وفد روسي تركي سوري في الجنوب.. خطوة نحو استقرار حدودي وسحب الذرائع من تل أبيب

الثورة – علي إسماعيل:

تعمل إسرائيل وفق مبدأ القضم والتفاوض؛ فتحتل الأرض أولا، ثم تبدأ بالعمل السياسي بهدف تشكيل ضغط أكبر على الطرف المقابل.

لذلك استغلت إسرائيل فترة التحرير في سوريا بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، واقتحمت المنطقة العازلة ووسعت احتلالها للأراضي السورية واستولت على قمة جبل الشيخ الاستراتيجي، وأسقطت اتفاقية فض الاشتباك المبرمة عام 1974.

ورغم وضوح السياسة السورية وطمأنتها للمحيط الإقليمي والدولي بعد التحرير باتباعها سياسة التوازن والحوار، إلا أن إسرائيل تجاهلت هذه التطمينات، وذهبت إلى أبعد حد من العداء تجاه القيادة السورية الجديدة التي احتوت التهور الإسرائيلي، وطوقت مطامعه للتخفيف من آثار جنوحه المفتعل، وعملت على استخدام الأساليب الدبلوماسية في مواجهة هذه الانتهاكات الإسرائيلية واستفزازاتها لتبريد الأجواء وترسيخ الاستقرار في الجنوب السوري.

ولأن الذرائع الإسرائيلية لا تنتهي لتحقيق أهدافها في سبيل نشر الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، افتعلت أحداث السويداء ونفذت اعتداءاتها على دمشق قبل التدخل الإقليمي والدولي لثنيها عن ممارساتها العدوانية.

العمل الدبلوماسي السوري وصلابة المواقف الوطنية والسيادية للقيادة السورية، أفضت إلى وصول وفد عسكري سوري-روسي-تركي إلى جنوب سوريا تمهيداً لعمل دوريات مراقبة جنوب البلاد، في خطوة تعكس جهودًا حثيثة للوصول إلى استقرار حدودي مشترك في ظل التوترات الإسرائيلية.

ويعد هذا الوفد العسكري المشترك الذي تجول في مناطق جنوب غرب سوريا مثل ريف دمشق، والقنيطرة، ودرعا يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني، أول تحرك ميداني من نوعه منذ التحرير، ويأتي كتنفيذ لتفاهمات روسية وسورية تمت خلال زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو.

وقال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، رداً على سؤال حول إمكانية تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل في مقابلة حصرية مع قناة “سي إن إن” الأميركية في 28 سبتمبر/أيلول الماضي: “نحن لا نشكل تهديداً لأحد في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، لكن هذه السياسات الجديدة للتعاون والسلام قوبلت بهذه التهديدات والضربات”.

الأمن الحدودي والتوترات الإسرائيلية

قالت “هيئة البث الإسرائيلية”، إن المفاوضات مع سوريا وصلت إلى طريق مسدود، بعد خلاف حول الانسحاب من الجنوب السوري.

كما لفتت “الهيئة” إلى أن إسرائيل اشترطت توقيع “اتفاق سلام” مع سوريا مقابل الانسحاب من المناطق التي تحتلها.

وأضافت أن إسرائيل ليست مستعدة للانسحاب من هذه المناطق إلا في مقابل توقيع اتفاقية سلام شاملة مع سوريا وليس مجرد اتفاق أمني، ولا تلوح مثل هذه الاتفاقية في الأفق حالياً، وفقاً لهيئة البث.

وجاء هذا بعدما أعلن الرئيس السوري، أحمد الشرع، الأسبوع الماضي لصحيفة “واشنطن بوست”، أن سوريا منخرطة في مفاوضات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، وقد قطعت شوطاً جيدا في طريق التوصل إلى اتفاق، لكنه لفت إلى أنه “للوصول إلى اتفاق نهائي، يجب على إسرائيل الانسحاب إلى حدود ما قبل 8 ديسمبر 2024”.

وأضاف قائلاً: إن “الولايات المتحدة معنا في هذه المفاوضات، والعديد من الأطراف الدولية تدعم وجهة نظرنا في هذا الصدد.. والرئيس الأميركي دونالد ترامب يدعم وجهة نظرنا أيضا، وسيدفع بأسرع ما يمكن من أجل التوصل إلى حل لهذا الأمر”.

كما أشار إلى أن القوات الإسرائيلية نفذت أكثر من 1000 غارة جوية على الأراضي السورية منذ 8 ديسمبر 2024 بعد سقوط النظام المخلوع، وشمل القصف القصر الرئاسي ووزارة الدفاع.

وقال وزير الخارجية، أسعد الشيباني، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني إن الحكومة السورية تسعى لتفادي التصعيد مع إسرائيل وتحاول الرد بالدبلوماسية على انتهاكاتها المتواصلة في أراضي بلاده، مشيراً في جلسة حوارية بمعهد “تشاتام هاوس” في لندن إلى أن إسرائيل تلعب حالياً دوراً سلبياً في سوريا، وهي غير راضية عن التغيير الذي حصل.

وحول ذلك، أكد المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي، أحمد حمادة، في تصريح لصحيفة “الثورة”، أن إسرائيل ألغت اتفاقية فصل القوات الموقعة في عام 1974 والتي كانت تنص على وجود قوات أممية في المنطقة العازلة، وهناك قوات من الجانبين تحافظ على وقف إطلاق النار وعلى خطوط التماس المتواجدة في تلك المنطقة، إلا أن إسرائيل استغلت الواقع السوري وبدأت تنتهك هذه الاتفاقات وتنتهك السيادة السورية وكذلك القرارات الأممية السابقة 242 و338 وغيرها من الاتفاقات.

ويضيف: أن “إسرائيل تريد احتلال المزيد من الأراضي السورية والتمركز في قمة جبل الشيخ الاستراتيجية ولا يريدون الانسحاب من تلك المنطقة إلا بثمن، وهو توقيع اتفاق سلام وتطبيع كامل معها، وهذا ما لا تريده الدولة السورية، وإنما تسعى الدولة السورية إلى تفاهمات أمنية عسكرية والتهدئة في الجنوب لمنع القوات الإسرائيلية من استمرار اعتداءاتها على الأراضي السورية”.

وكان من المفترض أن توقع سوريا وإسرائيل اتفاقاً أمنياً برعاية أميركية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، لكن تقارير صحفية ذكرت أن المحادثات تعثرت في اللحظات الأخيرة.

وتحدثت مصادر أمنية إسرائيلية آنذاك عن خلافات ظهرت خلال اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، تتعلق بشكل رئيسي بمطالب دمشق بانسحاب إسرائيل من المواقع التي احتلتها منذ أواخر عام 2024، والعودة إلى حدود اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 ووقف انتهاك الأجواء السورية.

كما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر قولها إن المحادثات تعثرت بسبب مطلب إسرائيل السماح لها بفتح “ممر إنساني” إلى محافظة السويداء بجنوب سوريا.

ومنذ دخولها إلى المنطقة العازلة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ارتكبت القوات الإسرائيلية انتهاكات في جنوبي سوريا، بما في ذلك جريمة الحرب المتمثلة في التهجير القسري، كما جاء في تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الذي نُشر في أيلول/سبتمبر، إذ تمت مصادرة منازل وهدمها، كما جرى احتجاز سوريين ونقلهم إلى داخل إسرائيل في انتهاكٍ واضح للقانون الدولي.

وقال آدم كوجل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”: إن الجيش الإسرائيلي يستند إلى “الضرورة العسكرية” في تبرير بعض تحركاته جنوب سوريا، وهي حجة ليست قوية، نظراً لعدم وجود أعمال قتالية نشطة، ولم يقدموا أي شكل من أشكال الرعاية للسكان، بل قاموا بطردهم فحسب.

في تشرين الأول/أكتوبر، احتجزت القوات الإسرائيلية خمسة مدنيين من جنوب القنيطرة، وهي واحدة من أحدث سلسلة توغلات واعتقالات منذ سقوط النظام المخلوع.

وفي آب/أغسطس، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على شاب قرب منزله، في قرية طرنجة شمال القنيطرة، وأردته قتيلاً، كما شنت غارات جوية قتلت مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية وأسلحة وذخائر تابعة للجيش السوري.

كارولين روز، مديرة معهد “نيو لاينز”، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، أشارت إلى أن الأساس الذي تستند إليه إسرائيل لإبطال اتفاق عام 1974 من طرف واحد “صيغ عمداً بقدر كبير من الغموض”.

وأضافت: “تعتبر الحكومة الإسرائيلية أن الفرصة الآن سانحة لتأسيس منطقة عازلة لطالما سعت إليها منذ البداية”، منطقة تمسك هي بزمام السيطرة عليها، كما أنها “وسيلة لتقويض أي زخم قد تتمتع به الإدارة الجديدة، ومنعها من الحصول على أي نوع من المعدات أو القدرات العسكرية التقليدية”.

وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، دعا إبراهيم علبي، المندوب الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة، إسرائيل إلى سحب قواتها من جنوب سوريا، بما في ذلك من الجولان السوري المحتل، وأدان ممارساتها، التي تقوض “أمن سوريا واستقرارها”.

تعاون ثلاثي في معادلة جديدة

وصل وفد عسكري روسي-تركي-سوري أمس الاثنين، إلى مناطق جنوب غرب سوريا، هو الأول من نوعه إلى تلك المناطق منذ سقوط النظام المخلوع.

وقالت مصادر محلية في محافظة القنيطرة، إن وفداً عسكرياً وصل إلى المحافظة مكوناً من نحو 15 سيارة دفع رباعي ترافقه نحو 10 سيارات من الأمن العام والشرطة العسكرية السورية إلى القطاع الشمالي من المحافظة.

وأضافت المصادر أن الوفد اتجه من مدينة سعسع بريف دمشق باتجاه منطقة بيت جن أقصى ريف دمشق الجنوبي الغربي، المحاذية لمحافظة القنيطرة، ثم توجه إلى التلول الحمر التي تقع غرب بلدة بيت جن، والتي كانت نقطة عسكرية روسية سابقا، ثم توجه الوفد إلى ريف القنيطرة الأوسط.

وأشارت إلى أن الوفد الذي لم يُعلن عن مهمته قام بتفقد بعض المواقع العسكرية التي كانت مقرات للقوات الروسية خلال حكم النظام البائد.وشهدت المناطق التي سلك الوفد طريقه منها انتشاراً أمنياً كبيراً لقوات الأمن العام السوري.

وفي هذا السياق يقول الخبير حمادة إن التعاون الثلاثي السوري-الروسي-التركي يعمل على خلق نوع من التوازن في منطقة الجنوب السوري وفي العلاقات مع الغرب ومع إسرائيل. لذلك، تشكل اليوم عودة القوات الروسية إلى منطقة الجنوب نقطة مهمة في ترسيخ الهدوء، حيث كانت روسيا تحتفظ بعدة نقاط هناك، وتسير دوريات شرطة عسكرية في تلك المنطقة.

فالوفد العسكري المشترك الذي زار بالأمس الجنوب السوري وانتقل من سعسع إلى حوض اليرموك عمل على تقييم ميداني للواقع ووثق الممارسات التي تقوم بها إسرائيل.

وتأتي الدوريات المشتركة تنفيذاً لتفاهمات بين موسكو ودمشق خلال زيارة الرئيس الشرع إلى روسيا، مع دور تركي كوسيط.

ويعكس هذا الحدث تحولاً في التحالفات الإقليمية حيث يسعى التنسيق الثلاثي إلى تعزيز الاستقرار الحدودي أمام التقدم الإسرائيلي الذي سيطر على مناطق واسعة واعتقل عشرات المدنيين مما يثير مخاوف أمنية.

كما يرتبط بتغييرات جيوسياسية كبرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك دور تركيا كوسيط، فوجود دوريات مشتركة روسية-تركية-سورية يسحب الذرائع الأمنية من إسرائيل، ويعيد رسم معادلة الاستقرار في الجنوب، لكنه في الوقت نفسه قد يفتح الباب أمام تصعيد إذا رفضت تل أبيب الانخراط في تفاهمات جديدة.

وقبل ذلك أعلنت وزارة الدفاع السورية أن الوزير مرهف أبو قصرة التقى في دمشق بوفد روسي رفيع المستوى برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكيروف، وبحث معه مجالات التعاون العسكري وتعزيز آليات التنسيق بما يخدم المصالح المشتركة ويواكب تطلعات البلدين.

وأوضحت الوزارة في بيان لها أن اللقاء ركز على سبل التنفيذ العملي لمجالات التعاون الثنائي الواعدة بين سوريا وروسيا، مؤكدة أن هذه العلاقات بالغة الأهمية وتشهد تطوراً ملحوظاً.

واعتبر وزير الدفاع الروسي، أندريه بيلاوسوف، عقب لقائه بنظيره السوري، مرهف أبو قصرة، في 28 أكتوبر/تشرين الأول في موسكو، أن وجودهما مجددا على طاولة المفاوضات يثبت فعالية الاتصالات بين قيادات البلدين السياسية والعسكرية ويفتح إمكانات هائلة للتعاون.

وتأتي هذه اللقاءات في سياق تطوير العلاقات الثنائية بين سوريا وروسيا على المستويين السياسي والعسكري، بعد سلسلة اجتماعات سابقة تعكس حرص البلدين على تعزيز التعاون الاستراتيجي.

بدوره، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مقابلة على قناة “هابر” التركية أمس الاثنين، إن الوجود التركي في سوريا يُعد “أمراً طبيعياً تماماً”، مشيراً إلى أن تركيا تعمل من منظور تاريخي واستراتيجي يتجاوز المصالح الضيقة، ويأخذ في الاعتبار مصالح المنطقة بأسرها.

وأشار فيدان إلى أن تركيا تسعى لحل الأزمة السورية بطريقة نادرة تاريخياً، تعتمد على سياسة أخلاقية تهدف إلى الاستقرار وعودة اللاجئين.

وأوضح أن تركيا تركز على إنهاء كل أشكال الاحتلال التي تهدد وحدة الأراضي السورية، وضمان عدم تهديد إسرائيل لسوريا، مع احترام سيادتها، وقال إن المحادثات بين دمشق و”قسد” توقفت مؤقتًا بسبب التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري.

المفاوضات المتعثرة مع إسرائيل

ترفض إسرائيل التوقيع على “اتفاق أمني” وتصر على “اتفاق سلام”، بينما تتوقف المفاوضات بسبب الخلاف حول الانسحاب من الجنوب.

وهذا المأزق يعكس اختلافا جوهريا في الرؤى، فدمشق ترى أن الأمن أولا، بينما تل أبيب تربط أي تفاهم باعتراف سياسي أوسع، ما يجعل الملف معقدًا ومفتوحًا على احتمالات متعددة.

مقاربة دمشق للقضية تنطلق من أن الاتفاق الأمني يهدف إلى ترسيخ الاستقرار في الجنوب السوري، وضمان حسن تطبيقه، للوصول إلى تفاهمات سلام مستقبلية، أساسها انتفاء أسباب العداء عبر الانسحاب من الأراضي المحتلة بعد التحرير، والعودة إلى اتفاق فض الاشتباك عام 1974، وكف إسرائيل عن التدخل بالشؤون الداخلية السورية، بينما تريد إسرائيل الوصول مباشرة إلى معاهدة سلام مباشرة وفق غطاء سياسي لنفوذ إسرائيلي في سوريا إضافة إلى تكبيل سوريا عن أي مطالب محقة لاحقا.

ويرى الخبير حمادة أن إسرائيل تريد أن تنهي ملف الجولان لصالحها على الرغم من أن هناك قرارات أممية تدل على أنها أراضٍ سورية محتلة، وسوريا تطالب باستعادتها ومنها هضبة الجولان كاملة.

ويقول حمادة إن إسرائيل دولة معتدية وتنتهك القانون الدولي معتمدة على دعم غربي بالسلاح والمواقف وغيرها من المجالات.

أوساط سياسية وتحليلات عسكرية أفضت إلى أن الذرائع الإسرائيلية تخفي بين طياتها مشروعا سياسيا لتفكيك سوريا من الداخل، حيث تسعى إسرائيل إلى التضييق على دمشق في عملية صنع القرار، ومحاصرتها، وجنوبا، دون أي عمق جغرافي لدفع الدولة السورية إلى الابتعاد شمالا، بحيث تصبح عاصمتها على تماس مباشر مع التحديات الأمنية والعسكرية.

هذا الأمر يعيد إلى الأذهان ما نصت عليه اتفاقية 1949 حين أوجدت مناطق منزوعة السلاح، وإن كانت محدودة نسبيا، لكنها أبقت على توتر لم يلبث أن انفجر لاحقا.

فرغم الإقرار بوقف إطلاق النار، ظلت تلك المناطق بؤرا للاشتباك والتوتر، لأنها لم تُحدد بدقة مرجعية النشاط المدني فيها، ولأنها تحولت إلى مناطق رمادية بين السيادة السورية والتطلعات الإسرائيلية، وكانت النتيجة سلسلة من المناوشات التي قادت في النهاية إلى حرب عام 1967، التي غيرت ملامح المنطقة برمتها.

وبحسب موقع منظمة “قانون المعاهدات”، يظهر الفرق بين الاتفاق والمعاهدة، فالاتفاقية يمكن أن تُبرم بين جهات مختلفة، سواء كانت شركات أم منظمات أم أفرادا، في حين أن المعاهدات تُبرم بين الدول، ويوقع عليها قادتها، بما يجعل لها شكلا أكثر رسمية وإلزاما.

وعادة ما تبرم الدول العديد من الاتفاقيات والمعاهدات، وفقا لأجندة السياسات الخارجية الخاصة بها، إذ يتفق كل من الاتفاقية والمعاهدة في الخطوات التي تتخذ لإبرامها، ففي البداية يبدأ الأمر بالمفاوضات، ثم توقيع المندوبين المفوضين، ومن ثم توقيع رأس الدولة بعد موافقة السلطات التشريعية في البلدان الموقعة.

وعلى سبيل المثال أبرمت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، ووقعت على معاهدة السلام معها في العام التالي، وتضمنت الاتفاقية الإطار العام والمبادئ العامة للمعاهدة التي وُقعت في وقت لاحق، كإنهاء النزاع بين إسرائيل والدول العربية والعيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها.

أما المعاهدة فأوضحت بشكل محدد وتفصيلي كيفية تعديل وضع القوات، وحل جميع الخلافات التي تنشأ في المستقبل، وغيرها من التفاصيل المتفق عليها بين الطرفين.

استقرار الجنوب.. الأبعاد الإنسانية والاقتصادية

ويشير الخبير حمادة إلى أن التعاون السوري-الروسي-التركي نتج عن زيارات متبادلة وهو ضرورة حتمية، وينبع من مصالح مشتركة؛ فسوريا تسعى إلى تحديث الجيش وشراء السلاح، بينما تريد روسيا الاستفادة من الموقع السوري الجيوسياسي في المنطقة الذي يمثل لب العالم من خلال الاحتفاظ بقواعدها العسكرية، خاصة أن العلاقات السورية-الروسية وُضعت على السكة الصحيحة بعد أن عملت الدبلوماسية السورية على تصحيحها.

وهنا تستثمر القيادة السورية في العلاقات الصحيحة مع روسيا لترسيخ الهدوء في الجنوب السوري. ويتابع أن العلاقة الجيدة بين سوريا والولايات المتحدة الأميركية، أصبحت تشكل عامل ضغط إيجابيًا على الجانب الإسرائيلي الذي يواصل يوميا انتهاك الأراضي السورية ويتوغل في مناطق عديدة وينفذ عمليات اعتقال للمدنيين وتجريف للأراضي، خارقا كل الاتفاقيات والقوانين الدولية.

أبعاد التعاون الثلاثي السوري-الروسي-التركي في الجنوب لا تنحصر ضمن الحدود الأمنية والسياسية فقط، بل تمتد إلى الأبعاد الإنسانية والاقتصادية في ارتباط وثيق بالجهود الدولية لفتح الطريق أمام مشاريع إعادة الإعمار، وتخفيف الأعباء الإنسانية التي خلفتها سنوات الصراع والاحتلال لضمان العودة الآمنة للاجئين.

فاستقرار الجنوب يسهم في تمهيد البيئة المناسبة لإعادة الإعمار، حيث تُقدر كلفة إعادة بناء سوريا بأكثر من 200 مليار دولار، وقد يفتح الاتفاق الباب أمام التمويل الدولي والمبادرات الاستثمارية.

وتسعى دمشق، بمظلة روسية، إلى إعادة تثبيت خطوط التماس والسيطرة، وفرض نقاط توقف توسع القوات الإسرائيلية جنوب البلاد.

لذلك، تولي الأوساط السياسية اهتماما خاصا للزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى واشنطن في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تُعد الولايات المتحدة ضامنا محوريا لدفع الاتفاق قدما، بعد تحول العلاقات السورية-الأميركية من عزلة إلى تعاون واستراتيجية مشتركة.

ويبرز الرهان الأميركي في إعادة دمج سوريا ضمن النظام الإقليمي والدولي، فيما يركز الجانب السوري على استعادة دوره ومكانته دون المساس بالثوابت الوطنية.

فالاتفاقية الأمنية تعدو كونها تفاهمات محدودة في إطار أمني أو عسكري، بل تتعدى ذلك إلى تفاهم سياسي يعيد تعريف الدور السوري الإقليمي، ومرحلة جديدة من العلاقات الدولية.

كما أنه يمثل اختبارا حقيقيا للقدرة السورية على الحفاظ على السيادة الوطنية دون تقديم تنازلات تمس وحدة البلاد.

وكان البروفيسور إيال زيسر، نائب رئيس جامعة تل أبيب، قد أشار في مارس/آذار الفائت، إلى أن لا مصلحة لإسرائيل في أن تبدو بمظهر العدو للإدارة الجديدة في سوريا، محذرا من خوض مغامرة جديدة هناك عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وكتب في مقال له بصحيفة “يسرائيل هيوم”، أن إسرائيل توجه طاقتها حاليا صوب مغامرة جديدة في سوريا “غير مدروسة ومتهورة” وتفتقر إلى أي منطق استراتيجي أو عسكري مما سيضر بها في المستقبل.وفي وقت لاحق، أشار الخبير الإسرائيلي زيسر إلى أن المقترح الأمني ليس مجرد مبادرة سياسية، بل خطوة تعكس توجهًا أميركيا نحو إعادة صياغة العلاقات مع دمشق، مؤكدا أن الاتفاق سيكون أساسيا لتهدئة الأوضاع على طول الحدود السورية-الإسرائيلية، ويساهم في استقرار الداخل السوري أيضا.

آخر الأخبار
آليات تسجيل وشروط قبول محدّثة في امتحانات الشهادة الثانوية العامة  سوريا توقّع مذكرة تفاهم مع "اللجنة الدولية" في لاهاي  إجراء غير مسبوق.. "القرض الحسن" مشروع حكومي لدعم وتمويل زراعة القمح ملتقى سوري أردني لتكنولوجيا المعلومات في دمشق الوزير المصطفى يبحث مع السفير السعودي تطوير التعاون الإعلامي اجتماع سوري أردني لبناني مرتقب في عمّان لبحث الربط الكهربائي القطع الجائر للأشجار.. نزيف بيئي يهدد التوازن الطبيعي سوريا على طريق النمو.. مؤشرات واضحة للتعافي الاقتصادي العلاقات السورية – الصينية.. من حرير القوافل إلى دبلوماسية الإعمار بين الرواية الرسمية والسرديات المضللة.. قراءة في زيارة الوزير الشيباني إلى الصين حملات مستمرة لإزالة البسطات في شوارع حلب وفد روسي تركي سوري في الجنوب.. خطوة نحو استقرار حدودي وسحب الذرائع من تل أبيب مدرسة أبي بكر الرازي بحلب تعود لتصنع المستقبل بلا ترخيص .. ضبط 3 صيدليات مخالفة بالقنيطرة المعارض.. جسر لجذب الاستثمارات الأجنبية ومنصة لترويج المنتج الوطني المضادات الحيوية ومخاطر الاستخدام العشوائي لها انطلاقة جديدة لمرفأ طرطوس.. موانئ دبي العالمية تبدأ التشغيل سوريا والتعافي السياسي.. كيف يرسم الرئيس الشرع ملامح السياسة السورية الجديدة؟ هل تسهم في تحسين الإنتاجية..؟ 75 مليون دولار "قروض حسنة" لدعم مزارعي القمح نقلة تاريخية في التعليم.. التربية الدينية تدخل مضمار المنافسة على المقاعد الجامعية