا والتمويل والاستثمار.
ويرى ديب أن الزيارة تميزت بمحاور أساسية شملت: لقاءات مباشرة مع شركات السيارات الكهربائية والطاقة، بحث فتح خطوط توريد جديدة للمعدات الإنتاجية، مناقشة فرص الاستثمار في قطاعات الخدمات والنقل والطاقة، وتعزيز التعاون بين غرف التجارة في البلدين.
ويتوقع أن الزيارة قد تحقق نتائج إيجابية، أبرزها: توسيع نطاق التبادل التجاري بين رجال الأعمال في البلدين، إدخال تقنيات صينية متطورة في مجالات النقل الأخضر والطاقة الشمسية، دعم القطاع الصناعي السوري بمعدات أكثر كفاءة وأقل تكلفة، وتهيئة مناخ استثماري ملائم لمشاريع إعادة الإعمار، إلى جانب تعزيز الروابط الاقتصادية والدبلوماسية بين البلدين.
كما يشير إلى أن شركات صينية عملاقة مثل “هواوي” و”بي واي دي” و”سينوبك” تُعد من أبرز الجهات المرشحة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا.
ويعتبر ديب أن الزيارة ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل هي إعلان عملي عن بداية مرحلة جديدة من الشراكة، حيث يصبح التعاون الاقتصادي والتقني جسراً يعبر من خلاله البلدان نحو آفاق أكثر إشراقاً في عالم يتجه بقوة نحو الطاقة النظيفة والتحول الرقمي والاقتصاد الأخضر.
علاقات تاريخية

جذور العلاقات بين سوريا والصين تعود إلى طريق الحرير التاريخي، حيث كانت دمشق محطة رئيسية للقوافل الصينية المحملة بالحرير والبهارات.
ويقول ديب: إن البعد الحديث للعلاقات بدأ رسمياً في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت سوريا من أوائل الدول العربية التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية.
ويضيف إن العلاقات شهدت تطوراً متسارعاً عبر العقود، حيث شاركت الصين في مشاريع تنموية كبرى شملت بناء الجسور والسدود، وتطوير الصناعات النسيجية والهندسية، وتوريد المعدات التقنية للقطاعين الصناعي والطاقة.
ويعتقد ديب أن الصين اليوم أصبحت القوة الاقتصادية الأولى عالمياً وفق معايير القوة الشرائية، وتقترب بسرعة من التفوق على الولايات المتحدة في الناتج الإجمالي الاسمي، مستندة إلى ركائز أساسية أبرزها: كونها أكبر قاعدة صناعية في العالم، وهيمنتها على سلاسل توريد المعادن الاستراتيجية، وريادتها في التكنولوجيا والسيارات الكهربائية، إضافة إلى كونها الشريك التجاري الأول لأكثر من 120 دولة، فضلاً عن مشروع “الحزام والطريق” الذي يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي.
ويلفت ديب إلى أن الصين حافظت على موقعها كشريك اقتصادي مهم لسوريا، تواصل تزويدها بالآليات والمعدات الصناعية، وتقديم حلول في تكنولوجيا الطاقة المتجددة، كما تشارك في مشاريع البنى التحتية، وتوفير السلع الاستهلاكية والتجارية.
ويصف ديب علاقة سوريا مع الصين بأنها “شراكة استراتيجية في عالم متغير”، قائلاً: “تمثل العلاقات السورية – الصينية نموذجاً لتحالف متجذر في التاريخ ومتجه نحو المستقبل. ففي الوقت الذي تستعد فيه الصين لقيادة الاقتصاد العالمي، تبحث سوريا عن شركاء استراتيجيين يساهمون في برنامج إعادة الإعمار والتنمية”.