الثورة – عبد الحميد غانم:
استجابة للتحديات التي يواجهها مزارعو القمح، أطلقت وزارة الزراعة مشروع “القرض الحسن” في خطوة تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي وتحفيز الإنتاج المحلي.
ويأتي المشروع ضمن الجهود الرامية إلى النهوض بالقطاع الزراعي وتأمين الغذاء في البلاد، وتوفير مستلزمات الإنتاج الأساسية للمزارعين.
وفي تصريح لصحيفة “الثورة”، أوضحت دائرة الإعلام في وزارة الزراعة أن القرض يشمل توفير بذار القمح والأسمدة الآزوتية والفوسفاتية بشكل عيني، وليس نقدياً، بقيمة إجمالية للمشروع تبلغ 75 مليون دولار.
وأكدت أن القرض “حسن” ولا يشمل أي فوائد، مع عدم فرض رسوم إدارية إضافية، على أن تبدأ فترة السداد بعد انتهاء موسم الحصاد.
شروط القرض

وأشارت الوزارة إلى أن شروط الاستفادة من القرض تشمل إثبات حيازة الأرض الزراعية عبر وثيقة التنظيم الزراعي، وفي حال تعذر توفرها يمكن الاعتماد على وثيقة الكشف الحسي الصادرة عن مديرية الزراعة، مع تقديم ضمانات إضافية تشمل كفالة من كفيلين ذوي ملاءة مالية أو كفالة عقارية.
كما يتوجب على المزارع توقيع عقد قرض عيني مع المصرف الزراعي التعاوني، يتضمن التزامه بالتعاون مع لجان المتابعة وتقديم بيانات دقيقة.
ولضمان وصول المستلزمات في الوقت المناسب، عممت الوزارة على مديريات الزراعة كافة لاستقبال طلبات المزارعين عبر الدوائر الزراعية والوحدات الإرشادية في المحافظات.
وتبدأ فترة التسجيل من 17 إلى 27 تشرين الثاني الجاري، بهدف تسهيل عملية التسليم وتجنب أي تأخير.
ويعد مشروع “القرض الحسن”، بحسب الوزارة، خطوة مهمة لدعم القطاع الزراعي، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي تتطلب تعزيز الإنتاج المحلي للقمح، المادة الأساسية في سلة الغذاء الوطني.
ومن المتوقع أن يسهم المشروع في زيادة المساحات المزروعة وتحسين الإنتاجية، بما ينعكس إيجاباً على الأمن الغذائي في سوريا.
تعزيز الثقة
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي يرى أن القرض “ليس مجرد دعم تقني، بل يمثل توجهاً استراتيجياً يعيد الاعتبار للزراعة كركيزة للنهوض الاقتصادي”.
وأوضح أن القرض يشمل بذار قمح محسّن لرفع الإنتاجية، وأسمدة آزوتية وفوسفاتية لتحسين جودة التربة والنمو، وتمويلاً من دون فوائد لتخفيف الأعباء عن كاهل المزارعين.
وأضاف أن المشروع يهدف إلى توسيع المساحات المزروعة، تحقيق الاكتفاء الذاتي، تحفيز الاقتصاد الريفي عبر دعم سلاسل الإنتاج الزراعي، وتعزيز الثقة بين الدولة والمزارع من خلال سياسات تمويلية عادلة.

التجربة اليابانية
ولفت الخبير إلى أن هذا النهج يتوافق مع استراتيجيات دولية نجحت في تحويل الزراعة إلى قاعدة للانطلاق الاقتصادي، كما حدث في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ركزت الحكومة على إصلاح الأراضي الزراعية وتوزيعها على الفلاحين، ما عزز العدالة الاجتماعية وزاد الإنتاج.
وأضاف أن دعم الحكومة اليابانية للفلاحين بالتقنيات والبذور والأسمدة ساهم في تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مما أدى إلى ما يُعرف بـ”المعجزة الاقتصادية اليابانية”، إذ تحولت اليابان خلال عقود قليلة إلى قوة صناعية عالمية، وكان للزراعة دور تأسيسي في هذا التحول.
وأكد أن استلهام التجربة اليابانية لا يعني نسخها حرفياً، بل تكييفها مع الواقع السوري، حيث تشكل الزراعة، وخاصة القمح، عنصراً حاسماً في معادلة الصمود الاقتصادي، فـ”القرض الحسن” ليس مجرد دعم موسمي، بل بذرة لسياسة اقتصادية جديدة تعيد الاعتبار للريف وتربط بين الإنتاج الغذائي والاستقرار الوطني.
واعتبر أنه في زمن الأزمات، تبرز الزراعة كدرع سيادي ومصدر للتماسك الاجتماعي، ومن خلال مبادرة “القرض الحسن”، تفتح سوريا نافذة أمل نحو نموذج تنموي متجذر في الأرض ومستند إلى تجارب عالمية ناجحة.
وأكد أن هذه الخطوة قد تمثل بداية مرحلة جديدة يكون فيها الفلاح شريكاً حقيقياً في بناء الاقتصاد، وليس مجرد متلقٍ للدعم، مما يعزز آفاق تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقرار الطويل الأمد.