الثورة – هنادة سمير:
تتصاعد ظاهرة القطع الجائر للأشجار في سوريا بوتيرة مقلقة، مدفوعة بالضغوط الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات ونقص بدائل الطاقة، فلم تعد هذه الظاهرة مجرد وسيلة مؤقتة للتدفئة، بل أصبحت أزمة بيئية تمتد آثارها من الغطاء النباتي الى المناخ والزراعة انتهاء بالتنوع البيولوجي.
ووفق منصة مراقبة وحماية الغابات، فقد تراجعت مساحات واسعة من أحراج السنديان والصنوبر في جبال اللاذقية وطرطوس خلال العقد الأخير بنسبة تصل إلى 25 بالمئة، وتشير بيانات FAO إلى أن المناطق الجبلية والسهول السورية، مثل ريف دمشق والقلمون، شهدت انخفاضا ملموسا في كثافة الأشجار نتيجة القطع العشوائي وحرائق الصيف المتكررة.
الأرض تفقد رئتها
توضح تقارير منظمة الفاو أن القطع الجائر يشمل الآن مناطق واسعة من الريف السوري، حيث يعتمد السكان على الحطب للتدفئة ووتشير إلى أن الأشجار المقطوعة تشمل أصنافا بطيئة النمو مثل السنديان والصنوبر، والتي تحتاج بين 50 و70 عاما لتستعيد حجمها الطبيعي.

ووفق تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP فإن اختفاء الغابات يؤدي إلى تسارع انجراف التربة، خصوصا في المناطق الجبلية، حيث لم تعد الأرض محمية من الأمطار والرياح، وقد لاحظ السكان في اللاذقية وحماة انهيارات طفيفة في السفوح خلال الشتاء الماضي، وهي انعكاسات مباشرة على بيئة القرية والزراعة المحلية.
ومع تقلص مساحة الغابات تفقد العديد من الطيور والثدييات الصغيرة موائلها الطبيعية حيث يؤكد الخبراء أن هذه الخسائر البيولوجية يمكن أن تؤدي إلى اختلال دائم في التوازن البيئى.
وتؤكد التقارير أن الغابات تخفض درجات الحرارة المحلية بمعدل 2-4 درجات مئوية، ومع فقدان الغطاء الشجري، شهدت بعض القرى الجبلية في ريف دمشق ارتفاع الحرارة وتراجع الرطوبة، ما يؤثر مباشرة على المناخ المحلي.
الأشجار مستودعات للمياه
تعمل الأشجار كمستودعات طبيعية للمياه تمتصها وتعيد توزيعها تدريجيا داخل التربة ووفق تقارير دولية فإن فقدان الغابات يؤدي إلى زيادة احتمالات الفيضانات شتاء والجفاف صيفا، ما يفاقم الأضرار على الزراعة.
ويؤثر غياب الأشجار كذلك على رفع معدل التبخر، مما يقلّل الخصوبة الطبيعية للتربة، ويزيد كلفة الريّ، خصوصا في المناطق الحارة التي كانت تستفيد من الظلال الطبيعية للأشجار.
حلول متكاملة وخطوات للإنقاذ
يوضح الخبير البيئي المهندس محمود البقاعي في حديثه “للثورة” أن القطع الجائر ليس مجرد بحث عن الحطب، فالمشكلة مركبة، تشمل الفقر، ضعف الرقابة، وغياب بدائل الطاقة، وكثير من الأشجار المعمرة تُقطع من دون عقاب، لأن أجهزة الحراج ضعيفة والمراقبة محدودة فضلا عن نقص التوعية البيئية.
ويقترح البقاعي حلولا عملية تشمل: توفير بدائل طاقة بأسعار مناسبة مثل الغاز المنزلي والطاقة الشمسية للأرياف، وتشديد الرقابة على تجارة الأخشاب، مع تتبع الشحنات وتنظيم الأسواق، وكذلك إعادة التشجير المدروس باستخدام أصناف محلية مقاومة للجفاف والحرارة، مثل السنديان والملول والصنوبر البروتي إضافة إلى إشراك المجتمع المحلي في حماية الغابات، عبر حملات توعية وتشجير مشتركة في المدارس والبلديات.
ويوصي البقاعي باستخدام صور الأقمار الصناعية والخرائط الرقمية لمراقبة تراجع الغابات، وتوجيه فرق التشجير والرقابة إلى المناطق الأكثر تضررا، ويؤكد في ختام حديثه أن القطع الجائر للأشجار في سوريا ليس مجرد تدمير للغطاء الأخضر، بل تهديد متكامل للتربة والمياه والزراعة والمناخ والتنوع البيولوجي إلا أن الحل يبقى قائما إذا توفرت بدائل طاقة، وتم تشديد الرقابة، وشارك المجتمع المحلي في الحماية والتشجير.