في الذكرى الـ 71 للنكبة .. خنجر ترامب المسموم بالجسد الفلسطيني لتصفية القضية وشطب الحقوق.. لا يضيع حق وراءه مطالب
يخيم شبح التوتر والتصعيد على المنطقة مجدداً مع مرور الذكرى الحادية والسبعين للنكبة الأم أي نكبة فلسطين حيث لا تزال تداعياتها مستمرة في اتجاهات عديدة، إن لجهة تصميم الكيان الصهيوني ومن يدعمه ويقف خلفه على تصفية القضية الفلسطينية وإقامة «دولته» العنصرية على كامل التراب الفلسطيني ضمن ما بات يعرف بـ»صفقة القرن»، أو لجهة حالة الضعف والتشرذم التي تعيشها الأمة العربية حالياً كأنظمة وحكومات بسبب ما يعرف بفوضى «الربيع العربي» التي اجتاحت المنطقة قبل ثماني سنوات، وانخراط العديد من الدول العربية ولاسيما الأنظمة الخليجية منها في المشروع الأميركي الترامبي تمويلاً ودعماً لتقديم ما تبقى من فلسطين المغتصبة للكيان الإرهابي الغاصب، مع الاستعداد لإقامة أفضل العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية مع هذا العدو المحتل على حساب أبناء جلدتهم في فلسطين ممن احتلت أرضهم ونُكل بهم وتم تشريدهم لاجئين في أربع جهات الأرض.
فيوماً بعد يوم تتكشف المزيد من الفضائح حول انخراط بعض الأنظمة العربية في هذه الصفقة الملعونة إما تمويلا أو تعويضاً أو ضغطا سياسيا على أصحاب الحق كي يتنازلوا عن حقهم وأرضهم ومقدساتهم ويقبلوا صاغرين بما يرمى لهم من فتات على طاولات التسوية والتنازل والخضوع والاستسلام، ولكن الرياح أبداً لا تجري كما تشتهي سفنهم الذليلة لأن أبناء القضية من مناضلي ومقاومي فلسطين ومن يقفون خلفهم في محور مقاومة المشاريع الأميركية والصهيونية مستمرون في حمل لواء هذه القضية العادلة رغم كل الصعوبات والمخاطر التي تتعرض لها دولهم وشعوبهم.
ذكرى نكبة فلسطين لهذا العام لم تختلف كثيراً عن ذكراها في السنوات القليلة الماضية، إلا في تطورين خطيرين أولهما إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطوة عدوانية حمقاء على الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، وما تلاها من نقل السفارة الأميركية إليها في تحد سافر واستهتار واضح وصريح بكل القوانين والأعراف والشرائع والقرارات الدولية، وثانيهما جريمة الاعتراف الأميركي بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان العربي السوري المحتل في إطار دعم أميركي إضافي لهذا الكيان يعوضه عن إخفاقاته الكبيرة في سورية بعد عجز الأخير عن تغيير المعادلات القائمة في المنطقة بالرغم من اضطلاعه بدور محوري في الحرب الارهابية التي شنت على سورية منذ ثماني سنوات، و قطف نتيجة تدخله الأحمق في الحرب نتائج عكسية لم تكن في حسبانه وعلى رأسها تمتين روابط التحالف القائم بين أجزاء محور المقاومة الممتد من إيران إلى لبنان مروراً بسورية والعراق ودخول روسيا على خط الحرب كحليف للدولة السورية في محاربة الارهاب، ما وقف سداً منيعاً في مواجهة الطموحات الإسرائيلية على أكثر من صعيد وقضى على الحلم الصهيوني في التوسع شمالاً وشرقاً وفرض عليه التقوقع ضمن الحدود الحالية بهواجس مستقبلية كبيرة على وجوده ومصيره ومشاريعه في المنطقة.
في المقابل لم تكن خطوات ترامب على طريق استكمال ما يسمى «صفقة القرن» أي الاعتراف بالقدس كعاصمة ونقل السفارة الأميركية إليها عامل اطمئنان لنتنياهو وكيانه الغاصب حيث تحرك الفلسطينيون في هبة شعبية جديدة «مسيرات العودة» في قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية ضد الاحتلال ومشاريعه وكذلك رفضا لقرارات ترامب غير الشرعية، مقدمين مئات الشهداء وعشرات آلاف المصابين والجرحى ليؤكدوا للاحتلال ومن يدعمه ويناصره ويتواطأ معه مجدداً أن الفلسطينيين لن يقبلوا بمنطق الاحتلال وصفقاته ولن يتخلوا عن حقوقهم مهما كانت النتائج، وليس بينهم من يوقع على التنازل عن شبر واحد من القدس او الضفة مهما كانت المغريات والعروض، وهذا ما شكل فشلا جديداً لحكومة الاحتلال وتشرذماً داخلها دفع ببعض وزرائها «وزير الحرب أفيغدور ليبرمان للاستقالة» والانسحاب من الائتلاف الحاكم ما اضطر نتنياهو لتنظيم انتخابات مبكرة لم يكن فوزه فيها ليغير شيئاً من واقع الحال، وهو استمرار الانتفاضة الفلسطينية وتنفيذ بعض الشباب الفلسطيني المقاوم عمليات بطولية نوعية أدخلت الرعب في نفوس الإسرائيليين وجعلتهم يتوجسون قلقاً من قدرة هؤلاء الشباب على مقارعة الاحتلال والتغلب على إجراءاته الأمنية والقمعية.
كان مخططاً لنكبة فلسطين في العام 1948 وما تلاها من نكسات وتطورات وحروب وأحداث مؤلمة أن تقضي على حقوق الشعب الفلسطيني وتنتزعه من أرضه ومقدساته، وان تحطم أي أمل عربي بالتلاقي والتعاون من أجل استعادة الأرض المحتلة، ولكن الاحتلال الذي يملك مختلف وسائل القتل والإرهاب والتدمير الشامل، ويحظى بدعم أميركي وغربي غير محدود وتواطؤ عربي وإقليمي لا يزال عاجزاً عن إقامة مشروعه وحلمه التوراتي القديم بالسيطرة على المنطقة من النيل الى الفرات، ولعله اليوم يحاول عبثاً أن يكون آمناً فقط ضمن الحدود الحالية التي تقوقع فيها منذ عشرات السنين، وبالرغم من كل ما قُدم له من فرص من أجل السلام مقابل الأرض، وما عرض عليه من تنازلات وصفقات خلف الأبواب، لا يزال كثير القلق والخوف على مستقبله ومصيره لأنه يعلم في قرارة نفسه أنه قوة احتلال زائلة مهما طال الزمن، لأنه لا يزال في نظر الأكثرية الساحقة من أبناء الأمة الممتدة من المحيط إلى الخليج العدو رقم واحد الذي يجب مواجهته، وإن حاول بعض العملاء والخونة من رموز الأنظمة الذليلة التابعة لأميركا معاملته معاملة الصديق والحليف والجار، إذ لا يضيع حق وراءه مطالب ودروس التاريخ أكثر من أن تحصى.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأربعاء 15-5-2019
الرقم: 16978