الثورة – راغب العطيه:
تفتح زيارة وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، إلى الصين، نافذة أخرى في جدار العزلة الدولية التي حرمت سوريا خلال العقود الماضية -بسبب سياسات النظام المخلوع- من التواصل مع العالم، إلا من بعض العلاقات المحدودة التي نسجها هذا النظام على امتداد أكثر من نصف قرن، خدمة لمصالح بعض المحاور التي لم تقدم لسوريا والسوريين، سوى الأوهام والشعارات البراقة التي أفقرت البلاد وجوعت الشعب.
وعكس البيان المشترك السوري-الصيني الذي صدر بعد لقاء الوزير الشيباني مع نظيره الصيني، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وانغ يي، في بكين حرص الجانبين على الحفاظ على علاقات الصداقة التاريخية التي تربط الدولتين والشعبين الصديقين، وعلى العمل المشترك لتطوير العلاقات بما يخدم مصالح دمشق وبكين، مشددًا على ضرورة الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح كلا الجانبين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومواصلة التواصل والتشاور في منظمات المحافل الدولية.
معلومات لا أساس لها من الصحة
وجاء تأكيد البيان المشترك على بحث مجالات التعاون في الاقتصاد والتنمية، وإعادة إعمار سوريا، وبناء القدرات، وتحسين الظروف المعيشية للشعب السوري، وغيرها من مجالات الاهتمام المشترك، بما فيها التنسيق والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وقضايا الأمن، ليدحض بشكل واضح وصريح ما أوردته وكالة “فرانس برس” الفرنسية، حول اتفاق الجانبين على تسليم دمشق 400 من المقاتلين الإيغور الموجودين في سوريا إلى بكين، وذلك قبل أن ينفي مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين، بشكل قاطع ما نشرته الوكالة الفرنسية، مؤكداً أن المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع “لا أساس لها من الصحة”.
ويرى المراقبون أن نشر “فرانس برس” لهكذا أقاويل بدون تدقيقها، وربطها بمصادرها الحقيقية بشكل واضح لا لبس فيه، يأتي في سياق التشويش من قبل بعض الجهات المغرضة، على الزيارة الناجحة التي يقوم بها وزير الخارجية والمغتربين إلى الصين، ولقائه بكبار المسؤولين الصينيين، بعد سلسلة من الزيارات المهمة، إلى واشنطن ولندن وغيرها من العواصم، مؤكدين أن مثل هذه الأقاويل ليست جديدة على أحد، فقد ظهرت قبل ذلك بالتزامن مع زيارات مهمة قام بها الرئيس الشرع داخل البلاد وخارجها.
وقال الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق، الدكتور باسم عزو، حول ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الغربية، حول نية دمشق تسليم المقاتلين الإيغور للصين، إن هذه الأخبار المضللة، هي محاولة طبيعية من بعض سياسيي الغرب الداعمين لوسائل الإعلام تلك، لإبعاد سوريا عن التقارب مع الشرق المنافس لمصالحهم في منطقة الشرق الأوسط، والتي تشكل سوريا مركز الثقل فيه.
وكانت وكالة “رويترز” قد نشرت في وقت سابق هذا الشهر “أن أجهزة الأمن السورية أحبطت محاولتين منفصلتين لاغتيال الرئيس أحمد الشرع خلال الأشهر الماضية، نفذهما عناصر من تنظيم “داعش”، وذلك عشية الزيارة التاريخية للرئيس الشرع إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض”، ما فُسر أنه محاولة للتشويش على الزيارة التاريخية.
وكانت وزارة الإعلام قد نفت أواخر يونيو/حزيران الماضي، ما تم تداوله حينها عن إحباط محاولة لاغتيال الرئيس الشرع، وقالت في بيان نشرته وكالة “سانا”: “لا صحة لما تم تداوله من قبل عدة وسائل إعلامية عن إحباط الجيش العربي السوري والمخابرات التركية محاولة لاغتيال الرئيس الشرع خلال زيارته لدرعا”.
وفي السياق ذاته، كانت وسائل إعلام قد زعمت “بأن محاولة الاغتيال تقف خلفها خلية تابعة لتنظيم داعش، ويترأسها شخص من درعا اعتقله الجيش السوري قبيل يوم من زيارة الشرع”.
وزار الرئيس الشرع مدينة درعا في السادس من يونيو/حزيران الماضي، والتقى مع فعاليات شعبية ورسمية ومن المجتمع المدني.
وما يزال تنظيم “داعش” يشكل تهديدًا أمنيًا حقيقيًا في سوريا والمنطقة، إذ يحاول التنظيم إعادة بناء نفسه منذ سقوط نظام الأسد المخلوع، وقد أحبطت وزارة الداخلية وجهاز الاستخبارات العامة خلال الأشهر الماضية، عدة هجمات مرتبطة بالتنظيم، استهدفت عدة مواقع، بما في ذلك مواقع دينية.
وأطلقت وزارة الداخلية السورية مؤخرًا، حملة أمنية واسعة ضد خلايا التنظيم داخل البلاد، أسفرت عن اعتقال أكثر من 70 مشتبهًا به.
دمشق مهتمة بالشواغل الأمنية
بالمقابل، أبدى الشيباني خلال اللقاء، اهتمام دمشق بالشواغل الأمنية للجانب الصيني، متعهدًا بأن سوريا لن تكون مصدر تهديد للصين، ولن تسمح لأي كيانات باستغلال أراضيها للقيام بأنشطة من شأنها الإضرار بأمن وسيادة ومصالح الصين.
وجدد الشيباني التزام سوريا الثابت بمبدأ “الصين الواحدة”، واعترافها بأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها وتايوان جزء لا يتجزأ منها، ودعمها للصين في الحفاظ على سيادتها الوطنية ووحدتها وسلامة أراضيها، مؤكداً معارضة سوريا القاطعة لقيام أي قوى بالتدخل في الشؤون الداخلية الصينية، ودعمه لكل جهود الحكومة الصينية الرامية إلى تحقيق إعادة توحيد البلاد.
بدوره، أكد الجانب الصيني على الاحترام التام لسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، وأن الحكومة السورية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، وعلى دعمه للعملية السياسية في سوريا بقيادة الحكومة السورية، مشيداً بجهود سوريا المستمرة لإنهاء آفة المخدرات وتعزيز سيادة القانون ومكافحة الإرهاب وحماية حقوق جميع السوريين دون أي تمييز.
وأعرب الوزير الصيني عن دعم بلاده لمسيرة سوريا التنموية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية، مجددًا تأكيد بكين على أن هضبة الجولان أرض سورية محتلة باعتراف المجتمع الدولي.
وأوضح الأستاذ في جامعة دمشق أن زيارة الشيباني إلى الصين، القوة الاقتصادية العظمى، توجه حكومي صحيح يصب في حشد الدعم الدولي لمسار إعادة إعمار سوريا، والاستفادة مما توفره الصين من تطور تكنولوجي وسرعة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، مؤكدًا أن الزيارة تعد خطوة سياسية استراتيجية تمنح سوريا موقعها الصحيح في المجتمع الدولي، بشكل يحقق لها التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب بما يخدم المصلحة الوطنية للبلاد.
بعد الانفتاح على واشنطن وموسكو
وتأتي زيارة الشيباني إلى بكين بعد انفتاح دمشق على واشنطن والغرب وموسكو، لتؤكد من جديد أن سوريا تسعى إلى سياسة خارجية متوازنة، وأن بناء علاقاتها مع الصين يعكس رغبة في تنويع الشراكات الدولية، بعيدًا عن سياسات الاستقطاب والمحاور التي كان يتبعها النظام البائد خلال العقود الماضية.
وتمثل ملفات الأمن والسيادة، والتعاون الأمني، ومكافحة الإرهاب، والتنمية وإعادة الإعمار، ومبادرة “الحزام والطريق”، أولويات استراتيجية للحكومة السورية بعد سقوط نظام الأسد وتحرير البلاد، وأن الصين شريك رئيسي في دعم هذه المسارات، بما تملكه من قدرات سياسية واقتصادية وعسكرية.
كما أن لقاء الشيباني، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة، حسين السلامة، مع عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وأمين اللجنة المركزية للشؤون السياسية والقانونية، تشين ون تشينغ، اليوم في بكين، يؤكد اهتمام الجانبين بتعزيز التعاون الأمني وتطوير آليات التنسيق المشترك بين البلدين بما يخدم المصالح الاستراتيجية المشتركة.
وكان الشيباني والسلامة، قد التقيا أمس أبناء الجالية السورية المقيمين في الصين، واستمعا إلى ملاحظاتهم حول القضايا التي تهم وطنهم الأم سوريا، وأكدا على أهمية تعزيز التواصل بين الجاليات السورية والوطن الأم، والدور الفعال للسوريين في الخارج لدعم عملية بناء سوريا الجديدة.