استهداف وتخريب ممنهج للمواقع الأثرية و التاريخية بدرعا خلال سنوات الحرب الإرهابية… مصادرة العديد من القطع الأثرية…80 % من الآثــار تعــرضت للتخريب والتنقيب
أدت الأزمة والحرب وعدم تمكن الحراس المكلفين حماية تلك المواقع من الوصول إليها كونها كانت واقعة في «المناطق التي كانت ساخنة سابقا» إلى تضرر وتخريب الكثير من المعالم الأثرية المهمة بدرعا والتي تدل على حضارة وثقافة المنطقة وتوغلها في القدم.
ونظرا لأهمية الصروح التاريخية والحضارية والإنسانية وما تعرضت له من تخريب واستهداف على يد العابثين خلال سنوات الحرب فقد قامت السلطات الآثارية ممثلة بمديرية آثار درعا بمجموعة من الفعاليات والنشاطات لتوضيح ما تعرضت له المواقع التاريخية والإنسانية من استهداف وتخريب ممنهج خلال سنوات الازمة.
الدكتور محمد نصر الله مدير آثار درعا قدم شرحا «للثورة» عن واقع الآثار ودلالات استهدافها بدرعا حيث أكد أهمية الإرث الحضاري والإنساني الموجود في المحافظة وما تعرض له من خراب ودمار ممنهج من قبل المنقبين السريين والمسلحين وخاصة في «المناطق التي كانت غير آمنة» قبل التحرير.
وأكد نصر الله أن هناك الكثير من المواقع الأثرية المهمة المسجلة على قائمة التراث العالمي مثل بصرى الشام التي تضم نحو 54 موقعا أثريا مسجلة على قائمة التراث الوطني والعالمي وقد تضرر منها نحو 17 موقعا منها بشكل ملحوظ وكبير وأهمها المدرج والكلبية والسوق الأرضية وجامع مبرك الناقة والمسجد الفاطمي وغيرها.
في البداية نجد أن مدينة بصرى التي تعد قلعتها من أهم القلاع الموجودة في العالم، وقد تعرض هذا الإرث التاريخي الكبير لأضرار كبيرة جراء الأحداث .
بصرى درة الجنوب
وعنها يقول مدير الآثار إن الزائر عند قدومه من الغرب إلى مدينة بصرى يشاهد باب الهوى الذي يرجع تاريخ إنشائه إلى القرن الثاني الميلادي، وكذلك يشاهد أهم المعالم الأثرية في مدينة بصرى جامع مبرك الناقة الذي بركت فيه ناقة النبي محمد (ص)، عندما مر ببصرى قبل البعثة في تجارته، ودير الراهب «بحيرا» الذي يعود بناؤه إلى القرن الرابع الميلادي وأهم ما فيه المذبح وقوسه الشاهق البيضوي الشكل والمعبد النبطي وغير ذلك من المساجد والكنائس كالمسجد المملوكي والجامع العمري والكنيسة الكاتدرائية ومعبد حوريات الماء وبركة الحاج وحمام المنجك والسوق الرئيسية وغيرها، وقد تم تخريب الكثير من هذه الأماكن من قبل المنقبين السريين والمسلحين.
مواقع اللجاة الأثرية لها نصيب
على أرض منطقة اللجاة تصادفك قرية مسيكة الأثرية التي مازالت أبنيتها من الحجارة البازلتية قائمة حتى الآن وكأنك تعيش في العصر الروماني وحولك الآبار الرومانية والأزقة المرصوفة بالحجارة البازلتية وبيوت العبادة. ومن عاسم إلى الشمال الغربي بمسافة لا تزيد عن 10 كم، تصل إلى قرية جدل مسقط رأس العالم الكبير مفسر القرآن الكريم ومؤلف كتاب «البداية والنهاية» ابن كثير الدمشقي وهذه المناطق لم تسلم من أعمال المنقبين السريين كونها كانت تقع في مناطق غير آمنة.
استهداف ممنهج
وأضاف في مدينة نوى نجد مقام الإمام النوويً، وقد تم تخريب هذا المقام بشكل شبه كامل كما تم التنقيب في منطقة خربة الحجاجية شمال نوى وتل أم حوران بشكل خرب المعالم التاريخية لهذه المواقع …وإلى الجنوب من مدينة نوى بمسافة قصيرة نجد مقام الصحابي سعد بن عبادة الذي يقع إلى الغرب قليلاً من نبع النبي أيوب عليه السلام على نحو يلاصق الجامع القديم في قرية الشيخ سعد التي سميت باسمه… وفي الحي الجنوبي من قرية الشيخ سعد يوجد مقام النبي أيوب الذي تم تخريبه بالكامل من قبل المنقبين السريين..أما في بلدة تل شهاب الأثرية المشهورة بطواحين الماء وشلالاتها والجسور التي تعود للفترة العثمانية والأنفاق الخاصة بالقطار في الوادي فقد عيثت بها يد المنقبين ً بحثاً عن اللقى والكنوز، وكذلك تل الأشعري غرب مدينة طفس الذي شهد عمليات تنقيب عشوائية خربت معالمه بشكل كبير.
وفي مزيريب نجد القلعة التي يعود تاريخها إلى العهد العثماني وكانت استراحة للحجاج أيام الحج الشامي، وقد تم تخريب قسم كبير منها من قبل المنقبين السريين، وإلى الغرب من هذه القلعة توجد الطاحونة الرومانية التي كانت تعمل على الماء وهي بوضع مأساوي وتم تخريبها بشكل كبير.
وعن قصر زين العابدين بإنخل أوضح نصر الله أن هذا القصريعد من القصور الأثرية المهمة بالمحافظة ويعود للعهد الروماني وقد تعرض لأعمال التنقيب والتخريب ومن أهم المباني والمواقع الأثرية مدرج درعا البلد الأثري الذي تعرض لأضرار كبيرة جراء الأحداث وكذلك المعبد المجاور له فقد تعرص لأعمال التنقيب السري إضافة لتضرر الجامع العمري بشكل كبير في البلد
تضرر 80% من الآثار
وفيما يخص الإجراءات التي اتخذتها الدائرة يقول نصر الله: إن الدائرة أنجزت منذ فترة ً جميع الإجراءات والموافقات المطلوبة للبدء بالكشف الحسي على المواقع الأثرية في المناطق التي أعاد إليها الجيش العربي السوري الأمن والاستقرار وإن كوادر الدائرة دخلت إلى بعض المواقع الأثرية لإعداد مذكرات حول حجم التخريب والضرر الذي تعرضت له من أجل إعادة الترميم لاحقاً. مبينا أن نحو 80%من المواقع الأثرية بدرعا تعرضت للتخريب والنهب خلال سنوات الأزمة والحرب على سورية ولاسيما التلال والخرب الأثرية في الأشعري وعشترة والجابية وأم حوران والحجاجية وتل شهاب وغيرها.
إجراءات قانونية
وأوضح نصر الله أن المديرية العامة للآثار والمتاحف كانت قد اتخذت كل الإجراءات القانونية وخاطبت إحدى دول الجوار من خلال وزارة الخارجية بضرورة ضبط الحدود ومنع تهريب الآثار عن طريقها إلى الدول الأخرى موضحاً أن الدائرة رفعت دعاوى قضائية بحق كل من تم التعرف عليه بالمشاركة في نهب الآثار وتخريب المواقع الأثرية بالمحافظة مؤكداً أن هناك قراراً من مجلس الأمن الدولي لحماية الآثار السورية حيث تم تكليف الشرطة الدولية بتنفيذ هذا القرار وإعادة كل قطع الآثار السورية المنهوبة إلى سورية.
مصادرة قطعتين مسروقتين
من متحف القنيطرة
وأردف نصر الله أن الدائرة قامت بتوثيق الاعتداءات على الآثار وعرضها على الجمهور ضمن الإمكانيات المحدودة للدائرة.
مؤكدا أن عدد المواقع الأثرية المسجلة على لائحة التراث الوطني بدرعا يبلغ نحو 128 موقعاً أثرياً ولا يزال نحو 250 موقعاً غير مسجلة حيث تعمل الدائرة على تسجيل مباني الخط الحديدي الحجازي بدرعا ضمن هذه اللائحة ليصار إلى ترميمها وإعمارها لاحقاً.
واوضح نصر الله أن هناك الكثير من المصادرات للقطع الاثرية التي تمت من خلال إبلاغ الحراس أو المجتمع المحلي أو على يد الجهات المختصة المعنية حيث تم استلام الكثير من المصادرات ومنها استلام قطعتين آثريتين حجرية تبين أنهما تعودان لمتحف القنيطرة واحدة عليها رقم متحفي كما تم مصادرة قطعة حجرية على شكل تمثال لجذع سيدة بطول 70 سم بالصنمين وشاهدة قبر عليها نحت ناقر لرأس وجذع سيدة إضافة لمصادرة الكثير من القطع الأثرية التي كانت معدة للتهريب وكانت بحوزة تجار كانوا على تواصل مع جهات خارجية لتصريف ما لديهم من آثار خارج القطر وتشمل المصادرات لقى حجرية وفخارية وزجاجية ومخطوطات وأيقونات وأحجار كريمة وحلي ومسكوكات نقدية متنوعة وخرز أغلبها أصلي وبعضها مزيف.
وأخيراً
كل هذا الإرث الحضاري والتاريخي الكبير الموجود بدرعا تعرض على مدى أكثر من سبع سنوات مضت لهجمة تخريب شرسة لذلك نتمنى الحفاظ على تلك الصروح التاريخية والحضارية وتشكيل لجان وروابط في المحافظات لحماية الآثار والتعريف بها والحفاظ عليها وتوثيق الأضرار المادية واللامادية وتعزيز التشاركية مع المجتمع الأهلي لإعادة ترميمها والحفاظ عليها.
درعا- جهاد الزعبي
التاريخ: الثلاثاء 28-5-2019
رقم العدد : 16988