الثورة – ثناء أبودقن:
تحمل عائشة صندوقها الخشبي القديم في منطقة القنوات بدمشق لعلها تحظى ببيع بضاعتها من البسكويت زهيد الثمن، ولكنها لا تحظى بأغلب الأوقات إلا بنظرات المارة المستهزئة أو بعباراتهم الساخرة، والقلة منهم ترميها بنظرة شفقة، فقامتها لا تتجاوز (50c.m).
أما تيسير الشاب الثلاثيني يقبع أمام بسطته بمدخل سوق باب سريجة وإحساسه بالظلم لا يفارقه، لأن الجميع رفضوا تشغيله عندهم، أما السبب فلأن طوله( 47c.m ).
وهؤلاء فئة من المجتمع امتازوا بقصر القامة، والتي تُعرف علمياً بمصطلح القزامة.
تُعدّ القزامة من الحالات الطبية، التي لوحظ انتشارها بين أطفال سورية مقارنةً بمتوسط الطول الطبيعي، أو بمقارنة المعايير الصحية للمجتمع، وذلك حسب الجنس والعمر وعوامل الوراثة.
القزامة لسوء التغذية
في ورقة حقائق التغذية الصادرة عن اليونيسف لسوريا (2023): بينت أن حوالي 25بالمئة من الأطفال دون الخامسة يعانون من التقزم (stunting)، كما يوجد 5بالمئة من الأطفال دون الخامسة لديهم “wasting” (هزال: أي نقص الوزن الحاد) وهذه نسبة تضاعفت في 2022 مقارنة بـعام 2019.
وفي ملخص توعوي من اليونيسف (2024) حول فقر الغذاء عند الأطفال في سوريا، تبين أن حوالي ثلاثة من كل أربعة أطفال بين 6-23 شهراً يعانون من “فقر غذائي للأطفال”، ما يزيد من خطر الإصابة بسوء تغذية وخلل في النمو، وهذا يفسح المجال واسعاً ليعاني الأطفال من نقص النمو والتقزم لاحقاً.
وهذه البيانات لليونيسف تركز غالباً على التقزم نتيجة سوء التغذية، وهو أمر شائع جداً في مناطق عانت من الحرب، مثل سوريا، وليس بالضرورة نفس القزامة الطبية أو الجينية.

معايير التقزم وأسبابه
تُعّرف منظمة الصحة العالمية قصار القامة، بأنهم الأشخاص الذين لا يزيد طول الذكر منهم عن 131 سم، أما الأنثى فلا يزيد طولها عن 121 سم، والتقزم هو حالة تتميز بقصر القامة بشكل غير طبيعي، ويتم تشخيص التقزم بشكل رئيسي من خلال قياس طول الشخص مقارنة بالمتوسط الطبيعي لسن معين.
ورغم أن طول القامة قد يختلف حسب العوامل الوراثية والبيئية، فإن الأشخاص المصابين بالتقزم غالباً ما يعانون من مشاكل صحية أو هيكلية تؤثر على نوعية حياتهم، بحسب الدكتورة آية زيتون أختصاصية في أمراض الغدد والاستقلاب، في حديثها لصحيفة الثورة.
وبينت الدكتورة آية أنّ للقزامة أسباباً متعددة، أبرزها: الطفرات الجينية التي تؤثر على نمو العظام، إضافة إلى اضطرابات الغدد، مثل نقص هرمون النمو أو قصور الغدة الدرقية، وفي حالات أخرى، قد تلعب العوامل الصحية مثل سوء التغذية أو الأمراض المزمنة دوراً في إعاقة النمو عند الأطفال.
ولعل أشيع أسباب قصر القامة عند الأطفال بعمر أكثر من سنتين هو قصر القامة العائلي (الوراثي) وتأخر النمو والبلوغ البنيوي، وهي حالة طبيعية غير مرضية، إذ يكون الطفل قصير القامة بمرحلة الطفولة لكنه يصل لطول جيد بعد البلوغ، على حد قول الدكتورة آية زيتون.
أما أهم الأسباب المرضية الغدية التي تسبب قصر القامة، فهو قصور الغدة الدرقية، الذي يحتاج للعلاج بهرمون التيروكسين، وبعد التشخيص المرضي للحالة، تأتي خطة العلاج المناسبة، ومن خلال المراقبة السريرية يتحسن طول الطفل ويصل لطول جيد، هذا كله في حال تم الكشف المبكر للمرض، وهناك سبب آخر لقصر القامة، هو ما يسمى عوز هرمون النمو الذي يسبب قصر قامة شديد لدى الطفل، وفي هذه الحالة لا يمكن أن ينمو الطفل ويصل لطول جيد بعد البلوغ إلا بتعويض هرمون النمو بشكل باكر والاستمرار بالعلاج به حتى سن البلوغ وتحت إشراف طبي متواصل.
وتضيف الدكتورة آية: وهناك حالات يمكن للأمراض الجهازية أن تؤثر على نمو الطفل، مثل أمراض الجهاز الهضمي (سوء الامتصاص والتهابات الكولون )، وأمراض الجهاز الهيكلي(التهابات المفاصل)، وأمراض الجهاز التنفسي (الربو والتليف الكيسي)، وأمراض الكلية والسرطانات المختلفة، ويكون علاج قصر القامة هنا بعلاج المرض المزمن الأساسي.