الثورة – ميساء العلي:
في خطوة تعكس بوادر عودة سوريا إلى خريطة الاقتصاد العالمية بعد سنوات من التحديات والعزلة، بدأت البلاد تُظهر مؤشرات ملموسة على التعافي والنمو.
زيارة فريق خبراء صندوق النقد الدولي إلى دمشق، التي اختُتمت الأسبوع الماضي، لم تكن مجرد جولة تقييمية، بل حملت إشادة واضحة بالسياسات المالية والنقدية التي اعتمدتها الحكومة، وفتحت بوابة لمرحلة جديدة من التطوير الاقتصادي قد تغير وجه البلاد نحو الاستقرار والازدهار.

وقال المحلل الاقتصادي شادي سليمان لصحيفة “الثورة”: إن زيارة وفد خبراء صندوق النقد الدولي إلى سوريا تُعد خطوة بارزة بعد سنوات من العزلة، لتقييم الوضع الاقتصادي السوري ومناقشة أولويات الإصلاح مع الحكومة، مضيفاً أن إشارة الوفد إلى مؤشرات التعافي تفتح آفاقاً جديدة للنمو.
وأوضح سليمان أن بيان بعثة الصندوق ربط بوادر التعافي بتحسن شعور المستهلكين والمستثمرين، نتيجة إعادة اندماج سوريا في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، إضافة إلى عودة أكثر من مليون لاجئ إلى البلاد، فضلاً عن السياسات المالية والنقدية الصارمة التي تبنتها الحكومة لضمان استقرار اقتصادي شامل.
ولفت إلى أن النمو لا يقتصر على عودة الأرقام الإيجابية، بل يشمل دلالات أوسع تتعلق بالاستقرار السياسي والاجتماعي.
تفاؤل حذر
وأشار الخبير الاقتصادي إلى ضرورة “التفاؤل بحذر”، إذ لا تزال تحديات كثيرة تقف أمام طريق النمو، من بينها ملف الديون والبنية التحتية المدمرة جراء الحرب، إضافة إلى محدودية القدرات المؤسساتية، خاصة لدى وزارة المالية ومصرف سوريا المركزي، اللذين يحتاجان إلى إعادة تأهيل وبناء قدرات لتطبيق الإصلاحات.
كما أشار صندوق النقد الدولي إلى غياب بيانات إحصائية دقيقة، الأمر الذي يعيق تقييم السياسات وصياغة الإصلاحات بشكل فعّال.
ولفت سليمان إلى أن الصندوق اقترح نقاطاً عدة لإصلاح الاقتصاد السوري، منها إصلاح الموازنة، وتعزيز الإيرادات، وترسيخ السياسة النقدية، وتحسين مناخ الاستثمار.

دعم مرتقب
وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في ختام الزيارة أن النقاشات المالية حول صياغة موازنة الحكومة لعام 2026 تهدف إلى زيادة “الحيز المالي” لتلبية الاحتياجات الأساسية ودعم الفئات الأكثر ضعفاً، على أن تكون الموازنة مبنية على افتراضات واقعية.
وأكد الصندوق أنه سيقدم مساعدة فنية شاملة لتعزيز الإطار المالي، بما في ذلك المساعدة في تحسين الإدارة المالية العامة وإدارة الإيرادات، ووضع اللمسات الأخيرة على تشريع ضريبي جديد يكون بسيطاً وتنافسياً، إضافة إلى وضع استراتيجية لمعالجة إرث سوريا من الديون وتعزيز إدارتها.
وشدد الصندوق على أهمية الالتزام بمعايير الحوكمة الجيدة عند إعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة وتنفيذ مشاريع استثمارية كبرى بالتعاون مع القطاع الخاص.
كما بدأ موظفو الصندوق مناقشات حول تطوير إطار مناسب للسياسة النقدية من شأنه دعم استقرار التضخم عند مستويات منخفضة، مع مراعاة التحديات الحالية في النظام المالي.
وذكر الصندوق إلى أن البيانات الاقتصادية الموثوقة لا تزال شحيحة لكنها أساسية لتمكين الحكومة من وضع السياسات الاقتصادية وتنفيذها ومتابعتها، مضيفاً إن المساعدة الفنية ستتركز بشكل مكثف على تحسين الإحصاءات، بدءاً من حسابات الدخل القومي وصولاً إلى إحصاءات الأسعار وميزان المدفوعات والمالية الحكومية.